لم أشعر بنفسي إلا وأنا في تلك القاعة الكبيرة في ذلك الفندق الفخم ، السقف البلوري ، الأرض الرخامية ، الأرائك الجلدية ، الأسود التي يخرج من أفواهها ماء ، قاعة الاستقبال الواسعة ، كل ذلك بهرني في الفندق ،،
عجزت عن معرفة أين أنا ؟ ولماذا أنا هنا ؟
هاهو والدي - حفظه الله – هناك عند الاستقبال ، غريب ، ماذا نفعل هنا ؟ متى جئنا ؟
خرجت إلى الساحة الخارجية المطلة على الشارع ، انتابني شعور رائع ، وامتلأت بالسرور من رأسي إلى أخمص قدمي ، نسمات غريبة تتسلل إلى أعماقي ،،
بدأت أفهم ، فهذه بلدتي الحالمة ( التل ) ، إحدى ضواحي ( دمشق ) الرائعة ، يااااه ، هاهي كما تركتها تماماً ، طرقاتها ، أناسها ، هوائها المنعش ، سكينتها الصباحية ، شروق شمسها الفاتن ، رائحة الإفطار الشامي تتسلل من المنازل ، ( اللبنة والجبنة والمقدوس والمربى والـ زيت وزعتر ) ، الطلاب يخرجون إلى مدارسهم ، حقائبهم معلقة على ظهورهم ، الشوق إلى العلم يدفعهم ، كل شيء هنا طبيعي إلا هذا الفندق الغريب ، و الأغرب وجودي هنا !
لماذا جئت ؟ متى جئت ؟ كيف وصلت ؟ لا أعلم ، كل ما أعلمه أني كنت في غاية السعادة والمتعة ، لدرجة أني بدأت أشعر أني في حلم ، وتمنيت من أعماقي أن أكون في ( علم ) لا في ( حلم ) !
دمشق ، أي حب يدفعني إليك ؟ أي شوق يسوقني إلى لقاءك ؟ أي مودة بيني وبينك ؟ من أوصلني إليك ؟ شوقي أم شوقك ؟ أم شوقنا جميعاً ؟
مآذن الـشـام تـبـكي إذ تعانقـني
وللـمـآذن كالأشـجـار أرواح !
هنـا جـذوري هنا قلـبي هنا لغـتي
فكيف أوضح ؟ هل في العشق إيضاح ؟!
تركت مكاني في تلك الساحة ، وانطلقت إلى بيتنا هناك ، فقد اشتقت لأهل دمشق كاشتياقي لدمشق !
ها هو بيتنا ، ها هي أشجار التين والزيتون ، وأشجار العنب والليمون وأشجار السر العالية والشاخمة كشموخ دمشق ، ها هم أبناء خالتي ينطلقون إلى مدارسهم ، وحقائبهم على ظهورهم ، انطلقت ، صعدت ، سلمت على جدي وجدتي ، قبلت يديهما ، خرجت إلى ( البرندا ) لإلقاء نظرة ساحرة وووو
استيقظت على صوت أختي ، فقد حان وقت ذهابها إلى المدرسة !
ليت ذلك الحلم كان واقعاً ، أو على الأقل ، ليته طال واستمر أكثر ،،
دمشق ، أي سطوة لك لتراوديني في أحلامي ، بل أي سطوة لشوقي ليوصلك إلى أحلامي ؟!
دمشق ، لا غرابة ، نعم لا غرابة !
فأنا الدمشقي لو شرحتم جسدي
لسال منه عناقيد وتفاح !
ولو فتحتم شراييني بمديتكم
لسمعتم في دمي أصوات من راحوا !