رسائل المجموعة

:: خلايا ضايعه من المخ ::

دلفت ( فوزية ) إلى المنزل وهي تلقي بحقيبتها المصابة بضربة شمس لتتساقط الملازم التي تتغير ألوانها مع ارتفاع درجة الحرارة ، لتزف خبر تخرجها من الجامعة بصوتٍ عالي .. أبشركم أنا تخرجت .. تخرجت يا عالم وينكم .. أنطلق صوت جهوري من آخر المنزل مسببا إعصاراً جعل الأثاث يتطاير ويرتطم في وجهها .. كلي تبن وإلا جيت خرجتك على وجهك من البيت .

نهضت ولاذت بالصمت ليخيم السكون على المكان لتذهب بعدها وتجلس على الأريكة وهي تضغط عليها بيديها وتتمتم .. وش هالجلسة كنها صبه  الواحد يجلس عليها بحذر عشان ما يجيه شلل .. عندها أمسكت بريموت تلفازهم القديم المصنوع من الخشب لتشعله وتشاهد مذيع نشرة الأخبار وهو يطلق كحة توحي بأنه مصاب بالتهاب رئوي ليخرج عن نص الأخبار وهو يقول لها .. أن بغيتي يا السبهه تشغلينه لا تضغطين على زر التشغيل بقوة عشان ما يتطاير الغبار للي جواته ويشرقنا شوي شوي ..

غضبت ( فوزية ) لتقوم بإغلاق التلفاز وإشعاله عدة مرات ليقول لها المذيع أحسن احرقي النجفة حقته ثمن معد تقدرون تشوفون من الظلمة  … قاطعته بسخرية نجفه أجل حسستني أني في دورة مياه مهوب قدام تلفزيون الشرهة علي  أتابعك وإلا المذيعين اللي في جيلك تحللت عظامهم وصارت نفط وأنت إلى هالحين ماسك هالأوراق وفي كل مرة تقول نفس الأخبار ، وبعدين بالله عليك هذا شكل مذيع لابسن فنيلة علاقي في عام 2008 م

أراد أن يجادلها ولكنها تجاهلته وأخذت تضغط أزرت الرموت المتهالكة والتي يوحي شكلها وكأنها أسنان لبنية من شدة هشاشتها لتتوقف أمام قناة  خرج فيها رجلان يتكلمان عن الذكريات الجميلة وخلفهما ديكور منزلي جميل يتوسطه  باب يدخل منه الضيوف وبينما هما يتحدثان انفتح باب المنزل ودخل منه نفس المذيع ليقول لـ ( فوزيه ) بغضب .. ثاني مره إذا تكلمت معك لا تغيرين القناة .. تأففت ( فوزية ) وهي تجيبه يعني شلون تبيني اشيل التلفزيون وأغرقه في البانيو عشان تموت ونرتاح منك ومن فنيلتك ..

وبينما هي تتحدث سمعت صوتاً زلزل الدنيا وأدخل الرعب في قطع الأثاث لتتحرك الأريكة وتلقي بـ ( فوزية ) من فوقها لتصحوا من حلمها وتجد نفسها قد سقطت على الأرض إثر صوت والدها الذي أخذ يردد .. من الكلب اللي ناسي الدينموا شغال ومخلي المويه طالعه إلى آخر الشارع ما تدرون أن المويه ثروة وبيجي وقت يخلون المويه اكتتاب وتصير مقابل كل قطرة علاوة إصدار عشرة ريال …

قفزت إلى والدها بكل رشاقة لتمد له شهادة التخرج بكل فرح ولكن غضبه أعماه عن رؤية الشهادة وأمسك بشعرها وأخذ يهزه بعنف وهو يقول .. أنت اللي مخليه الدينموا شغال ..

أجابته ( فوزيه ) بالنفي ليزجرها وهو يجز على أسنانه حتى كادت أن تنطحن وتصبح  مثل الدقيق .. لو أدري أنه أنت أن شعرك هالعرادة  أهزه الين ينزل منه عبري ، أنا ما أنسى يوم تعقمين الخزان وتحطين كلور ونتسدح كلنا في العناية المركزة .. قاطعته بقولها .. كانت تجربة عشان نتخلص من البكتيريا اللي في الخزان .. رد والدها عليها بعصبية مفرطة .. وش نابنا من تجربتك غير إننا تنومنا في المستشفى حنا والبكتريا ..

بينما هو يتحدث بحماس وضعت الشهادة نصب عينيه لتقوم بتحوير الحديث بسرعة فائقة …

خلاص يبه واخيرا تخرجت من الكيمياء وبتوظف .. تطلع إليها وهو يقول بسخرية .. أي وظيفه اللي تتكلمين عنها وأنت باقي على تقاعدك سنه ..من عرفتك وأنت خايسة في الجامعة لدرجة أن البنات الجدد اللي يدخلون ويشوفونك يحسبونك تمثال نانحته العمادة في الساحة .. أفلتت نفسها من بين يديه وهي تجيبه .. والله أنك عيار وبعدين أنت عارف أن الدكاتره مستقعدين لي عشاني أجادلهم ومثلك عارف أنه لا حياء في العلم …قال لها .. وأنت متى صار في وجهك حيا اللي تقولين لولد الجيران تعال كب زبالتنا

أثناء نقاشهما العميق دخل شقيقها الفاغر ( ابوهديب ) ببنطلونه الجنز وبشعره المنتفش على شكل دائري ليصبح كالزنوج الأمريكان .. ليقول بدلع .. هاي دادي .. هاي ( فوزيه ).. أمسك به والده بازدراء .. تعال هنا معدي على ناس واقفين قدام مغسلة يوم تسلم وتمشي ، وبعدين وش هالشعر  صاير كنك منطاد .. حك ( أبو هديب ) ذقنه بطرف أصبعه وهو يجيب والده .. هذي الموضة أنك تخلي شعرك أكبر من وجهك عشان يقيك من الغبار ويكون في نفس الوقت سكن لوجهك كل المطلوب منك أنك تنزل شعرك الين حد كتوفك وتنام .. زفر والده زفرة ملتهبة وهو يومئ برأسه ويقترب منه ليمسك بشعرة وهو يقول … أنا أببصم بالعشرة أن شعرك محمية للقوارض .. أبيك تحلقه .. امسك ( أبو هديب ) بيد والده من الألم وهو يجيبه .. خلاص أبروح للحلاق ..

ضحك والده ليقاطعه .. من جدك فيه حلاق بيحلق هالشعر كله أنت يا الله مشتل يتعاقد معك وعساه يخلص قبل نهاية السنه .. ولنفرض أن الحلاق وافق أنه يحلقك أتوقع انه بياخذ مئونة أكل وشرب وبينزل بالحبل في راسك ويقول لزميله .. ثلاثة أيام أن ما طلعت من شعره أرم بلكه عشان تصير شاخص لقبري .. ضحكت ( فوزيه ) وهي تقول .. أيه والله يبه مضايقنا شعره في السيارة صرنا نركب في الصندوق كأن حنا خرفان

رن جرس الهاتف لتقفز ( فوزيه ) وتقوم بالرد على المكالمة .. الو .. هلا والله ( هنا ) أخبارك عساك بخير .. أجابتها ( هنا ) بخير الحمد الله توني ماخذه حمام طين في الحديقة كود تخف هالحكة اللي فيني …

تجاهلت ( فوزيه ) حديثها لتقول لها .. شوفي يا ( هنا ) ترى بكره بنروح أنا وياك لديوان الخدمة المدنية عشان نقدم على وظايف قبل الزحمة .. أجابتها ( هنا ) بالموافقة .. لتؤكد ( فوزيه ) كلامها .. خلاص بكره الساعة سبع تكونين مستعدة عند الباب نضرب لك بوري وأطلعي على طول .. ترددت ( هنا ) قبل أن تقول .. ما ود أخوك ( أبو هديب ) يغير البوري حقه لأني اخربط بينه وبين فرامل سيارة البلدية  .. تأففت ( فوزيه ) قبل أن تقاطعها .. من زين جسمك عشان يناظرونك عمال النظافة ، المهم نبي نروح بدري ونكون أول ناس تمسح الغمص من عيون الموظفات ..

أقفلت السماعة وهي تشاهد ( أبو هديب ) الذي أخذ يحك رأسه في الجدار وذلك لوجود الحكه في منطقة يصعب وصول اليد إليها لتقول له .. ( ابو هديب ) ترى بتوديني بكره أنا وصديقتي ( هنا ) للديوان .. تذمر ( أبو هديب ) بإخراج لسانه الأخضر وإدخاله مرة أخرى ليردد .. فكينا من خويتك ( هنا ) كل ما راحت معي عطاني المرور قسيمة تضليل والسبه كتوفها هالكبار اللي ساده الدريشه الخلفية ..

ترجت ( فوزية ) ( أبو هديب ) ليوافق بعد أن طلب منها أن تملئ له سيارته بالوقود وأن تعطيه مصروف أسبوع كامل حاله كحال أي مواطن سعودي يستغل أخواته إن أرادوا من أخوانهم  توصيلهم أو جلب شيء لهم ..

تفرقوا إلى غرفهم بعد أن اتفقوا على الذهاب في الصباح الباكر  .. لينغمس كل منهما في مشاكله .. ( فأبو هديب ) أمسك بسماعة الهاتف وأتصل على الاستعلامات 905 وقال لهم مرحبا .. أجابه الموظف بالمثل .. ليقول له  ( أبو هديب ) هلا أخوي معك ( أبو هديب ) أخو أختي اللي قد دقت عليكم قبل ما تتخرج وطلبت منكم أرقام ماكن فيها وظايف .. ابتسم صاحب الاستعلامات ليجيبه بأدب تبي أعطيك رقم  مكان يبيع وجبات السريعة .. أجابه ( أبو هديب ) بكل استهتار لا ما يحتاج أنا متصل عليكم لاني ما لقيت أحد أتصل عليه كل أخوياي نايمين قلت أسولف معكم منها أقطع وقتكم ومنها ألين يقوم واحد من العيال .. عندها انفجر صاحب الاستعلامات قائلاً… الله يرضى عليك فكنا من التسجيل والنشر في البلوتوث ترى حنا على باب الله ..

أقفل ( أبو هديب ) الخط وتتطلع إلى السقف الذي تدلدلت منه خيوط اللبتون ليقوم بعدها ويغط في نومٍ عميق … و ( فوزيه ) منهمكة في وضع بعض المركبات التي يتولد من خلالها تركيبه فريدة تضاهي تركيبة أعتا المبيدات الحشرية لتقوم بوضع هذه التركيبه في الفرن حتى تكتسب حرارة .. ولم تكد تمضي دقائق قليلة حتى حلقت ( فوزيه ) في السماء لترتطم في المروحة المعلقة في السقف إثر انفجار أطاح بها لتنهض والأبخرة تتصاعد من شعرها وهي تردد .. سلامات طاح الشر طاح الشر .. وتزحف إلى غرفتها وتخلد إلى النوم وكل عظمة في جسدها تأن ..


 استيقضوا على صوت والدهم الغاضب وهو يردد ( فوزية ) وصمخ تعالي .. لم يكد ينهي صرخته وتهدأ أحباله الصوتية حتى وقفت ( فوزيه ) أمامه لنفجر فيها .. وش هالقصف اللي في المطبخ ؟ ..لم يكد طرح سؤاله  حتى بكت ( فوزيه ) وهي تجيبه ..  أي شي يصير في هالبيت تحطونه على راسي .. أمسك والدها بأذنها وهو يرد عليها .. لأنك أنت اللي تسوين تجارب في هالبيت ذبحتينا مره بتسوين صابون ويوم غسلنا فيه صرتي خالطه معه صمغ وتلازقت يدينا كننا طحالب على جدار مسبح.. ومره أخوك ( أبو هديب ) ماخذ علبة الحليب من الثلاجة وشاربها يحسبها حليب وآخر شي طلعت تركيبة ديتول وبغينا ننسى وجهه من كثر ما جلس في الحمام .. حرام عليك خافي الله فينا أنا صرت امشي زحف في البيت أخاف يصير فيه شي ، الشك تملكنني  في كل شي آكله والا أشربه من تصليحك .. يا بنيتي لا تخلين زوجك يفقد الثقه فيك مثل ما فقدتها أنا ثمن تعنسين عندي وألصق على ظهرك شريط أصفر أكتب عليه عرض خاص خذها أبلاش ..

أومأت برأسها بصمت كي يدعها وشأنها ليذهب هو إلى غرفته وهو يتمتم بينه وبين نفسه بكلمات بالكاد يسمعها هو .. ليت من يفتح الخزان ويرميها فيه ..ما إن غاب عن ناظريها حتى قفزت وقامت بتغيير ملابسها وأيقظت ( أبو هديب ) الذي تدثر بمفرشه الأبيض ونزل معه إلى الصالة لتشده منه وهي تقول له .. وين يا عمي حنا رايحين للديوان وإلا بناخذ عمره ، أرق غير ملابسك ..

ذهب وغير ملابسه بسرعة البرق وتوجه إلى سيارته لينطلق بها في ضواحي المدينة حتى توقف أمام منزل ( هنا ) وأطلق بوق سيارته لتخرج وهي تمشي بدلع .. لينظر إليها ( أبو هديب ) باشمئزاز وهو يقول بصوت خافت .. والله لو تمشين على يديك محد شايفك أنت وجسمك هاللي ناقصة أرقام في ظهرك وتصيرين تجوري ( خزنه ) …

صعدت ( هنا ) وهي تلقي التحية لتجيبها ( فوزيه ) بنفس التحية لتقول لها ( هنا ) معليش ما شفتك يا ( فوزيه ) شعر أخوك ( أبو هديب ) مغطي عليك أحس أنك جالسه في أدغال … تجاهلت ( فوزية ) دعابتها لتسألها .. ( هنا ) عساك جبتي أوراقك كلها .. أبتسم ( أبو هديب ) وهو يقول في قرارة نفسه .. تلقين الجامعة كاتبين شهادتها على طاقة قماش عشان تكفي يدها هالكبيرة إذا مسكتها .

تبادلتا ( فوزيه ) و ( هنا ) أطراف الحديث و ( أبو هديب ) يضحك في داخله من شدة سخافتهما فكان حوارهما يدور على أنهما تطمحان ببعثة إلى وكالة ناسا متناسيتان بأن تخصصهما كيمياء وأن وكالة ناسا هي المعنية بالحدائق المائية ( ما اسبك منهم إلا انت يا ابو هديب أجل حدائق مائية )

توقف ( أبو هديب ) أمام باب الديوان بصورة مفاجأة جعلت الإطارات تطلق صريرا مزعجا ليدخل وجه ( هنا ) في شعره من شدة الوقوف لينظر الواقفون إليه وهو يحاول إخراج وجه ( هنا ) من شعرة الكثيف .. لم تمضي دقائق حتى استطاع تخليصها وهي تحاول جاهدة أخذ أنفاسها .. لتنزل بعدها هي و ( فوزيه ) وتدخلا إلى الديوان الذي بدى شكله كمدرسة ثانوية بنات كبيرة ليقفا في الساحة وأمامها عشر درجات لتقول ( هنا ) يوه بنرقى بعد درج وش هالحالة

أمسكت بيدها ( فوزية ) وتقدمت وهي تبث الحماس في داخلها .. اصبري المجد قدامنا .. صعدتا الدرج ودخلتا لتشاهدا مبنيين دون أن تجدا شخصا يرشدهما إلى أين تذهبان لترتجلا وتدخلا أحد المباني لتشاهدا النساء العجائز لتقول ( فوزيه ) بتعجب الظاهر أن حنا جينا دار العجزه وش هذولي .. وبينما هي تتحدث سمعتها أحد المارة لتزجرها عجايز في عينك هذولي موظفات …قالت ( هنا ) ما شاء الله كل هالعمر وموظفات غطيتوا على قوم نوح ، أخاف اللي موجودين هنا أرواحهم … تدخلت ( فوزية ) بسرعة قبل أن تنطق العجوز بكلمة لتسأل عن مكان تقديم الوظائف لتقول لها العجوز وهي ترمق ( هنا ) بنصف عين .. روحي شوفي هناك الاستقبال يعلمونك أنت وسيارة هالعسكريم اللي معك ..

ذهبت ( فوزيه ) وهي تضحك على ( هنا ) وتقول لها لو أن التدريس مهوب طموحي   وإلا كان استغليت جسمك وأخذتك للثمامه وقمت ابيع على هالبزارين إسكريم  … رمت بكلماتها وهي تتوجه إلى الاستقبال الذي كان عبارة عن مكتب متهالك جلست خلفه فتاة تطلعت إليهما بنظرات خاوية لتقول بكل برود .. نعم خير وش جايبكم .. فرجت ( فوزيه ) شفتيها وأخذت تشرح لها .. حنا تخرجنا من الجامعة ونبي وظايف .. تقدمت منها الموظفه وقالت لها بسخرية .. طيب معك كيس عشان تحطين الوظايف فيها ..

تطلعت ( فوزيه ) إلى ( هنا ) وأعادة نظرتها إلى الموظفة لتجيبها .. مهوب مشكلة نفرش عباياتنا وحطي الوظايف كلها بس أهم حاجه تعطينا شي .. انطلقت عليها موظفة الاستقبال بصوت حاد وكأن الديوان ملك أبيها .. هالحين مافيه شي ، وبعدين إذا بغيتوا تجون تابعوا الجرايد أول ، أن حصلتوا  إعلان عن وظايف تعالوا ،وإذا ما لقيتوا اجلسوا في بيوتكم .. سألت ( هنا ) بكل أدب  .. يعني تبينا نشتري الجرايد كل يوم والجريدة اللي ما نلقى فيها أعلان نحطها لزيت السمبوسة قصدك .. تجاهلتها فتاة الاستقبال وهي تقول بلا مبالاة .. أنا قلت اللي عندي توكلوا على الله ..

خرجتا خاسرتان محطمتان وهما تجران أذيال الخيبة كل واحدة منهما تسند الأخرى حتى وصلتا إلى السيارة ليصعدا و ( أبو هديب ) يقول بابتسامة صفراء استمدت  صفارها من اصفرار أسنانه ..حشا وش هالمشية زين مافيه دورية وإلا فكرت أنكم طالعين من بار مهوب من الديوان .. ردت عليه ( فوزيه ) … أقول على الأقل سعينا مهوب مثلك ضيعت شبابك تربي في شعرك … قاطعتها ( هنا ) بغضب .. تصدقين يا ( فوزية ) أني منقهره بعد هالتعب في الدراسة والجامعة ما نحصل وظيفة ، قمة التخلف وين الربط بين وزارة التربية ، ووزارة التعليم العالي ، والخدمة المدنية تحسين كل وزارة دولة مستقلة جالسه تشتغل لحالها .. لم تكد تنطق دولة مستقلة حتى تنحنح ( أبوهديب ) ليجيبها .. أقول يا ( هنا ) الظاهر بعد كلامك هذا بتتقلص كتوفك هاللي كنها دركسون دباب ، هذا غير أنه بيتفقع وجهك هاللي ناقصه بلف ويطلع كورة ..

تأففت ( فوزية ) من نقاشهما لتقول بيأس .. عن البربره وودنا ( لإدارة تعليم البنات ) لم تكد تنطق كلماتها حتى أنطلق ( أبو هديب ) في شوارع المدينة المكتظة بالناس ليهمس بصوت خافت .. ودي أعرف دام مافية وظايف وش مطلع هالناس كلها في هالوقت ، مدري هم يبغون يضايقون على الموظفين عشان يتأخرون ويتشطب عليهم  .. التقطت أذنا ( فوزيه ) همسه لتجيبه طالعين يدورون لقمة العيش اللي راحت من نصيب الواسطات والأجانب ، كل واحد من هالأجانب يستلم على قلبه رزم لدرجة أن البنك يرسل يقوله الخزنة ما كفت فلوسك عادي ندفن الباقي تحت بلاط البنك …

ابتسم الجميع لدعابتها وانطلقوا بعدها بصمت حتى وقفوا أمام مبنى إدارة تعليم البنات لتتقدم ( هنا ) بوجهها نحو ( فوزيه ) وهي تقول بصوت منخفض .. ( فوزيه ) مرتبة سيارتكم عورت ظهري وفيه شي يغزز .. لفت ( فوزيه ) بوجهها إليها وهي تهمس بنفس الانخفاض .. المرتبة متآكلة مافيها سفنج وقام ( أبو هديب ) حشاها سجاجيد وقواطي عشان ترفع السجاجيد عشان كذا أنا ماركبت معك ورى .. أومأت ( هنا ) برأسها وهي تقول وش هالغباء .. قاطعتها ( فوزية ) .. أي غباء هذا هالحين مشغل مخه وإلا أغلب شي يحطه في درج الكمدينة ويقول وشولة أشيله وأنا ما أستفيد منه وبعدين تعذربين علينا يا ( هنا ) كنك مقطعه الذكاء وناسيه يوم كنت بتدقين على أخوك ورقم ثمانية خربان في جوالك قمتي ضغطتي اثنين نجمة أربعه بزعمك أنك تضربين الثنين في الأربعة عشان تصير ثمانية ..

تجاهلتها ( هنا ) وهي تفتح باب السيارة لتخرج منها لتلحق بها ( فوزيه ) وتتوجهان إلى داخل المبنى لتصابا بصعقة من شدة الزحام .. لتمتم ( فوزية ) .. وش هالزحمه عسى بس محنب داخلين مبرة وإلا شي …

نطقت كلماتها وهي تقلب عينيها في المكان الذي كان عبارة ساحة عادية وفي الوجه كفتيريا لا ترتقي لمستوى جهة حكومية فشكلها يوحي بأنه سكن عمال نظافة ..وعن يمينها ويسارها مبنيان بهما بابان زجاجيان متقابلان

وبينما هي تتطلع ارتطمت بها ضربة كوعٍ من ( هنا ) كادت أن تخل بتوازنها وتسقط ولكن هذه الأخيرة أمسكت بمعصمها وهي تقول لها .. وراك رخوة يا ( فوزيه ) منتب راعية حلبه .. قاطعتها ( فوزيه ) أي حلبه الله يسلمك شايفتني والد وإلا جاية أرضع عيال مديرة التعليم  …

ابتسمت ( هنا ) وهي تشدها من معصمها إلى المبنى اليمين لتدخلا وتشاهدا كراسي الانتظار الواقعة على اليسار وأمامها بهو لتوقف ( فوزيه ) أحد الشابات اليافعات ممن ابتلينا بالعباءة المخصره ( ماودك تاكل تبن وتكمل القصه بدون فلسفه ) .. أوقفتها ( فوزيه ) لتسألها وهي تلهث .. ممكن تقولين لنا وين التقديم فيه … التفتت الفتاة بجذعها النحيل وهي تشير بأصبعها القريب شكله من عود الثقاب لتقول بصوت حاد شوفي عزيزتي روحي يمين واطلعي الدرج الدور الثاني بتحصلين باب على اليمين خشي معه هناك اسألي .. ألقت بكلماتها ورحلت لتقول ( هنا ) وهي تسير بجانب ( فوزيه ) وش هالبنت نحيفه مره لو ما تكلمت كان شكيت أنها معلاق شايل هالعباة ويمشي فيها ..

صعدتا الدرج وكادتا أن تخرج رئتيهما لتسيرا على وصف الفتاة لتقابلا تلك الموظفة  التي لم تضع أي مساحيق توحي بأنها أنثى لتهمس ( فوزيه ) وش هالحرمه صاير وجهها كنه فلم أبيض وأسود  .. أجابتها ( هنا ) بنفس الصوت المنخفض .. لا تلومينها ما بعد نزلت الرواتب وبعدين هالنوعية شكل بطاقة الصراف حقتها مع زوجها ويقطر عليها كل ما بغت … تنهدت ( فوزيه ) .. إيه والله يا شين بعض الرجال طماع وحقود .. وبعضهم ضعيفات  تروح رواتبهن على ساعة فندي ، وبلوزه فيرزاتشي ،وتنوره شانيل والا ديور ، وشنطه لوي فيتون هذا غير الإكسسوارات من محلات بولقاري .. تطلعت إليها ( هنا ) وهي تقول وش عرفك بهالماركات .. أشاحت ( فوزيه ) بوجهها وهي تجيبها .. الله يخلي المجلات وإلا حنا كفوا نلبس كذا مثلنا مثل بعض الحريم تلقينها تكسر رجليها عند فاترينة المحل من برى تناظر شي عاجبها تبي زوجها يحس ويقول اجيبه لك يا قلبي وهو مقزز يقولها مطوله تتفرجين اخلصي أنا حمار اللي طلعت معك ..

قاطعتها الموظفة وهي تقول أوراقك .. مدت ( فوزيه ) أوراقها هي و ( هنا ) وقامتا بتعبئة النموذج واختارتا ثلاثة أحياء قريبة من منزلهما ..لتقول لهم الموظفة .. توكلوا على الله وحنا بنتصل عليكم بعد ما يجيكم الدور في البديلات ..

خرجتا ليجدا ( أبو هديب ) وقد تحنط من طول الانتظار لتصعدا وينطلق إلى منزل ( هنا ) ويضعها ثم توجه إلى منزلهم ليذهب بعد ذلك إلى أصدقائه الذين يتمتعون بغباء فاحش  ..


 مرت الأيام لتتعين ( فوزيه ) في مدرسة أهليه  براتب وقدره ( 1800 ) ريال لتصارع بيديها العاريتين قسوة الحياة التي تفوق قسوة الفلاش على اليدين حيث أن المدرسة ألزمتها بجدول نصابه ( 24 ) حصة مع الوسائل وكان يرافقها في غرفة المعلمات زميلتها ( أم مصطفى ) التي تعشق البصل لدرجة أنها لو قامت بتحليل دمها لوجدت  كريات بصلية مع الحمراء والبيضاء … هذا من غير الفول وسندوتشات الفلافل التي تلفها بالصحف المحلية ودائما ما تقول لـ ( فوزيه ) السندوتش الملفوفه بالجرنال تبعكوا ملوش طعم  زي لما يتلف بجرنال الاهرام ..

كانت ( فوزيه ) تقطع من دفاتر الطالبات أوراقاً كثيرة حتى تسد فتحة أنفها من شدة رائحة البصل ليأتي يوم فاض بها الكيل عندما دخلت إلى مكتبها لتنادي عليها  ( أم مصطفى ) وتفتح سحاب حقيبة يدها وتشاهد ( فوزية ) ما بداخلها لتشعر بغثيان فما رأته يقلب أعتا الأكباد فقد رأت فولاً سكب في الحقيبة بدون أواني لتقول لها ( أم مصطفى ) معلش ملإتش حله أومت حطتها كدا .. خليك هنا انا حروح أنده للبنات عشان يقو يكلوا ..

رحلت وتركت ( فوزيه ) تجاهد ذلك التقيؤ الذي لم تستطع أن تحبسه لتبحث بجنون  عن مكان تتقيأ فيه فلم تتمالك نفسها وتقيأت داخل حقيبة ( أم مصطفى ) لينتابها خوف جعلها تقوم بإقفال السحاب والخروج بالحقيبة من المكتب لتصطدم بـ ( أم مصطفى ) التي ابتسمت وهي تقول لها فيه أيه يا ( فوزيه ) أنا ما حبش المئالب عوزه تهربي بالفول المدمس وتكليه لوحدك  .. نطقت كلماتها وهي تأخذ حقيبتها من يد  ( فوزيه ) التي حاولت أن تشرح لها ولكن لسانها انعقد لتتجمع ( أم مصطفى ) والزميلات المصريات وأخذنا يأكلن من الفول المدمس وعلامات الإعجاب والسرور على وجههن لتقول واحدة منهن .. الله نفسك في الطبيخ حلو يا ( أم مصطفى ) .. لتتراجع ( فوزيه ) بصدمة ورعب وهي تردد .. مو معقول وش هالاوادم اللي ما عندهم السنة أجل نفسك حلو في الطبخ هذي لو ماكلة أكل زين وش بتقولين ..

عندها رحلت إلى المديرة وقامت بتقديم الاستقالة لتمكث في المنزل سنة كاملة شعرت باليأس وبخروج شعر ذقنها ولم تعد تستخدم مكينة براون ولا حتى حلاوة شمسا لإزالة تلك المخلفات العالقة في جسدها … مكثت على هذه الحالة حتى آتاها اتصال من إدارة التعليم لتذهب بجنون إليهم كي تقوم بتوقيع العقد بمدرسة جوار منزلهم .. وقفت أمام الموظفة وهي ملثمه لتقول لها الموظفة اكشفي عن وجهك لتصاب بصدمة عندما رأت تلك الكمية الكبيره من الشعر حاولت أن تطلب الأمن وتقول هناك رجل متنكر في المبنى ولكن ( فوزيه ) حاولت أن تقول لها بأنها التزمت فأحست بأن حيلتها لن تجدي لذلك أقسمت بأنها فتاة وأن هذا الشعر مجرد طحالب مترسبة لتسمح لها الموظفة بتوقيع العقد وترحل بعدها …

حضرت إلى المنزل وأغلقت الباب بقوة من الفرحة لتستقبلها صرخة والدها الذي قال .. عمى يعميك شوي شوي على الباب .

تقوقعت في مكانها كسلحفاة ألتم عليها أطفال بعصيهم ليحضر والدها إليها والغضب يعتريه .. لتقول له بفرحة .. أبشرك يبه قبلوني في الوظيفه ولكنها لم تكمل عبارتها ليلتحم وجهها في شبك الحديقة من جراء صفعة غاضبة من يد والدها .. لتخرج رأسها من بين القضبان وهي تقول أشوى أني مربية دقن وإلا كان تمخشت بشرتي .. بعدين شوي شوي يبه تراه باب مهوب آدمي عشان تعصب كل هالعصبية ..  اقترب منها وهو يرد عليها بغضب .. هالباب اعتبريه أخو ثاني لك بعد ( أبو هديب ) وعامليه زين .. تطلعت إلى أبيها وإلى الباب الذي احمرت وجنتيه من حرص والدها عليه لتنفض حديثه من رأسها وهي تمسك بيده وتقول .. تعال أمش معي وهد أعصابك الله يهديك .. الضغط عندك بيطلب خارج دوام كل شوي مشغله هد أعصابك ودائما عود نفسك كل ما زعلت خذ نفس وطلعه ..

أخذ والدها نفسا عميقا ليزفره بشدة لتقول له ( فوزيه ) بتردد محاولة كتم أنفاسها بسبب رائحة فمه .. أنا اشوف يبه أنك تصعب أهون من أنك تكتمنا بريحة هالثوم  .. نطقت كلماتها لجيبها والدها .. كلي تبن ..عندها دخلا إلى داخل المنزل ..


 جلسا على الأريكة وأخذت ( فوزيه ) تشرح لوالدها عن وظيفتها الجديدة  وتقوم بالتنسيق معه كي يذهب بها إلى المدرسة غداً .. لم تكد تتفق معه حتى قفزت إلى غرفتها  وقامت بحلق ذقنها ومن ثم توجهت إلى دولاب ملابسها وقامت بفتحه وهي تردد في داخلها والله من شاف وقفتي أتأمل هالملابس قال وش عندها الأميرة ديانا محتاره وش تلبس وهي كلها تنوره وبلوزه لو شلت وحده منهم ضاق صدر الثانية من الوحدة ..

أعدت لباسها وقامت بالاتصال على صديقتها ( هنا ) التي كانت غارقة في عمل المطبخ لتسألها ( فوزيه ) وش جالسه تسوين اسمع صوت طقطقة مواعين كنك تحضرين جن .. تنهدت ( هنا ) بعمق .. جالسه أصلح شاهي لأخواني وأخوياهم في الملحق جعلهم ما يحدرونة أنا مدري هم يشربونه وإلا يكبونه في الفرشة وإلا يرتاجمون بالبيالات تصوري يا ( فوزيه ) هذا ثالث براد أسويه ..  لا ومن زين الطبايع يقول نبي شاهي ورق مدري من قايله أني اشتغل في مقهى الشلال يوم يتشرط …

ضحكت ( فوزيه ) وهي تقول لها .. أنا لو أني منك أحشي اللبتن في شوزن وأدخل عليهم وكل واحد أعطيه طلقه في ثمه أخلي سلك اللبتن يتدودل من بين شفايفة عشان معد يطلب طلبات مثل وجهه .. قال إيش يبغون ورق ..

استمرت تحدثها لعدة ساعات حتى شعرت بأن أذنها تمددت لتصل إلى كتفها ويدها تتراخى بسبب النعاس الذي سيطر عليها ليسقط من يديها الجوال وتغط في نوم عميق وقد تناثرت أجزاء جسدها على السرير وكأن قنبلة يدوية أصابتها .. ليدخل عليها أبوها في الصباح الباكر ويوقضها لتذهب معه إلى المدرسة في سيارته المتهالكة وقد وضعت الخمار على وجهها وتحته قطعة قماش مبلله كي تمنع رائحة سيارة والدها من الولوج إلى فتحة انفها وتسبب لها ربو مزمن يؤدي إلى احتراق الشعب الهوائية لديها …

ظلت على هذه الحالة  حتى أحست بأن الرائحة تتسرب إلى أنفها وبدأت تشعر بدوار البحر وبرغبة في الغثيان وصداع يكتنف رأسها كمعاول تطرقه ليبدأ معدل النظر ينخفض لديها وأصبعها يتحرك وشفتيها تنطق بالشهادة استعدادا لتسليم الروح لبارئها ولكن لاحت لها المدرسة بعد أن انعطف والدها يميناً ليدب الأمل في عروقها وتستعيد نشاطها لتنزل من السيارة بسرعة فائقة وتتنشق الهواء العليل بنفسٍ عميق جعل حارس المدرسة يتمسك بشجرة متهالكة وتتمسك الشجرة بدورها بسور المدرسة كي لا يدخلان في فتحة انفها من جراء النفس  لتزفر جميع الهواء الذي استنشقته لتملأ المكان دخاناً أسوداً

لتدخل بعدها إلى المدرسة وتتوجه إلى مكتب المديرة واكتشفت بعد حوارها معها بأنها صارمة كأي امرأة تتولى منصب فهي تطبق النظام بصورة عمياء لا تعرف التساهل ولا التهاون ولا حتى المرونة في العمل تسير على حسب ما يكتب لها من تعاميم وأوامر …

أخذت تعمل في المدرسة بجد ونشاط ولكن دائما نصيب المجتهد هو زيادة العبء على عاتقه دون أي مردود مادي أو مفاضلة في التعامل فقد أسندت المديرة إليها حصص الانتظار والإشراف في الفسحة والمناوبات آخر الدوام لتصبح الفراشة صديقتها إلى أن تخرج آخر فتاة من المدرسة وبعدها تتوجه إلى بيت الفراشة لتقوم بمساعدتها في تحضير طعام الغداء لأولادها إلى أن يأتي والدها الفاغر الذي دوما يذهب إلى المنزل ويطلب الغداء ولا يجد من يرد عليه الصوت فيعلم بأنه نسيها في المدرسة ليقوم بتشغيل سيارته وإحضارها … كل هذا التعب والجهد لا يقدر بثمن فعندما تغيب يوم واحد فقط يخصم عليها وكأنها لم تكن تعمل بجد

تحملت العمل مع المعلمات اللواتي ينظرن للبديلات كأنهن وجدن لخدمة الرسميات وأنهن لا حول ولا قوة تحت قبضة المديرة التي ما إن تحس بتقاعسها في العمل حتى تقوم  بتهديدها بعدم التجديد إن لم تفعل ما تأمرها به … لتعيش يئساً أوقعها بين مطرقة المديرة وسندان الموجهة التي تحضر لتضفي فلسفة خلقتها من رأسها ولتثبت لها بأنها أفضل منها وأنها يجب أن تعطي المعلومة حتى وإن كانت المعلمة صائبة لابد أن تضيف شيئاً لكي تشعر بأن حضورها وعناء الطريق لا يذهبان سدى ..

أمضت مدتها بمحبة وود وعند آخر يوم أخذت خطاب إخلاء الطرف مع شهادة الخبرة وذهبت إلى إدارة التعليم لتقوم المشرفة بالتوقيع عليها .. وتعود بعد ذلك إلى المنزل وتمارس تجاربها بكل حرية ليكون ضحيتها هذه المرة ابنة عمتها التي حضرت زيارة إليهم لتتناول بسكويتا وضع على المنضدة دون أن تعلم بأنها تجربة سامة لجذب الفئران لينعكس على تصرفاتها وتتوجه إلى أسلاك الثلاجة وتقوم بقرضها ليحضر والد ( أبو هديب ) وفي يده مكنسة ليهوي بها على رأس ابنة أخته وهو يزجرها .. كل شي إلا الثلاجة نعنبو خيرك عندك الجبن في الحباله روحي خذيه .. حسبي الله على هالبنت مدري وين بتودينا وتجاربها …


 توالت الشمس والقمر وكل واحد منهما يضرب يد الآخر ليدخل إلى حلبة السماء ويمارس نشاطه اليومي  فما إن ينتهي أي منهما يذهب إلى الجهة الأخرى من الأرض ويغلق الباب خلفه حتى لا يشعر بإزعاج الجهة الأخرى ..

استمر الوضع هكذا حتى آتى يوم اتصل فيه ديوان الخدمة المدنية عليها وطلب حضورها فوراً لتلبي النداء على وجه السرعة ويوجهها الديوان إلى مدينة المجمعة لتعود إلى المنزل وهي تقلب الموضوع في رأسها لتردد في داخلها مالي إلا هالسبيكة ( أبو هديب ) أقنعة يوديني الله يعينا عليه ويا شعره هاللي كنه وحدات سكنيه  .

حضرت إلى المنزل وتحايلت على أخيها ( أبو هديب ) العاطل كي يوصلها كل يوم إلى المدرسة براتب وقدره ألف ريال مع علبة مشروب غازي في الذهاب والإياب ولكن ( أبو هيب ) رفض بحجة أن المشروب الغازي ينفخ البطن بينما سبب رفضه الحقيقي هو أن الألف ريال ما توكل خبز … قالت له بكل غضب واحتقار يا فاشل يا أبو حواجب متشابكة .. ألقت بالكلمة في وجهه ضننا منها بأنه سيشعر ويتأثر بها ولكن لا حياة لمن تنادي .. أخذت الدليل وقامت بالبحث عن أرقام سيارات النقل لتقع عينها على أحد المؤسسات لتقوم بالاتصال عليهم والتنسيق معهم وإعطائه وصف المنزل ليحضر من الغد أمام منزلها لتصعد معه وقد جلست بجانب فتاة أسندت رأسها إلى النافذة وغطت في سباتٍ عميق لتقول لها فتاة أخرى لا تستغربين ما يمدينا نرقد في بيوتنا ونحاول ننام لنا شوي الين نوصل للمدرسة هذا غير البواسير الله يكفيك شرها ما تجلسين الا مشوطره كنك جيب يمشي على كفرين ..

وبينما هما تتحدثان قالت لها فتاة ثالثه يمناك لا عدمناك خذي هالقهوة خليها تصح صح براسك ورانا خط .. همت برفع نقابها لتشرب قهوتها ولكمن السائق ( أبو ابراهيم ) قاطعها بسؤاله .. وين أبلا ( هيا ) ترانا بنمر المحطة اللي فيها الكفي كان تبي نوقف وإلا نكمل.. لم يكن يعلم بأن أبلا ( هيا ) تغط في نوم عميق لترد عليه ( فوزيه ) معنا قهوة ما يحتاج .. قاطعها مرة أخرى وهو يجيبها أبلا ( هيا ) مهيب تحب القهوة العربية مقطوع سرها في أوروبا ما تشرب الا قهوة هالأجانب .. كنها أنا من يوم أحس اني مصدع أوقف عند المحل واطلب كفي بالقهوة مع قطعة شوكلاته  بالكاكاو بعدها أحس بنشاط … تطلعت ( فوزيه ) إليه بتعجب وهي تقول له بسخرية يا ( أبو إبراهيم ) جرب تاخذ بعدها ووتر بالموية عشان يحدر اللي أكلته ..

تناقشت معه طوال الطريق واكتشفت بعد النقاش أنها تنفخ في قربه مشقوقه بل لم يكن هناك قربه من الأساس ….

وصلت إلى المدرسة ومارست نشاطها … وضلت على هذه الحالة كل يوم تصحوا وقت الفجر لتستعد وتذهب مع ( أبو ابراهيم ) الذي لم تكن أسألته إلا عن الزواج والتميلح ضناً منه بأن واحدة من المدرسات ستكون في يوما من الأيام محرماً للمجموعة ولكن المانع كانت ثيابه الرثة ووجهه الضئيل الذي لا يتعدى حجم أزره البالطوا ..

مضت على هذه الحالة لسنوات عدة وهي في كل سنة تتسابق على حركة النقل التي أخذت فرحتها تذبل فيه مع مرور الوقت ليتملكها إحساس بأنها مسرحية كبيرة للإسكات فقط …

عاشت على هذا المنوال تحضر كل يوم وقبل أن تدخل إلى المدرسة تقوم بعصر نقابها وتحركه في الهواء حتى ينشف اللعاب الذي انتشر فيه بسبب النوم ثم بعدها تدخل إلى المدرسة كي تحلق على توقيع الحضور وإن تأخرت بسبب ظروف الطريق فإن الخصم يشملها وفي آخر السنة تطالبها المديرة بالحضور والتوقيع دون أن يكون هناك أي عمل ولا طلبه بسبب التعميم الصادر من وزارة التربية والتعليم الذي أطلقه شخص ليس لديه قريبات متغربات …

ابتلعت ضيمها دون أن تتجرع خلفه كوبا من الماء لتعتاد على طول الطريق و تعبه حتى أتى يوم كانت تغط في سبات عميق لتفيق بجنونٍ على صوت انفجار الإطار الذي جعل السيارة تحذف عن الطريق وتشاهد ( أبو ابراهيم ) الذي حاول بيأس السيطرة على مقود السيارة ولكن السيارة مالت بهم لتنقلب بشكل جنوني رأسا على عقب لتسمع صرخات المعلمات من حولها لثواني معدودة ثم انقطع  الصوت ليغشي بصرها ضباب جعلها بالكاد ترى المعلمات اللواتي تنثرن في كل مكان.. حاولت أن تميز الموقف ولكن الغيبوبة اكتنفت رأسها لتجهز عليها وتفقد الوعي …


دنت حركة بسيطة انطلق معها صوت صرير معدني لتفيق ( فوزيه ) من شرودها وتقع عينيها على ذلك البرنامج الذي يتحدث عن الذكريات الجميلة ليقول لها والدها …

م  تعبتي يا بنيتي من هالكرسي  المحتحرك .. قالت معليش كنت أتابع البرنامج وشكلي غفيت شوي … نطقت بكلماتها وانحدرت دمعة من عينيها ليقاطعها .. كنت تتذكرين الحادث .. عندها انفجرت بالبكاء وهي تقول له … مرت سنه وأنا أتخيل الموقف كأنه أمس ما أقدر أنسى خبر مصرع المعلمات اللي اروح معهم كل صباح وأتبادل معهم أطراف الحديث… أحس أنه أمس وسبب اللي أنا فيه هالسمؤولين  .. قاطعها والدها .. لا يضيق صدرك يا بنيتي هذي سياسة … ليت أني أقدر أوصل للإعلام وللمطبلين من الصحفيين وأقولهم أن اللي يسوونه هالمسؤولين ببنات المسلمين حرام عليهم وأنهم محاسبين  .. كم بنت توفت على هالخطوط السريعة وكل اللي ناب أهلها نعي في الجرايد بدون إيجاد أي حلول .. هذا غير البنات اللي تجيهم إصابات …

ما إن وصل إلى هذا المقطع حتى أجهشت بالبكاء ليستطرد بدوره .. لا تبكين يا بنتي الحزن ما يرجع الغالي ولا الماضي … أبيك تستريحين ولا تعطين هالموضوع أي اهتمام لأنه إذا ما حس المذنب بذنبه ليش حنا نشيل ذنبه ونعذب أنفسنا .. مالنا إلا ندعي أن الله يصلحه ويسدد خطاه في اتخاذ القرارات .. دنى منها ومسح دمعتها وابتسم ليكمل حديثه .. ويكفينا أنك مازلت عايشه بينا  يا ابنتي ..

امسك بعدها بمقبض  الكرسي المتحرك وانطلق بها إلى غرفتها وفي داخله صوت يتردد .. متى سيلتفتون إلى هذه القضية متى سيفيقون من غفلتهم ويجدوا لها حلا جذرياً قبل أن نفقد فتياتنا …

فمن يقوم بإدارة حركة النقل والتعيين لديه خلايا من المخ ضائعة فنتمنى من الله العلي القدير أن يجد ما فقده من خلاياه وأن يعود لنا بقرارات صائبة تنم عن فكر متحضر

سار وطفأ أضواء الصالة ليصبح البيت مظلماً دون فرحة تبث الحياة فيه …

النهاية


 

مقالات ذات صلة

‫14 تعليقات

  1. توقعت أن تكون هذه هي النهاية.. =( سامح الله الجميع و سامحك اتعبتني و أنا أقرأ

  2. الله يعطيكـ ألف عافية أبو هديب قصة روعه والله يهدي الجميع و يرحم بنات المسلمين .,.,.

  3. .. الله الله عليك … سرد رائع .. النهاية مؤلمة … والمسؤلين ما عندك احد .. عسى ربي يبتليهم .. بما ابتلى هالمدرسات المساكين . مع اني اشك .. لان الواسطة شغاله .. .. …

  4. مشكور اخوي ابو هديب على قصتك اللي عرضت فيها المشكلة بطريقة ساخرة ومحزنة اشكرك على طرحك وعللى خفة دمك واسجل اعجابي بقصتك هذي وجميع ماتكتب وياليت يحسون المسؤلين الله يسعدك ويوفقك وبانتظار جديدك الف شكر لك وربي مبدع

  5. سلام أبو هديب أنت رائع القصة خطيرة القصة مؤلمة و لم أتوقعها بهذا الشكل , تمنيت أن أبو هديب أخوها أخذها للمجمعة بدلاً من الباص الله يجزاك خير , أول مرة في حياتي أقرأ قصة بهذا الطول في السرد من دون ملل شكراً

  6. مع ان القصة طويلة لكن جمعها لاكثر من قضية وتسلسها وحرفيتك في كتابتها اجبرتني اكمل القصة النهاية مؤلمة لكنها جزء من الواقع والله يصلح الحال جزاك الله خير

  7. كنت اتمنى ان تخبرنا بقصتك المحزنه بدون المساس بالمعلنات المغتربات. فهن لم يتغربن من بلادهن الا لضيق الحال وليس كما صورتهم انهم ماكنات تجميع فلوس ومقززات لا يعرفن ماذا يأكلن. عيب

  8. فتحت جروح ,,, الله يرحم بنات المسلمين ويحمي الاحيا منهم ويعافي المبتلى ويرزق المحتاج ….. ابدعت …فعلا ابدعت

  9. ساخر آآآدِ كدهـ .. اهنيك على كتاباتك الساخره الهادفه .. واتمنى ان كلامك يوصل للمسؤلين اللي ما يخافون ربهمَ

  10. لله درك ياابو هديب صورة طبق الاصل من الواقع المر الذي عايشناه ولازلنا نعيشه بطريقه ساخره جذبت الالبااب وجعلتنا نسترسل بقراءة قصتك بلا كلل وكأنك تعرض علينا شريط فديو لمئات بل لأ لاف الفتيات للاسف ماقد سمعنا ببنت مسؤول اصيبت بحادث اثناء تنقلها الى مدرستها الواقعه بخارج المدينه ليش لان بنت المسؤول تبنى لها مدرسه قبال بيتها لا واللي يقهر انهم ينكرون وجود الواسطه ومتعللين بالحاسب سبحان الله حتى الحاسب عنده محاباة لهم ولبناتهم مايختار الا بنات الضعوف ويرميهم بالهجر والقرى مااقول الا حشفا وسوء كيله والله لايحلل من خذا لنا حق

  11. يا شييييخ والله انك خطييييير….قاعده اضحك وانا اقرا القصه واللي حولي يقولون وش فيها هالخبله…..بس النهايه محزنه والله انت خطيييير وموضوعك اعتبرها من المواضيع المهمه و المفيده يعطيك العافيه

  12. مشكووووووور أخوي ابو هديب على القصة الأكثر من رائعة . وحنا بانتظار المزيد من ابداعك وتسلم اليادي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى