مقالات

التّفكير الصّواب ؟!!

بعض النّاس يُثقلون أنفسهم بالهُموم … ليجعلوا حياتهم خالية من الهُموم
سانداسكي

جلس رجُل أعمال أمريكي في أواخر عُمره أمام بيته الشّتوي الخاص على أحد أنهار المكسيك ، وكأنّه في جلسته تلك في الجّنة
يستمتع بالمناظر الخّلابة و الجّو الصّافي النّقي البديع
،، لفت نظره اقتراب صيّاد مكسيكي بسيط من الشّاطيء ، فنظر رجل الأعمال الأمريكي إلى حال ذلك الصّياد البسيط
… فوجد مركب صيده غاية في البساطة، وكذلك الأدوات التي يستعملها ، ورأى بجانبه كمّية من السّمك قد اصطادها
، ناداه الرّجل ليشتري منه بعض السّمك ، وليتحدّث إليه
فجاء الرّجل إلى رجل الأعمال ، فاشترى منه بعض السّمك ، ثمّ سأله: كم تحتاج من الوقت لاصطياد مثل هذه الكمّية من السّمك ؟
.قال الصّياد البسيط: ليس كثيراً يا سنيور
فسأله ثانية: فلماذا لا تقضي وقتاً أطول إذاً في الصّيد ، لتكسب أكثر من ذلك ؟
!! فردّ الصّياد البسيط: ما أصطاد يكفي حاجتي ، وحاجات أُسرتي بالفعل سنيور
فسأله رجل الأعمال الأمريكي: ولكن ماذا تفعل في بقيّة وقتك ؟
، فردّ الصّياد البسيط: أنام ما يكفيني من الوقت ، وأصطاد قليلاً من الوقت
،، و ألعب مع أطفالي ، و أنام القيلولة مع زوجتي ، وأقضي معها بعض الوقت ، و في الليل أتجوّل مع أصدقائي في القرية
… و نجلس معاً و نتسامر مدّة من الليل ، أيّ أن حياتي مليئة بغير العمل سنيور
:هزّ رجُل الأعمال الأمريكي العجوز رأسه في سُخرية من كلام الصّياد البسيط ، ثمّ قال له
… سوف أُسدي لك نصيحة غالية صديقي ، فأنا رجُل أمريكي مُخضرم
:وها هي نصيحتي
.أولاً: يجب أن تتفرّغ أكثر للصّيد ! حتّى تزداد كمّية ما تصطاده
.ثانياً: بعد مُدّة من الزّمن ، ومع تحسّن وضعك المادّي ، تشتري مركباً أكبر ، وأحدث من هذا القارب الصّغير
.ثالثاً: يُمكنك بعد ذلك بمُدّة ، ومع ازدياد أرباحك ، أن تشتري عدّة قوارب كبيرة للصّيد
، رابعاً: ستجد نفسك في النّهاية و بعد مدّة من الزّمن ، صاحب أسطول بحري كبير للصّيد
!! وبدلاً من قضاء الوقت والجّهد في بيع السّمك مُباشرة للنّاس ، سترتاح ببيعك فقط للموزّعين
و أخيراً: وبعد كل هذا النّجاح
ستستطيع و بكل سُهولة أن تُنشيء مصانع تعليب خاصّة بك ، بحيث يُمكنك عن طريقها التّحكّم في إنتاجك من الأسماك
…. و كمّيات التّوزيع أيضاً
… وتنتقل بهذا النّجاح من قرية الصّيد الصغيرة هذه التي تعيش فيها إلى العاصمة (مكسيكو سيتي ) ومنها إلى أمريكا
!!!و هكذا تُصبح مليونيراً كبيراً يُشار إليه بالبنان
أرأيت يا صديقي المسكين كيف يكون التّفكير الصّواب ؟
سكت الصّياد قليلاً ، ثُمّ سأل رجل الأعمال الأمريكي العجوز: ولكن سنيور ، ماذا يتطلّب كل هذا النّجاح من وقت؟
!! ضَحِك رجُل الأعمال و قال: من خمسة إلى عشرين عاماً فقط
فقال الصّياد: وماذا بعد ذلك سنيور ؟
،، فضحك رجل الأعمال ، وقال: هُنا نأتي لأفضل مافي الموضوع
إذا عندما يحين الوقت المُناسب الذي تختاره ، تبيع شركتك ، و جميع أسهمك ، و تُصبح بعدها أغنى أغنياء العالم
!!فسوف تملك ملايين الدّولارات أيّها الرّجل
نظر الصّياد البسيط إلى الرّجل ، ثمّ سأله: وماذا بعد الملايين سنيور؟
قال الرّجل العجوز في فرح: تستقيل بالطّبع ، وتستمتع بما بقي لك من العمر ، فتشتري شاليهاً صغيراً في قرية صيد صغيرة
تستمتع فيه مع زوجتك و أبنائك ، وتنام القيلولة مع زوجتك ، وتقضي معها بعض الوقت
…. تلعب مع أبنائك ، و تخرج ليلاً تتسامر مع أصدقائك ، وفوق كل ذلك تستطيع النّوم مدداً أطول وأجمل
:فقال الصّياد المكسيكي البسيط في دهشة
هل تعني أن أقضي عشرين عاماً من عُمري في التّعب و الإرهاق و العمل المُتواصل
،،، و الحِرمان من زوجتي و أبنائي و الاستمتاع بصحّتي
!!!! “لأصل في النّهاية إلى ” ما أنا عليه أصلاً
!!! شُكراً سنيور
*** ***
، تلك القصّة لم أسوقها للتّقليل من أهمّية التّخطيط للتّحسّن في مجال العمل
… على العكس ، بل ذلك واجب ضروري و مُفيد … طالما أنّه لم يتجاوز حدود مُعيّنة
… إنّها قصّة حياة أغلبنا بشكل أو بآخر ، عَدْوٌ و لَهْثْ ، حتّى ينقطع النّفس الأخير
، إذ نعيش حياتنا نُحارب من أجل النّجاح و من أجل المال ، ومن أجل الاستقرار
!! … فيفنى ربيع العُمر و خريفه في الجّهد و الكَبَد ، ونُمني أنفسنا بالرّاحة ، ومتى ؟ في آخر العُمر
، فإذا ما وصلنا إلى تلك المرحلة وصلناها مُحمّلين بإرث الصّراع مع الحياة العصرية
… الضّغط ، السّكر ، تصلّب الشرايين ، و الروماتيزم ، وما شكلها
!! فتمر الحياة بطولها دون أن نعرفها ، أو نختبرها أو نتمتّع بها !! فثقافتنا لا تُعلّم الإنسان كيف يحيا ، بل كيف يعيش
،،، وشتّان بين العيش كبقيّة ما يدبّ على الأرض
!! …. و بين الحياة بكل ما تعنيه من إحساس بالتّفصيل
!!ما قيمة الحياة بين قائمة أعمال اليوم و الغد و الالتزامات و التّعقيدات؟
ما قيمة الحياة عندما يُفوّت فيها الأب خُطوات ابنه الأولى و كلماته الأولى و يومه العصيب الأوّل في المدرسة؟
كيف لا تنهار العلاقات و ربّ الأُسرة يُفارق أُسرته في سنوات احتياجهم له
ليلتصق بهم لاحِقاً ، وهو كهل يحتاج للرّعاية ؟؟
!! و ينسحب ذلك في عصرنا المسعور هذا ، حتّى على الأمّهات ، كثيرات منهنّ في الواقع
، وقد يأتي وقت التّقاعد الذي يعني المرء نفسه فيه، فيجد نفسه عاجِزاً حتّى عن الرّاحة
!! فمن تعوّد على اللهاث لا يُمكنه أن يتعلّم الاسترخاء في آخر عُمره
!! إنّ من نسِيَ منكم نفسه و صحّته و عائلته فعليه أن يصحو
!!ولا يؤجّل المُهم حقاً في هذه الحياة لأيّام قد تأتي و قد لا تأتي
، ولنُعلّم أنفسنا و أبنائنا قبل فوات الأوان ، أنّ البحث عن الأمن لا في المال
… بل في العلاقات الحميمة ، و تقفّي السعادة في التّغير والتّجديد ، لا في طلب المزيد
و لنتعلّم الظّفر بالرّاحة عبر الإيمان بأنّ ما أصابنا لم يكن ليُخطئنا
وما أخطئنا لم يكُن ليُصيبنا
!! ولستُ أرى السّعادة في جمع مال ٍ ولكــنّ … التّقي هــو السّعيـــد
***
ربّنا ظلمنا أنفسنا وإنّ لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونّن من الخاسرين
سورة الأعراف
***
سُبحان الله و بحمده
سبحان الله العظيم
اللهم صلِّ و سلّم و باركـ على سيّدنا محمّد ، وعلى آله و صحبه أجمعين

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى