{ بسم الله الرحمن الرحيم }
الـحَـمْـدُ لِلّه وَحْـدَهُ والْـصََّـلَاةُ والـسّـلَامُ عَـلَـىْ مَـنْ لَا نَبـِـيًّ بـَعْـدَهُ وعَـلَـىْ آَلِـهِ وصَـحْـبـَه … وبـَعْـد:-
زيارتي لجامع الهلالية الأثري وتاريخ يروي أكثر من أربعة قرون
بلدة الهلالية في القصيم أنشأها حجاج آل أبو غنام أحد أحفاد زهري بن جراح السبيعي منشئ مدينة عنيزة … وذلك أن حجاج وابناه حميدان وسعد نزحوا إلى الهلالية في نهاية القرن العاشر الهجري وبداية القرن الحادي عشر الهجري … وكانت عبارة عن رياض خصبة وفيرة المياه تحيط بها رمال النفود من الجنوب والشرق على شكل هلال ومن الناحية الشمالية والغرب مناطق جبلية … فحفر بها حجاج وأولاده الآبار وغرسوا النخيل و بنوا الدور وأحاطوها بسور له بابان قبلي وجنوبي و بنوا في أركان سورها قلاعاً (أبراج) لاستخدامها لحماية البلدة عند الحاجة ولا يزال اثنان من الأبراج قائماً …
عندما نشأت البلدة تم تأسيس مسجد جامع في وسطها وعمروه بالطين واللبن وسقفه من الجريد والخشب وذلك في مطلع القرن الحادي عشر الهجري ولا يزال قائماً على أساسه الأثري القديم … كانت لي زيارة لهذا المعلم الفريد عدة مرات هذا العام والتقيت وهاتفت عدداً من أهالي البلدة الفضلاء ومنهم إمام المسجد الحالي … فهذا المسجد يعتبر معلماً مميزاً وفريداً ومتكامل الخدمات و مازال على شكله الأول وأساساته القديمة …
إحداثي المسجد
26.07.059
043.40.723
الارتفاع
649 متر
يتكون الجامع من مسجد من ثلاثة أروقة .. و في الجهة الشمالية من المسجد الخلوة ( مكان الصلاة في الشتاء ) … وبمؤخرة المسجد مصلى للنساء … وبئر ( حسو ) … وعلى سطحه منارة للأذان … يبلغ مسطح المسجد قرابة 20×25 متر … وقد رمم المسجد عدة مرات وآخرها عام 1419 هـ …
المسجد من الخارج
للمسجد بابان من الشمال والجنوب … الباب الشمالي (يمين الصورة) الباب الدائم للرجال و عليه سلم ( درج ) للصعود إلى علية المسجد والمنارة ….
الباب الآخر في الجهة الجنوبية وهو باب إضافي للمسجد … وهو المؤدي المباشر لمصلى النساء وعليه أيضاًً سلّم آخر يؤدي للسطح … في الصورة يتضح الباب وكذا مصلى النساء ( في جداره الخلفي يظهر جهاز التكييف ) …
صورة تبين الباب الجنوبي والجزء الجنوبي من المسجد …
باحة المسجد
عند الدخول للمسجد من الباب الشمالي يوجد على الميمنة غرفة صغيرة وهي المدرسة … وفي الأمام السلّم ( الدرج ) … وفي باحة المسجد يوجد العديد من الأقسام …. يظهر في الصورة المرتفع … وقد كانت مزرعة قديمة ( بروة ) ويوجد بها عدد من أشجار النخيل الموقفة على المسجد وعلى الإمام والمؤذن … وكلٌ يعرف نخلته … وتسقى من البئر المجاورة من فائض الماء المستخدم في الوضوء ونحوه … وقد ماتت النخيل منذ زمن … وهو الآن مكان للصلاة أثناء فصل الشتاء ( مشراق ) في الشمس للتمتع بالدفء والتشمس …
هنا يظهر جزء من المسجد ناحية الجنوب ومصلى النساء والمشراق و الحسو ….
صورة للجهة الشمالية من الباحة ويظهر المصلى يمين الصورة وبعده مكان الوضوء والبئر وفي الأمام غرفة المدرسة والدرج وأسفله باب الخلوة …
المسجد
يتكون المسجد ( المصابيح )من ثلاثة أروقة كل رواق يتكون من تسعة أعمدة يربط بين كل عمودين برابط من الألواح الحجرية المستطيلة على شكل زاوية حادة وتقع في الجهة الشمالية من المسجد الخلوة … أرضية المسجد قبل الترميم ( حيث أنها حالياً من الاسمنت ) كانت تغير سنوياً قبل رمضان فتزال تربتها القديمة وتستبدل بتربة ناعمة حمراء نظيفة …
الاهتمام الواضح الدائم للمسجد وأركانه يتضح هنا … والصلاة تقام فيه جميع الأوقات منذ أكثر من أربعة قرون …
منذ إنشاء البلدة مطلع القرن الحادي عشر كان هو المسجد والجامع والمدرسة وحتى ضاق المسجد بالسكان … وبدأت البلدة بالنزوح للشمال … حتى اضطروا لإنشاء مسجد جامع أكبر ليتسع للجميع ويكون أقرب للمنازل والأحياء الجديدة فكانت آخر جمعة صليت فيه عام 1390 هـ تقريباً ….
الأعمدة أنشأت من الحجر الصلب المستطيل ( الخرز ) والذي يعمل وينقر على الشكل الدائري المناسب للعمود … وقد وجدتُ بعض الحجارة المشابهة لها في بعض نواحي المسجد ( خرزة ) …
المحراب الرئيسي للمسجد وفيه المنبر الذي يستخدمه إمام الجمعة للاعتلاء عليه وهو عبارة عن درجات ثلاث … وعلى جنبات المحراب يوجد فتحة صغيرة كان يوجد عليه باب صغير في القديم … يفتح الباب قبل صلاة الجمعة بقليل … وهو لإدخال ضوء الشمس ليتمكن الإمام من قراءة الخطبة المعدة سلفاً … و للفتحة فائدة أخرى … حيث صنع عريش صغير ( عشة ) في الخارج تجلس فيه النساء للاستماع للخطبة والاستفادة منها … حيث كان الإمام هو المصدر الوحيد لتعليم الشريعة وأمور الدين ولا يتصدر للإمامة سوى من لديه القدرة والعلم الكافي … وقد تستفتيه النساء عبر هذه الفتحة في أمورهن وما يشكل عليهن في حياتهن العامة …
صورة أخرى لناحية من نواحي المسجد وفيها الجزء الخلفي من المسجد و نهاية الصف يوجد غرفة الاعتكاف الصغيرة …
غرفة الاعتكاف
في هذه الناحية من المسجد يوجد مكان صغير وهو أسفل السلم الجنوبي … كان يستخدمه من يعتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان … حيث كان وما زال الاعتكاف في المساجد آخر رمضان للعبادة من الظواهر الشائعة والمألوفة جداً بحمد الله … في هذه الغرفة الصغيرة يضعون أشيائهم وحاجياتهم ويوضع عليها ستر بسيط … وقد غيرت الغرفة مؤخراً وسد جزء منها …
ملحق النساء
من ملاحق المسجد الضرورية والتي يحرص على إنشائه لاسيما في المساجد الرئيسية للمدن : مصلى النساء … في هذا المسجد المصلى له شأن واهتمام جيد …
الباب الجنوبي يؤدي مباشرة للمصلى بحيث لا يختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج … ويظهر هنا غرفة المصلى في اليسار والباب المؤدي للخارج يمين الصورة …
أمام المصلى يوجد مرتفع لتسوية الأرض بالمصلى … وكان في السابق يوجد فتحة جانبية منه على البئر لجلب المياه للوضوء ..
مصلى النساء و هو مغطى بسقف وجدران أربعة وباب واحد … يحوي ثلاثة صفوف للصلاة … و قد خدم بالكهرباء حالياً والتكييف و وضعت فيه المصاحف والفرش الجيدة …
في جانب المسجد الجنوبي يوجد السلم الثاني ( الدرج ) المؤدي للسطح وعالية المسجد والمنارة …
البئر ( الحسو )
من أقسام المسجد ( البئر ) … يستخرج منه الماء لمتطلبات أهل البلدة والمصلين وتزويدهم بالماء في حاجتهم اليومية في السابق … كان عليه دولابان ( محالتان ) لاستخراج المياه .. أحدها للرجال … والأخرى من الجهة الأخرى للنساء … ويتضح في الصورة البئر في الأمام … وفي الأسفل في الوسط كان يوجد ( قرو ) وهو حجر مستطيل الشكل محفور الوسط يوضع فيه الماء كالإناء الكبير … وعلى جنباته في اليسار يوجد فتحات صغيرة ( بزابيز ) للوضوء وتسد بخرقة صغيرة أو قطعة من حبل ليفي … وللأسف الشديد أن القرو سرق من المسجد ! … وفي اليمين مكان مخصص للاستحمام حيث كان مستوراً بحاجز جداري … وأعلى اليمين كان يوجد قرو آخر للاستحمام …
صورة للبئر وقد جفت مؤخراً … وإن كانت التربة رطبة في الأسفل … مما يوحي بأنها تحوي المياه ولكن تحتاج لحفر جديد …
خلوة المسجد
لم يكن التكييف الحالي وأساليبه موجودة في السابق … لذا البرد الشديد والحر يؤثر كثيراً على الناس … وفي المساجد الطينية في نجد قديماً حلت مشكلة البرد … حيث كانوا ينشئون مصلى آخر ويكون مغطى الجهات الأربع وقليل الارتفاع ويكون في مكان منخفض جداً وقد يكون محفوراً أسفل المسجد أو جزء كبير منه يكون في حفرة من الأرض … كثيراً ما يكون أسفل المسجد أو في الأمام … ويسمى بالخلوة ( القبو ) … هذه صورة لمدخل الخلوة وقد أنشئت في الجهة الجانبية الشمالية ويتضح النزول المتدرج للبوابة …
بنيت الخلوة في الجهة الشمالية من المسجد … وسقفها قليل الارتفاع … و يعرف طين الوادي بأنه عازل طبيعي ويحفظ الدفء … لذا الخلوة تكون دافئة بشكل عجيب في الشتاء … وإحدى زياراتي لها كانت في جو يميل للبرودة والدفء ملحوظ فيها …
المحراب المؤقت الصغير الذي يستخدم في الشتاء … ويظهر السجاد و المصاحف وإنارة المسجد الجميلة والتي جعلت على الشكل القديم كمصابيح الزيت القديمة …
المدرسة
بركن المسجد الشمالي الشرقي يوجد غرفة صغيرة كانت تستخدم كمدرسة … وهي عبارة عن غرفة له باب على فناء المسجد يدرس فيها بالسابق مبادئ القراءة والكتابة والقرآن الكريم كما وأن للإمام ركن في المسجد لتدريس الحديث وعلوم السنة والعقيدة وبقية العلوم …
لقد زار هذا المسجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – ودرس فيه و وعظ وأرشد وذلك أثناء رحلاته في سبيل نشر الدعوة … وقد أقام في البلدة فترة … وقد مكث قرابة الشهر على حسب إحدى الروايات … وهذا حسب ما يرويه الكثير من كبار السن في هذه البلدة عن أسلافهم نقلاً عمن عايش الشيخ رحمه الله تعالى …
المنارة وسطح المسجد
جعلت المنارة في سطح المسجد … وهي في الجزء الشمالي الغربي من المسجد .. وكانت في الجهة المقابلة بالقرب من البئر وغير مكانها بعد ذلك … غير قبل حوالي 200 سنة تقريباً …
يصعد للسطح عبر سلمين ( درجين ) كما أوردنا سلفاً … في منتصف الدرج الشمالي يوجد سطح الخلوة … ويظهر الباب الشمالي الشرقي
المنارة لا تتجاوز الستة أمتار وقد جعلت في السطح لترتفع أكثر منها لو جعلت بدايتها على مستوى الأرض … ومن الأرض يصل ارتفاعها قرابة 8 أو 9 متر … للمنارة باب صغير ضيق و درج طيني للصعود للأعلى للأذان … وقد أخبرني الإمام الفاضل الحالي بأنه صعد عدة مرات للأذان سابقاً …
السطح فسيح … وقد جعل فوق المحراب و المنبر منبر و محراب آخر … حيث كانت الجمعة وبعض الأوقات اليومية تصلى فيه أيام البرد والشتاء حيث ضوء الشمس و أكثر دفئاً …
صورة للمحراب والمنبر العلوي … وتظهر بعض البيوت القديمة المتهدمة للبلدة في الجهة القبلية ( الغربية ) من المسجد …
صورة توضح الجزء الشرقي من السطح والمسجد والسلم ( الدرج ) الجنوبي … ويظهر جزء من البلدة وأحد برجي البلدة المرمم حديثاً ودونه قهوة الجماعة …
المنارة والجزء الشمالي والشرقي من المسجد …وأسطح مصلى النساء وغرفة الحسو ( يمين الصورة ) وفي يمين الصورة أيضاً الخدمات الحديثة للمسجد ….
باحة المسجد ويظهر الحسو والمشراق والذي كان مزرعة صغيرة ( بروة ) ومكاناً لنخيل الوقف … ويظهر ملحق النساء …
إمامة وأذان المسجد
تولى الإمامة والخطابة في هذا المسجد كثير نذكر منهم :
الشيخ : بن هد هود … وقد انتقل للإمامة في المسجد الحرام بعد ذلك …الشيخ : دخيل الزين … الشيخ : عبد الله المقبل …. الشيخ : حمد بن عبد الله المقبل … الشيخ : صالح المحمد المقبل … الشيخ : محمد الصالح المقبل … الشيخ : عبد الرحمن العقلا … الشيخ علي محمد الدريبي … الشيخ : عبد المحسن الفريح … الشيخ : صالح إبراهيم الحميدان ( وهو الإمام الحالي ) …
وممن تولى الأذان من المشايخ :
عقيل السلامة … جريبيع الجريبيع … عبد العزيز الحميدان التركي … علي الراشد السلمان … فراج عبد الله الثويني … تركي السعود التركي … عبد الرحمن الفريح العقلا
وقد عقد بعضهم حلقات لتدريس علوم السنة والحديث والعقيدة … و نذكر منهم العالمين : عبد الرحمن العقلا … و عبد المحسن المفرح …
وقد أم المسجد بشكل مؤقت كالصلاة في رمضان ونحو ذلك العديد … يزيد عددهم على 25 شخصاً ….
رحم الله الجميع وغفر لنا و لهم …
الخدمات الحديثة للمسجد
خدم المسجد بالخدمات الحديثة … فأوصل له الكهرباء والإنارة … وعمرت له دورات مياه حديثة … و أوقف عليه برادة و مياه صحية …. و أنشأت المواقف الفسيحة و زفتت الأراضي المحيطة بالمسجد من جهة الشرق والجنوب … والاهتمام الواضح الجميل – بعد عناية الله وتوفيقه – هو ما جعل هذا المعلم الفريد ما زال ينبض بالحياة ويكون مناراً للهدى و تاريخاً يحكي ما عاشه أسلافنا وعانوه وكذا بما قدموه من خدمة لهذا الدين الجليل في بصمة واضحة لما نعيشه اليوم من نعمة ورخاء وعقيدة موفقة بحمد الله …
هنا انتهت جولتنا وزيارتنا لهذا المعلم الجميل … نسأل الله أن يجزي خيراً من أعان أو شارك في عمارة هذا المسجد … ونسأل الله أن يعمر بالطاعة عمراً طويلاً …
وأشكر شكراً جزيلاً نهاية هذا التقرير أهالي الهلالية الكرماء حيث وجدت منهم التفاعل الجميل من حيث إمدادي بالمعلومات والشرح الميداني لنواحي وأقسام المسجد … وأخص منهم الأخوة الأفاضل :
الأخ الغالي : عبد الله بن شغيان المسيميري … الأستاذ : عبد العزيز بن إبراهيم العواد … الشيخ : صالح بن إبراهيم الحميدان ( إمام المسجد الحالي ) … الأستاذ : إبراهيم بن محمد الحميدان …
لجميع من مر أو اطلّع على الموضوع أجمل وأعذب تحية من أخيكم …
… رسلان …
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،