بـلـدة زرتها – ميخاس

/

ميخاس تلك الطفلة الأندلسية المتوشحة بالبياض ، الراقدة على صدر جبل يطل على ترمنينوس في مالِقة كما كان العرب يسمونها ، يوم كانت هناك مملكة ولقب ، وحضارة وثقافة وأدب ، مدينة صغيرة لطيفة الأجواء تمتاز مبانيها ذات الطابين باللون الأبيض البهيج ، وبالأزهار التي تطرز عتبات النوافذ في كل بيت فترسل الأريج ، بيوتها الصغيرة تمثل نوعاً من فنون العمارة الإسلامية الأندلسية التي يتصورها ذهن كل عربي مسلم يهوى ذلك التاريخ وتلك الحضارة ، أتذكر حين دخلتها كنت أردد :

بروحيَ تلك الأرض ما أطيبَ الرُبا … وما أحسنَ المُصطافَ والمُتَرَبع
وأذكرُ أيــامَ الـحِــمــى ثـم أنثني .. على كـبـدي من خشيةٍ أن تُصـدع

قُدر لي في مامضى زيارتها على حين غفلة من أهلها ومن نفسي ، فشعرت بنوع من الإرتباط الروحي بيني وبينها ، إرتباطاً تاريخياً بالأرض والهواء والسماء والماء ، ليس له علاقة بواقع أهلها اليوم للأسف ، واقع أبعد ما يكون عن حياة المسلم بعد أن كانت مأوى المسلمين وحمى الموحدين .

فسرتُ فيها غريباً ضل سامرهُ .. داراً وشوقاً وأحباباً وخلان
فلا اللسان لسان العُرب نعرفهُ … ولا الزمانُ كما كنا وما كانا

شعرت وأنا أُدحرج نظراتي في نواحيها أن ربما رأيتُ صاحب لحيةِ كثةٍ بيضاء وثوب عربي قديم يتوكأ على عصاه في بعض أزقتها بعد أن صلى الفجر في جماعة المسجد ، أو ربما شممتُ مسكاً ذكياً نُقِلَ إليها من أسواق صنعاء ، أو سمعتُ أهزوجة عربية فصيحة تنبعث من خلف أحد أبواب منازلها ، شعرت بأرواح أجدادي تحاصرني تخاطبني وتتلو قصة ، شعرت بصوتٍ في حلقي يشبه غصة !

جادكـ الغيْثُ إذا الغيْثُ همى … يا زمان الوصل بالأندلسِ
لم يكن وصلك إلا حُلما … بالكرى أو خلسة المختلس
ِحين لذَّ الأُنس شيئاً أو كما .. هجمَ الصبحُ هجوم الحرسِ

دخلت دكاناً أندلسياً صغيراً تعبق به رائحة الصاج و التحف الأثرية وما حاكى الأثرية ، فاشتريت منه تحف أجدادي القديمة وكُتيِّباً يروي تاريخي الذي ضيعته ، ثم جلستُ أنا وأحد الأصدقاء في مقهىً صغير واحتسيتُ قهوة وأنا أتلفَّت ، لعل ابن زيدون يجالسني ليسمعني بعض جديده ، أو يمر بي موكب ابن عباد في يوم عيده .

وبعد أن أرخى الليل سُدوله ، وبعد أن انتهت من قهوتي رشفاتي ، وطالت على أزقتها نظراتي ، أدرت ظهري مرغماً وكم هو صعب أن يجرح المرء كبرياء تاريخه ببضع ثـوانـي ، ثم ودعـتـهـا ومـقـولــة هــرقــل عـلـى لـسـاني ، وداع يـقـيـنٍ ليس بـمـزح ، إل إذا جاء نصرُ اللهِ والفتح …
 


– ملاحظة : الصور تم جمعها من أكثر من عدســة
كتبه / طلال عباس المناور
رحم الله من ذكر المصدر عند النقل

تويتر
اضغط هنا


تابع جديد رسائل المجموعة على تويتر


twitter.com/AbuNawafNet

Exit mobile version