العلماء ورثة الأنبياء – حديث صحيح

وكم من عائب قولا صحيحا *** وآفته من الفهم السقيم

يا سبحان الله !

ما أجرأ ألسنة على العلماء مسلولة .. تقطع الطريق على من نُصِّب ليعلم الناس الخير .. فلم تكتف بنهش لحوم عوام المسلمين .. بل ارتقت حتى بلغت رؤوس الناس .. الذين أشهدهم الله وقرنهم بالملائكة حيث قال في محكم تنزيله (( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم ..)) .. والذين قال عنهم -النبي صلى الله عليه وسلم- ((العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر )) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني .. وقال عنهم -صلى الله عليه وسلم- مبينا لفضلهم ومنزلتهم: (( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم .. إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير )) رواه الترمذي وصححه الألباني وغيره .. وقال تبارك وتعالى (( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء )) والمعنى: أن الذين يخشون ربهم هم أهل العلم به .. من الخواص والعوام .. والعلماء من أخص العالمين به تبارك وتعالى .. كيف لا وهم المبلغون لدين الله .. المبينون لمعاني الوحي .. أمِثْلُ هؤلاء تنتهش لحومهم؟ وتنتهك حرمة أعراضهم؟ فيتهمون بالعمالة .. ويتهمون بإخفاء العلم .. ويتهمون بنياتهم .. ويتهمون في أموالهم؟؟! وإذا تأملت لم تجد عند المتكلم فيهم دليلاً ولا بينة ؟؟! وإذا قدح في علمهم لم تجد عنده من العلم ما يقرب من علمهم فضلا عن أن يساويهم فيه ! فما أعظمها من مصيبة .. وقد انتشرت وعمَّت وطمَّت .. ما يستدعي من الناس أن يتناصحوا فيما بينهم لبيان خطورة هذا الأمر .. 

وليتبين خطر هذا الأمر أجمل ما أريد في نقاط: 

1- العلماء ورثة الأنبياء كما صح بذلك الحديث .. وهم نقلة العلم .. وحفظته وأوعيته .. فالكلام فيهم اتهام لهم .. وإسقاط لهيبتهم .. وإذهاب لاحترامهم .. فكثرة الكلام فيهم يؤدي إلى سقوطهم وسقوط مكانتهم كما حدث في بعض الدول المجاورة، وعلى كل أحد قدره من الإثم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (( من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينتقص من أوزارهم شيئا)) رواه النسائي وصححه الألباني .

2- لا شك أن العلم الشرعي من أجل العلوم .. بل ومن أفضل الأعمال على الإطلاق .. وقد اتفق علماء المسلمون على أن أفضل الأعمال على الإطلاق ثلاثة: الصلاة والجهاد والعلم، واختلفوا في أيها أفضل .. وقد جزم الإمام أحمد وجمع من الأئمة أن أفضل الأعمال العلم لأن منفعته متعدية .. ولأنه يبقى أثره حتى بعد الممات، والآثار عن السلف في هذا كثيرة جدا ؛ فإذا علم هذا فإن للعلماء قدرا من ولاية الله .. وقد قال الله تبارك وتعالى كما في الحديث القدسي (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب )) رواه البخاري، فمن تكلم في عالم من العلماء الذين شهد لهم القاصي والداني بالعلم -وهم شهداء الله في أرضه- فقد عادى وليا من أولياء الله .. وقد آذنه الله بالحرب .. فهو كبيرة من كبائر الذنوب من جهتين: من جهة كونه غيبة .. ومن جهة كونه عادى وليا لله .. ولم يأت ذكر المحاربة في إلا في عظيم .. كما جاء في آيات الربا في سورة البقرة فيمن لم ينته عن الربا (( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله )).

3- أن الكلام فيهم غيبة .. والغيبة من كبائر الذنوب كما هو معروف .

4- أن الكلام فيهم خاصة لأجل الفتاوى الصادرة عنهم تكلم بغير علم .. وقد جعل الله تبارك وتعالى القول على الله وعلى دينه وشرعه بلا علم من أكبر الكبائر .. قال تبارك وتعالى (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )) فجعل القول في دين الله بلا علم مقرونا مع الشرك الذي هو من أكبر الكبائر، وقال تبارك وتعالى (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً )) ..

أختم ::

بأن الإنسان قد يجد في نفسه أن ما رآه العالم الفلاني خطأ .. وإنما هو ظن ظنه والظن أكذب الحديث .. ولا يغني من الحق شيئا.. وكثير ممن ينتقد ويقع في نفسه مثل ذلم ليس بذي اختصاص .. ولو رده إلى العلماء لبينوا له وجهه .. كما قال تعالى (( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ))

وكم من عائب قولاً صحيحا *** وآفته من الفهم السقيم ..

فينبغي للإنسان أن يتهم نفسه .. وأن يسأل .. فإنما فرض الذي لا يعلم أن يسأل .. قال تعالى (( فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ))..

والعالم هو الذي يبين خطأ أخيه .. لا الجاهل ولا المتعالم .. 

فاتقوا الله عباد الله .. وأمسكوا ألسنتكم .. ((وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟!!)) حديث صحيح.. فكيف إذا ترتب على الغيبة تنزيلاً لمنزلة من رفع الله ؟

::  تأملوا  ::

Exit mobile version