رسائل المجموعة

بكاء وبكاء + شاكو ماكو + فارس الفجر

( بكاءٌ وبكاء )
– رأيتها تحمل كيساً من الخبز في الظهيرة وتسير على قدميها في
شدة القيظ، وهي منحنية الظهر ….. فبكيت
– رأيت – وبفضل الله – أعداد المجلات النسائية ( الإسلامية ) تزداد
كل يوم،… فبكيت
– سمعته يقول وقد قتلت أسرته بأكملها:يا مسلمون والله لن
أسامحكم…. فبكيت
– دعاه أحد الشباب إلى الله ، وبعد جهدٍ تغير حاله ، ثم رأيته من
أنشط الدعاة إلى الله …. فبكيت
– رأيته على عربة يستحث الدافع ..ليدرك صلاة الجماعة … فبكيت
 – رأيته يصلح أكمامه بعد الوضوء، ثم يدخل المسجد..ويكبر،ثم
يبكي….فبكيت
 – كان يتحدث وعليه جبال الندم قائلا: كنت مسرفا على نفسي
حتى أن أبي مات وهو يقول لي: يافلان والله إن كل شعرة في بدني
غاضبة عليك…فبكيت
– رأيته يدعو الله: يارب .. يارب خذ من دمي حتى ترضى …. فبكيت
 – قريبة لي قد قاربت السبعين ولم تتزوج،فسألتها عن ذلك،فقالت:
(كنت أرفع الأذى من تحت أبي المريض وهو مقعد،ورفضت الزواج،حتى
توفي وهو يقول لي: يافلانه والله إني راض عنك، وأسأل الله أن يرضى
عنك في الدنيا والآخرة،وكان قطار الزواج قد فاتني حينها ) …. فبكيت
 – كنت ماشياً فاصطدمت به فوقع ما كنت أحمله على الأرض، فأحرج
بشدة وبدأ بالتأسف بطريقة غريبة وكلمات أغرب!! ثم تبين لي أنه
أبكم … فبكيت
 – قيل لي بأن عدد المشايخ وطلاب العلم المصرح لهم بإلقاء
المحاضرات في إحدى المدن العربية قد تجاوز الألف …… فبكيت
– رأيته يبكي على حال أمته …. فبكيت.


(الهقلص)… (شاكو ماكو)..!!!

لا تظن عزيزي القارئ أن العبارات السابقة هي طلاسم أو شعوذة سحرية.. أبداً، أبداً، إنها بعض العبارات التي نقرأها بين الفينة والأخرى على الجدران في مختلف المدن والأماكن العامة والخاصة…

وتعد الكتابة على الجدران من المشكلات المتعبة جداً بالنسبة للمسؤولين، ومن قبلهم أصحاب الجدران المساكين، وهي- أي كتابة على الجدران- قديمة قدم الإنسان نفسه، وطبعا مع الاختلاف في الوسيلة والمكان، فالكتابات والنقوش والرسومات التي وجدت على الجدران في المناطق الأثرية ساعدت وبشكل كبير في التعرف على حضارات الأمم السابقة ومعرفة عاداتهم وطرق معيشتهم، بالإضافة إلى معرفة اللغات الأثرية عن طريق تحليل الحروف المكتوبة بها ودراستها كالهيروغلوفية وغيرها، وكان غالبها يتم بواسطة الحفر والنقش، أما الكتابة على الجدران في هذا الزمان فهي تختلف باختلاف الأغراض والبيئات والأماكن والوسائل أيضاً، ففي بعض البيئات تعد الكتابة على الجدران وسيلة من وسائل التعبير عن رفض الذل ومقاومة الاحتلال، كعبارات (وا إسلاماه) و(النصر للإسلام) إلى غير ذلك من العبارات التي قد تحمل الصبغة الدينية أو السياسية.

أما في بعض البيئات فتعد – أي الجدران- مرتعاً خصباً لممارسة فن الرسم على أصوله، لم لا يملكون ثمن اللوحات الكبيرة- وحتى من بعض الذين لديهم القدرة على الشراء ولكنه اتباع عندهم لنوع من التقليعات- حتى إن بعض هذه الدول اتجهت نحو تقنين الكتابة والرسم على الجدران بتخصيص أماكن وجدران يأخذ الرسام والكتاب- إن صح التعبير- فيها راحتهم فيرسمون ويكتبون كما يشاءون، وطبعاً هذه الدول قامت بهذا العمل حفاظاً على المنظر العام من العبث بالإضافة إلى كون الكثير من الكتابات وطريقة سبكها ورسمها تحمل نوعاً من الفن- في نظرهم- فقامت بهذا التقنين، على أن يعاقب من يخالف هذه القوانين والأماكن ويغرم مادياً.

أما في الكثير من الدول-خصوصاً دول الخليج العربي- فتعد الكتابة على الجدران من المشكلات والأعمال المرفوضة، بسبب أنها لا تعدو كونها إفرازات من إفرازات مرحلة المراهقة والفراغ القاتل، كالعبارات العاطفية، وعبارات التعصب الرياضي الممقوت، فكثيراً ما نشاهد:

(الحب عذاب)، (المعذب)، (شاكو ماكو)، وهذه الأخيرة انتشرت في إحدى المدن الخليجية بشكل ملفت للنظر، حتى إن أحدهم أكد لي بأنه قرأها أيضاً على أحد الجدران في دولة مصر!!

وعن اختلاف الوسائل في الكتابة على الجدران، فلقدذكرت بأن غالب الكتابات الأثرية تتم بالنقش والحفر، أما في هذا الزمان فلقد اختلفت الوسائل بين ما يسمى ب (البوية) وهو بخاخ يكتب بواسطة الرش، وبين الطباشير، والأقلام والفرش العريضة، أما أغرب طريقة رأيتها في الكتابة والرسم على الجدران فقد كانت عبارة عن لوحة رسمها صاحبها- المؤذي-بواسطة رمي الطين على الجدار وصفت بطريقة السريالية!!

وإذا تطرقنا إلى ما تحويه هذه الكتابات من مخالفات شرعية -فضلاً عن كونها إتلافاً وعبثاً في أملاك الناس والأملاك العامة- فإننا نجد بعضها يحوي ألفاظاً مخالفة للشرع، مثل عبارة:(نصراوي أو هلالي أو غير ذلك- حتى الموت)، (أحبك حتى الموت) ولا يخفى عليك- عزيزي القارئ- ما في هذه العبارة من الغلو- والعياذ بالله-.

وقد فرضت بعض الدول- كما أسلفت- عقوبات وغرامات مالية لمن يضبط وهو يقوم بالكتابة على الجدران، حفظاً على الأملاك والمنظر العام للبلد، وفي بعضها فرضت لوائح تنظيمية للسلوك الطلابي في المدارس وعدت الكتابة على الجدران مخالفة قد تخصم من درجات الطالب بسببها.

وفيها- أي المداس- حدث ولا حرج من أنواع الكتابة التي تحمل صبغة المراهقة في غالبها، وخصوصاً الكتابة على أبواب وجدران دورات المياه!! ولقد سألت كثيراً عندما وجدت لفظ الجلالة مكتوباً في إحدى دورات المياه ضمن عبارة كتبها صاحبها عافانا الله وإياكم..

عموماً.. فالكتابة على الجدران، وخصوصاً في دول الخليج، لا تخلو- كما أسلفت- من المحاذير والمخالفات الشرعية فضلاً عن كونها إتلاف وتصرف في مال غيرك بما لا يجوز..

ومن المضحك المبكي أن أحدهم- وقد أن انتهى من طلاء سور بيته الجديد- وجد هذه العبارة- وبالخط العريض-(أصبر مفتح الفاراج) التي يقصد بها صاحبها المتعالم: (الصبر مفتاح الفرج)!!

ولا أدري تحت أي قسم أضع هذا النوع من الكتابة على الجدران؟!!

حتى أن أحدهم وبعد أن مل من كثرة الكتابة على جدار بيته، قام بوضع لوحات فارغة ليمارس عليها هؤلاء الهواة هواياتهم بحرية، ولكن حتى محاولته هذه باءت بالفشل فلقد كتبوا على اللوحات وعلى جداره أيضاً.

وكم هو ظريف أن بلدية في إحدى المدن العربية، قامت بالإعلان في الصحف بحثاً عن (كاتب الطريق)- إن جازت التسمية، لما يتميز به هذا الكاتب من روعة في الخط وانتقاء العبارات التوجيهية الجميلة في كتابته على الجدران والمرافق العامة- قامت هذه البلدية بنشر خبر مفاده أنها تبحث عنه لا لمعاقبته، بل لتوظيفه لديها والاستفادة من خبراته!!

وآخر قد ذاق الأمرين -إن صح التعبير- فكتب على جدار مدرسته: (المدرسة للبيع!!)

ولقد كتب الكثير من الباحثين بعض المقالات والبحوث للمساعدة في حل هذه المشكلة، والحد من تفاقمها، فعلى سبيل المثال هناك بحث: الكتابة على الجدران العامة في 6 مدن رئيسية في المملكة العربية السعودية، وهو بحث ميداني، قام به أحد الأكاديميين، يتناول فيه الكتابة على الجدران من عدة نواح: مضمونها، مفهومها، دلالاتها..

وأخيراً.. أذكر كل من تسول له نفسه بالكتابة على الجدران العامة أو الخاصة بأن يتقي الله عز وجل ولا يتصرف في مال غيره بما يعود على الجميع بالضرر، وليتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

لا ضرر ولا ضرار.

وأحب أن أهمس في آذان الشباب عموماً بأننا أمة الرقي والحضارة، فينبغي أن نترفع عن سفاسف الأمور، ولنسمو بتفكيرنا نحو معالي الأمور وما أجمل قول الشاعر:

ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر

وقوله:
قد هيئوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل


هذه مشاركة نثرية
 
( فارس قبيل الفجر )
 
هاهو نديم الترحال,,يسير برفقة الهلال,,
فارسُ الفجرِ تَرَجّل,, لمح سدرة فأقبل,,
اتخذها سترة وكبّر, فتعالت: (الله أكبر),,
 
نشيجهُ وحمحماتُ الخيل تدغدغ سكون الليل البهيم,,
أتم ما كتب له من الركعات, ثم رأى أن يقضي قبيل الفجر ببعض السبات,,
أسند رأسه إلى السرج,, وهام في نوم كالموج,,
راح في خِضم الرؤى,, فيا ترى ماذا رأى؟!!
 
رأى أنه هناك,, نعم هناك,,
حيث القعقعات والنجيع,,
حيث ينطق الحجر والشجر,, ويختبئ النذل وراء الغرقد،،
وإذا بالسماء تناغي الكون بإيماض البرق وهزيم الرعود,,
صدره بات كمرجل,, كبّر هناك وجلجل,,
وتحقق الوعد المبجل: (تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم),,
 
فجأة… تحول المشهد غير المشهد,, والمكان غير المكان,,
وإذا بالجند زُرافاتٍ ووحدانا,, تتردد بينهم كلمات لم يسمعها منذ زمن:
غرناطة,, أشبيلية,, قرطبة!!
وسمع الشاعر الذي كان يَبكي ويُبكي بقوله: لمثل هذا يذوب القلب من كمد,,
إذا به منتشيا يردد:
لمثل هذا يطير القلب من فرحٍ … إن كان في القلب إسلام وإيمانُ
ومن على المنابر تعالى الأذان يشنّف الآذان,,
غلبته عبرات دفينة,,
ودمعت عيناه وهو في المنام..!!
 
أيقظه نوحُ حمامة على الغصن,, فامتطى صهوة الخيل,, وعجّل,,
وسار نحو الفجر القريب,, وهو يترنّم شادياً:
 
وحين أجيء للأقصى… كما يوماً أخي أوصى
سأدفع عندها الرشاش… يجعله الأمير عصا
………..
يظل عليه متكئاً… ليعلن من رُبى القدسِ
رجعنا اليوم للأقصى… فهبوا نحو أندلسِ.

حامد كابلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى