وُلدَّتُ مُعافاة الجسد، ناقصة العقل والدين..
أسموني (نورة) على جدتي لأبي..
تلك الحنونة أكثر من اللازم والمعطاءة أكثر من الحاجة
والتي لم أرثُ منها شيئاً سوى اسمها
عُمري الحقيقي هو ما يسكنُ في أعماقي
وما يطفو على ملامحِ وجهي من أحاسيسٍ لن أنجحَ بتزييفها أبداً
أشعرُ بشقاوةِ طفلةٍ في السابعة.. لا مبالاةِ مراهقٍ في الخامسة عشر
إرهاقِ عجوزٍ في السبعين.. و قلق أُم على مشارفِ الأربعين
أنا ناضجة بما يكفي لأبتلع خيباتي اليومية بصمتٍ وصبر
قنوعة بما يكفي لأبتسمَ بصدقٍ في وجه الحياة وإن خذلتني
و متماسكة بما يكفي لاحتمالِ عناق الأجساد التي ما عاد يهمني أمرها
أمرُّ على كُلّ الأعمار سوى عُمري
في الحقيقة يُقال في أوراقي الرسمية أن عمري 21 سنة –ولا زلتُ غير مقتنعة بأنه عمري الحقيقي-
أتممت عامي الواحد والعشرين لكنّي فشلتُ في إتمام بعضَ أحلامي البسيطة..
حاولتُ أن أنجح وأصل لما أردت، ببعضِ ما امتلكه من عزيمةٍ وثبات..
جرَّبتُ تحقيق أحلامي بإلحاح مُزعج، مثلما يضغطُ رجل عجوز على أزرَّةِ الهاتف
وينتظرُ رنينَهُ بصبرٍ وثقة.. مع أن السلكَ مفصول
يسألني البعض ما هوايتك ؟
” ا ل عُ ز ل ة ” تقفُ الإجابةُ مرتجفةً وجِلة على أعتابِ فمي..
فأتراجع وألجأُ لإجابة تمرُّ على أسماعهم دونَ أن توقعني بشركِ الجنون : القراءة.
هوايتي القراءة !
رغم أني أعتبرُها واجب يوميٌ مستحقّ الأداء كالاغتسال والأكل والنوم..
إلا أنها كي تُرضي الأغلبية المتكاسلة ارتدت ثيابَ الهواية واقتنَعتْ بها !
أعيشُ في مجتمعٍ قاصرٍ لم ينضُج بعد، و أعلمُ بأنّي سأوُبَّخُ كثيراً على هذه الفكرة..
إلا أني أعتقدُ بإصرار بأنه وإن كان بعض ما فيه مقبول إلا أنَّ غالبَهُ غير معقول..
يُشبه في غرابته تصريحاتَ القذافيِّ وثيابه، رغم استنكارِهِ لها و تندّره عليها !!
تشرَّبتُ جبراً أفكارهُ المتوارثة ببلاهة، كطفلٍ تُرغمه أمَّه على تناول الحساء المفخخ بقطراتٍ من الدواء..
و ما زلتُ كُلَّ يأسٍ أدعو بإلحاحٍ وحنق على تلك العادات التي تُكبّل رغباتنا ونخشى أن نكسرها، رغم أن لا صلةَ لها بديننا مُطلقاً..
ذاكرتي بالية..
كوسادةٍ مُصفّرةٍ مُهترئة، يتناوب على خنقها أكثرُ من شخص..
إلا أني لن أجرؤ أبداً على نعتها بالخيانة لأنها لا تَذكر بالأصل أيَّ شيءٍ يستحقُ الذكرَ كي تنساه !!
و ذلك من حسنِ حظي وحظ أولئك الذين يسمحونَ لأنفسهم أحياناً بالتمادي أكثر مما يُطاق..
و عينايَ الذابلتان لكثرة القراءةِ والسهر، تُعاني من ضعفِ النظر.. رُبما من حسنِ حظي أيضاً !
كي لا ألحظُ مزيداً من المناظرِ المُثيرة للقرف في أروقةِ الجامعة و الأماكن العامة، وأقصد بتلك المناظر..
تلكَ الكائنات الشبه فضائية بثيابِها الغريبة ولهجتها الهجينة وأفكارها الغبية..
هُم ليسوا أكثريةً أبداً إلا أنهم اقتربوا من النصف، وبات ازديادهم يُشعرني بمزيدٍ من الغُربةِ والغرابة..!
لا أطيق الأمور القابلة للتغيير المُفاجئ، ربما لأن عنصر المفاجأة في حياتنا ارتبط بالمعنى السلبي،
بعيداً عن قوالب الكعك والبالونات و تصفيق وضحكات الأصدقاء.
تكمن المفاجأة.. في أن أصحو يوماً لأرى على شاشةِ التلفاز أنباء بقصف مدينة إسلامية وسقوط عشرات القتلى..
دونَ سببٍ نُعلّق عليه ذُعرنا وأحزاننا !
أن ينتهي استجواب وزير مُتهم بالفساد بتجديدِ الثقةِ به،
مع زيادة عدد الشقوق التي تنخرُ في جدار الإصلاح الوطني..
فيتهاوى ذلك الجدار وسطَ عجزِنا !
أو أن أدقق على كشفِ درجات أعمال السنة لأرى أن بعض الزميلات حصلنَ على درجاتٍ غيرَ مُستحقة،
لا لشئ إلا لأنّ العوائل والقبائل أو الطبقات الاجتماعية اللاتي ينتمينَ إليها تشفعُ لهنّ عندَ أستاذ المادة – وذلك أضعفُ الخُذلان – ..
مهما كررتُ محاولاتي البائسة لأن أكونَ فتاةً عادية أُشبه غالب الفتيات في عُمري فإني لن أفلح أبداً..
لستُ مهتمةً بمساحيقِ التجميل ولا الموضة و لا حتى التسوّق، أتهرّب من المناسبات الاجتماعية دون أعذارٍ وجيهة
كل ما في الأمر أنّي أُحب الاختلاء بنفسي عِوَض مصاحبة أشخاص لا أعرفهم كنفسي ! وأهجرُ الحفلات هجر الأمطار لأرض بلادي..
وهذا لا يعني بتاتاً أني لا أعيشُ حياةً جميلة وممتعة ومثيرة..
بل أشعرُ بأن حياتي كحالة مختلفة عن البقية أجملُ بكثيرٍ من العيشِ كنسخةٍ مُقلدة عن غيري،
فالنُسخ الأصلية دائماً ما تأتي أكثرُ إشراقاً و جودة..
ظاهرياً يعتقدُ البعض بأني قوية في إزاحة الوجوه التي لا أحتملها عن دربي..
بنقرة واحدة تُشبه زر Delete في لوحة المفاتيح أحذفهم بسهولةٍ ويُسر، هذا ما يظهر لمن يعرفوني..
إلا أني أٌعاني كثيراً من الفقد.. أُمارس النسيان بكتمانٍ مُتقَن فأفشل..
كلُّ الأرواح التي أحببتُها وغابت عني أو هجرتُها تنخر فجوةً في روحي لا يقوى شيء على سدّها..
لدّي الكثير لأحكي عنه..
إلا أنّي ملولة في بعضِ الأحيان، و رُغم إجادتي للبدء بالأمور فأنا فاشلة جداً في إنهائها ..
هذا ما يجعلني أشرع في مشاريعٍ صغيرة أُكافح لاستمراري بالعملِ عليها ثُم ما ألبثُ أن أُلغيها من لائحة أعمالي
لا لشئ إلا لأني أعلمُ بأني لن أُنهيها أبداً .. سأتخلى عنها في منتصف الطريق كما فعلتُ مراراً.
حتى هُنا في هذا النصّ ! بدأتُ به وأنا موقنة بأني سأقعُ في مأزق انتهاء النص بخاتمةٍ مُرضية..
لذا.. اختموا الحديثَ كيفما شئتم.
فأنا كما قُلت فاشلة في إنهاءِ الأعمال جُلّها
.
.
.
نـوره علـي
تابعوا جديد شبكة أبونواف على فيس بوك وتويتر