بسم الله الرحمن الرحيم
إلى أعضاء مجموعة أبو نواف البريدية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رسالتي عبارة عن مقال ، وهو منقول من كتاب وحي القلم
للأديب : مصطفى الرافعي – رحمه الله – ولقد قيل من أراد إجادة الكتابة الصحفية فعليه بكتاب وحي القلم .
أتمنى لكم قراءة ممتعة ….
*******
( أرملة الحكومة )
( أرملة الحكومة ) فيما تواضعنا عليه بيننا وبين قرائنا هو الرجل العزب ، يكون مطيقا للزواج ، قادرا عليه ، ولايتزوج ، بل يركب رأسه في الحياة ، ويذهب يموِّهُ على نفسه كذبا وتدليسا ، وينتحل لها المعاذير الواهية ، ويمتلق العلل الباطلة ، يحاول أن يلحق نفسه بمرتبة الرجل المتزوج من حيث يحطُّ الرجل المتزوج إلى مرتبته هو ، ويضيف شؤمه على النساء إلى هؤلاء النساء المسكينات ، يزيدهن على نفسه شرَّ نفسه ، ويرميهن بالسوء وهو السوء عليهن ، وينتقصهن ومنه جاء النقص ، ويعيبهنَّ وهو أكبر العيب ، لا يتذكر إلا الذي له ، ولا يتناسى إلا الذي عليه ، كأنما انقلبت أوضاع الدنيا ، وتبدَّلت رسوم الحياة ، فزالت الرجولة بتبعاتها عن الرجل والمرأة ، وانفصلت الأنوثة بحقوقها من المرأة إلى الرجل ، فوجبِ أن تحمل تلك ما كان يحمل هذا ، فتُقْدمَ ويقَرَّ وادعا ، وتتعب ويستريح ، وتعاني الهموم السامية في الحياة الاجتماعية ، ويعاني ابتساماته ودموعه ، متكئا في مجلسه النَّسيمي تحت جناح المروحة .. فأما المرأة فتشْرف على هَلَكَتِها ، وتخاطر بحاضرها ومستقبلها ، واما هو فيبقى من ثيابه في مثل الخدر المصُون … !
( أرملة الحكومة ) هو ذلك الشاب الزائفُ المُبَهْرَجُ ، يُحْسَبُ في الرجال كذبا وزورا ، إذ لا تكمل الرجولة بتكوينها حتى تكملَ بمعاني تكوينها ، وأخص هذه المعاني إنشاء الأسرة والقيامُ عليها ، أي مغامرة الرجل في زمنه الاجتماعي ووجوده القوميّ ، فلا يعيش غريبا عنه وهو معدود فيه ، ولا طُفيْليا فيه وهو كالمنفيّ منه ، ولا يكون مظهرا لقوة الجنس القوي ّ هاربةً هروب الجبن من حَمْل ضَعف الجنس الآخر المحتمي بها ، ولا لمروءة العَشير مُتَبَرّئَه تَبَرُّؤ النذالة من مؤازرة العشير الآخر المحتاج إليها ، ولا يرضى لنفسه أن يكون هو والذل يعملان في نساء أمته عملا واحدا ، وأن يصبح هو والكساد لا يأتي منهما إلا أثرٌ متشابه ، وأن يبيت هو والفناء في ظلمة واحدة كظلمات القبر ، تنقلُ الأجداث إلى الدُّور ، فتجعلُ البيت – الذي كان يقتضيه الوطن أن يكون فيه أب وأم وأطفال – بيتا خاويا كأنما ثِكل الأمَّ والأطفال ، وبقيت فيه البقيةُ من هذا الرجل العَزَبِ الميت أكثرُ تاريخه .. !
لقد رأيتُ بعيني أداة العزَب وأثاثه في بيته ، كأنما يقصُّ عليه كلُّ ذلك قصةَ شؤمه وَوَحدته ، وكأنما يقول له الفَرْشُ والنَّجْد والطَّراز : ( بعْني يا رجل وردَّني إلى السوق ، فإني هنالك أطمع أن يكون مصيري إلى أب وأو وأولاد، أجد بهم فرحة وجودي ، وأصيب من معاشرتهم بعضَ ثوابي ، وأبلى تحت أيديهم وأرجلهم فأكون قد عملت عملت عملا إنسانيا . أما عندك ، فأنت خشبة مع الخشب ، وأنت خِرْقةٌ بين الخِرَقِ . واسمع الكرسي إنه يقول : أفّ . وأصغ إلى فراشك إنه يقول : تُفّ .. ) .
شَهِدَ العزَبُ وربّ الكعبة على نفسه أنه مُبْتلى بالعافية ، مستعبَدٌ بالحرية ، مجنون بالعقل ، مغلوب بالقوة ، شقي بالسعادة ، وشهدت الحياةُ عليه وربّ البيت أنه في الرجولة قاطع طريق ، يقطع تاريخَها ولا يؤمّنُه ، ويسرق لذَّاتها ولا يكسبها ويخرج على شَرْعِها ولا يدخل فيه ، ويعصي واجباتها ولا ينقاد لها . وشهد الوطن – والله – عليه أنه مخلوق فارغ كالواغل على الدنيا ، إن كان نعمةً بصلاحه ، انتهت النعمةُ في نفسها لا تمتد ، وإن كان بفساَده مصيبة امتدت في غيرها لا تنقطع . وأنه شحَّاذ الحياة أحسن به الأجداد نسلا باقيا . ولا يُحْسن هو بنسل يبقى ، وأنه في بلاده كالأجنبي ، مهبطُه على منفعه وعيش لا غيرهما ، ثم يموت وجود الأجنبي بالنَّقْلة إلى وطنه ، ويموتُ وجود العزَب بالانتقال إلى ربه ، فيستويان جميعا في انقطاع الأثر الوطني ، ويتفقان جميعا في انتهاب الحياة الوطنية ، وأن كليهما خرج من الوطن أبتر لا عَقِب له ، يذهبان معا في لُجج النسيان : أحدهما على باخرة ، والآخر على النعش !
***
جاءني بالأمس ( أرملة الحكومة ) وهو مهندس موظف . ومعنى الهندسة : الدقة البالغة في الرقم والخط والنقطة وما احتمل التدقيق ، ثم الحذر البالغ أن يختل شيء أو ينحرف ، أو يتقاصر أو يطول ، أو يزيد أو ينقص ، أو يدخله السهو ، أو يقع فيه الخطأ ، إذا كان الحاضر في العمل الهندسي إنما هو للعاقبة ، وكان الخيال للحقيقة ، وكان الخرْقُ هنا لا يقبلُ الرُّقْعة . ومتى فَصَلتِ الأرقام الهندسية من الورق إلى البناء مات الجمع والطرح والضرب والقسمة ، ورجع الحساب وهو حساب عقلِ المهندس ، فإما عقلٌ دقيق منتظم ، أو عقل مأفون ٌ مختل .
بَيْد أن المهندس – على ما ظهر لي – قد خلتْ حياتُه من الهندسة .. وانتهى فيها من التحريف المضْحك – حتى فيما لا يخطئ الصغارُ فيه – إلى مثل التحريف الذي قالوا إنه وقع في الآية الكريمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) فقد رووا أن إمام قرية من القرى في الزمن القديم كان يخطب أهل قريته ويصلي في مسجدها ، فنزل به ضيف من العلماء فقال ها الخطيب : إن لي مسائل في الدين لم يتوجَّه لي وجهُ الحق فيها ، ولا أزال متحيِّّر الرأي ، وكنت من زمن أتمنى أن ألقى بها الأئمة ، فأريد أن أسألك عنها . قال العالم : سَلْ ما أحببت . قال الخطيب : أشْكَلَ عليّ في القرآن بعضُ مواضع ، منها في سورة الحمد ( إياك نعبد وإياك) … أي شيء بعده ( تِسْعين أو سَبعين ) ..؟ أشْكَلَتْ عليّ هذه فأنا أقرؤها : تِسعين . أخذا بالاحتياط ..!
كذلك مهندسُنا فيما أشكل عليه من حسابه للحياة ، فهو عَزَب أخذا بالاحتياط قال وهو يحاورني : كيف تُكلَّفني الزواج وتُكرهني عليه ، وتُعَنَّفني على العُزوبة وتَعيبني بها ، وإنما أنت كالذي يقول : دع الممكن وخَذ المستحيل ، إن استحالة الزواج هي التي جعلتني عَزَبا ، والعزوبة هي التي جعلتني فاسدا ، وفي هذا الجو الفاسد من حياة الشباب ، إما أن تكسدَ الفتاة ، وإما أن تتصل بها العدوى . والعزَبُ لا يأبى أن يُقال فيه أنه للنساء طاعون أحمر أو هواء أصفر ، فهو والله مع ذلك موتٌ أسود وبلاء أزرق .
قلت : لقد هوَّلتَ عليّ ، فما مستحيلك يا هذا ، ولمَ استحالَ عليك ما أمكن غيرَك وكيف بلغت مصر خمسة عشر مليونا ؟ أمنْ غير آباء خُلقوا ، أم زرعوا زرعا في أرض الحكومة ؟ اسمع – ويحك – ألا يكون الرجال قد أقبلوا وتراَجعْت ، وتَجلَّدوا وتوجَّعْت ، أو أقْدَموا وخَنَسْت (اختفيت ) ، واسترجلوا وتأنَّثْت ؟ . قال : ليس شيء من هذا .
قلت : فإن المسألة هي كيف ترى الفكرة ، لا الفكرةُ نفسُها ، فما حَمَلك على العزوبة وأنت موظف وظيفتك كذا وكذا دينارا ، وأنت مهندس يَصْدُق عليك ما قالوه في الرجل المجدود : لو عَمدَ إلى الحجر لنفلق له عن رزق .
قال : أليس مستحليلا ثُم مستحيلا أن يجمعَ مثلي يده على مائة جنية يدفعها مهرا ، وما طرقتُ – علم الله – بابا إلا استقبلوني بما معناه : هل أنت معجزة مالية ؟ هل أنت مائة جنية ؟ . قلت : فإن عملك في الحكومة يُغِلُّ (يأتيك بدخل) عليك في السنة مائة وثمانين دينارا فلم لا تعيش سنة واحدة بثمانين فتقع المعجزة ؟ . قال : ( بكل أسف ) لا يستطيع الرجلُ العزَب أن يدخر أبدا فهو في كل شيء مبدَّد ضائع متفرق .
قلت : فهذه شهادتُك على نفسك بالسَّفَه والخرق( الحماقة ) والتبذير ، تُنفق ما يكفي عددا وتضيقُ بواحدة ، وماذا يَرْتئى مثُلكَ في الحياة ؟ أعند نفسه وفي يقينه أن يتأبَّد فيبقى عزَبا فهو ينفق ما جمع في شهوات حياته ، ويتوسَّع فيها ضروبا وألوانا ليكونَ وهو فرد كأنه وهو في إنفاقه جماعة ، كل منهم في موضع رذيلة أو مكان لهو ، وكأن منه رجالا هو كاسبُهم وعائلهم ، ينفق على هذا في القهوة ، وعلى هذا في الحانة ، وعلى ذلك في الملاهي ، وعلى الرابع في المواخير ، وعلى الخامس في المستشفى …؟ إن كان هذا هو أصل الرأي عند العزَب ، فالعزَبُ سفيه مجرم ، وهو إنسانٌ خَرب من كل جهة إنسانية ، وهو في الحقيقة ليس المتَّسع لنفقات خمسة ، بل كأنه قاتلُ من أبناء وطنه ، وإذا كان بهذا مُطِيقا أن يكون أبا ينفق على أبنائه ، لا سفيها يُنفق على شياطينه . فإن كان قد بنى رأيه على أن يتعزَّب مدة ثم يتأهل ، فهذا أحرى أن يعينَه على حسن التدبير ، وهو مَضْراةٌ له على شهوة الجمع والادّخار ، إذ يكون عند نفسه كأنما يَكْدَحُ لعياله وهو في سَعَة منهم بعدُ ، وهم لا يزالون في صلبه على الحال التي لا يسألونه فيها شيئا إلا أخلاقا طيبة وهمما وعزائم يَرثونها من دمه فتجيء معهم إلى الدنيا متى جاؤوا .
إنما العزَب أحد الرجلين : رجل قد خرج على وطنه وقومه وفضائل الإنسانية قاعدتهُ : جُرَّ الحبل ما انجَّر لك . وهذا داعر فاسق ، مبذر متلاف إن كان من الميَاسير ، أو مُريبٌ دنيء حقير النفس إن كان من غيرهم .. ورجل غير ذلك فهو في وثاق الضرورة إلى أن تُطلقَه الأسباب ، ومن ثم فهو يعمل أبدا للأسباب التي تُطلقه ، ويعرف أنه وإن لم يكن أهلا فلا تزال ذمته في حق زوجة سيعولها ، وفي حقوق أطفال يأبُوهم ، واجبات ووطن يخدمه بإنشاء هذه الناحية الصغيرة من وجوده ، والقيام على سياستها ، والنهوض بأعبائها . فانظر ويحك أي الرجلين أنت ؟ . قال : فتريدني أن أقامر بتعب سنة وأنا بعد ذلك ما يُقْدَرُ لي ، قد اشتري بتعب سنة من العمر تعب العمر كله ؟ .
قلت : فهذه هي خسَّة الفردية ، ودناءتها الوحشية في جنايتها على أهلها ، وسوء أثرها في طباعهم وعزائمهم ، فهي فردية تضرب فيهم العاطفة الاجتماعية ضرب التَّلف ، وتبتليهم بالخوف من التّبعات حتى ليتوهَّم أحدهم أنه إن تزوج لم يدخل على امرأة ، ولكن على معركة . وهي تصيبهم بالقسوة والغلظة ، فما دام الواحد منهم واحدا لنفسه ، فهو في تصريف حُكم الأثرة ، وفي قانون الفتنة بأهواء النفس ومنافعها ، وكأنما يعامله الناس رجلا كله مَعدَة أو هو فيهم قوة هضم ليس غير . قال : ولكن الزواج عندنا حظّ مخبوء والنساء كأوراق السحب ، منهن ورقة هي التوفيق والغنى بين آلاف هن الفقر والخيبة المحققة . قلت : هل اعتدت أن تتكلم وأنت نائم ؟ فلعلك الآن في نومة عقل أو لا فأنت الآن في غفلة عقل . إن هذا المسكين الذي يمسح الأحذية ويشتري من تلك الأوراق لا يخلو منها ، يعلم علما أكثر من اليقين أن عيشَه هو من مسح الأحذية لا من الأخيلة التي في هذه الأوراق ، فهو لا يعتدُ بها في كبير أمر ولا صغيره ، وما يُنْزلُها في حساب رغيفه وثوبه إلا يوم يخالط في عقله فيتنزّه أن يمسح أحذية الناس ، ويرى أن عظيما مثله لا يمسح أحذية الملائكة … أنت يا هذا مهندس ، ولك بعض الشأن والمنزلة ، فهَبْكَ ارتأيت أنه لا يَحسن بك أو لا يحسن لك إلا أن تتزوج بنت ملك من الملوك ، فهذه وحدها عندك النمرة الرابحة ، وسائر النساء فقر وخيبة ، ما دام الأمر أر رأيك وهواك ، غير أنك إذا عَرضْت لتلك النمرة الرابحة لن تعرفك هي إلا صعلوكا في الصعاليك ، وأحمق بين الحمقى . إن تلك الأوراق تُصْنعُ صنعتها على أن تكون جملتها خاسرة إلا عدد قليلا منها ، فإذا تعاطيت شراءها فأنت على هذا الأصل تأخذها ، وبهذا الشرط تَبذلُ فيها ، وما تمترى أنت ولا غيرك أن القاعدة ههنا هي الخيبة ، وشذوذها هو الربح ، وليس في الاحتمال غيرُ ذلك ، ومن ثم فقد برئ إليك الحظ إن لم يصبك شيء منه ، وأين هذا وأين النساء ، وما منهن واحدة إلا وفيها منفعة تكثر أو تقل ، بل الرجال للنساء هم أوراق السحب في اعتبارات كثيرة ما دامت طبيعة اتصالهما تجعل المرأة هي في قوانين الرجل أكثر مما تجعل الرجل في قوانينها ، وهل ضاعت امرأة إلا من غفلة رجل أو قسوته أو فسولته أو فجوره ؟
قال المهندس : فإني أعلم الآن – وكنت أعلم – أن لا صلاح لي إلا بالزواج ، وأن طريقي إلى الزوجة هو كذلك طريقي إلى فضيلتي وإلى عقلي . وتالله ما شيء أسوأ عند العزَب ولا أكره إليه من بقائه عزَبا ، غير أنه يكابر في الممارة كلما تحاقرت إليه نفسه ، وكلما رأى أن له حلا ينفرد بها في سخط الله وسخط الإنسانية . ولا مَكْذبَة فقد والله انفقت في رذائلي ما يجمع منه مهر زوجة تشتط في المهر وتغلو في الطلب ، ولكن كيف بي الآن وما جبرني من قبل إصلاح ، ولا أعانني اقتصاد ، ومن لي بفتاة من طبقتي بمهر لا أتحمل منه رهقا ، ولا تتقاصر معه أموري ، ولا تختل معيشتي ؟ .
قلت : فإذا لم يحملك الحمار من القاهرة إلى الاسكندرية ، فإنه يحملك إلى قليوب أو طوخ . وفي النساء إسكندرية ، وفيهن شبرا ، وقليوب ، وطوخ ، وما قرُب وبَعُد ، وما رخص وغلا . قال : ولكن بلدي الاسكندرية …
قلت : ولكنك لا تملك إلا حمار .. وللمرأة من كل طبقة سعرها في هذا الاجتماع الفاسد ، ولو تعاون الناس وصلحوا وأدركوا الحقيقة كما هي ، لما رأينا الزواج من فقر المهور كأنما يركب سلحفاة يمشي بها . ونحن في عصر القطار والطيارة ، وقد كان هذا الزواج على عهد أجدادنا في عصر الحمار والجمل كأنه وحده من السرعة في طيارة أو قطار .
حين يفسد الناس لا يكون الاعتبار فيهم إلا بالمال ، إذ تنزل قيمتهم الإنسانية ويبقى المال وحده هو الصالح الذي لا تتغير قيمته فإذا صلحوا كان الاعتبار فيهم بأخلاقهم ونفوسهم ، إذ تنحط قيمة المال في الاعتبار ، فلا يغلب على الأخلاق ولا يسخرها ، وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لطالب الزواج : " التمس ولو خاتما من حديد " يريد بذلك نفي المادية عن الزواج ، وإحياء الروحية فيه ، وإقراره في معانيه الاجتماعية الدقيقة ، وكأنما يقول : إن كفاية الرجل في أشياء إن يكن منها المال فهو أقلها وآخرها . حتى أن الأخس الأقل فيه ليجزئ منه كخاتم الحديد ، إذ الرجل هو الرجولة بعظمتها وجلالها وقوتها وطباعها ، ولن يجزئ منه الأقل ولا الأخس مع المال ، وإن ملء الأرض ذهبا لا يكمل للمرأة رجلا ناقصا ، وهل تتم الأسنان الذهبية اللامعة ، يحملها الهَرِم في فمه ، شيئا مما ذهب منه ؟ وما عسى أن تصنع قواطع الذهب الخالص وطواحنه لهذا المسكين بعد أن نطق تحَاتُ أسنانه العظميّة وتناثرها أنه رجل حلّ البلى في عظامه …