رسائل المجموعة

هذه الامتحانات !!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
إلى المكرم وزير التربية والتعليم/
أتمنى أنك إذا شرعت بقراءة هذه الرسالة أن تقرأها كاملة لأن أفكارها متسلسلة مترابطة وأن تقرأها في جو هادئ بعيداً عن الإزعاج:

هذه الامتحانات!!

(فكرت اليوم في هذه الامتحانات: هل هي ميزان صادق لكفاءة الطلاب؟ ألا يمكن أن نجد طريقة أحسن منها؟ لماذا يحفظ الطلاب الكتب غيباً؟ صحيح والله… لماذا نكلفهم بحفظ الكتاب؟
كنا مرة في المحكمة من سنين نتحدث فذكر لنا أحد الزملاء الأسئلة التي وجهت إلى طالبي الدخول في القضاء, فخطر على بالي خاطر فقلت للإخوان: هؤلاء الذين دخلوا المسابقة سيعين الناجح منهم في أدنى درجات القضاء, وما منا إلا من أمضى في القضاء عشرين سنة على الأقل حتى غدا مستشاراً في محكمة النقض, فهل نستطيع نحن الجواب عليها؟
وفكرنا, فلم نستطع؛ لأنه ليس فينا من يحفظ مواد القانون المدني غيباً. ولو سألت احد القضاة أن يعد لك سنن الصلاة الثماني عشرة ويسردها سرداً لما قدر. ولو جئت لأكبر علماء اللغة فكلفته أن يسرد عليك أوزان المجرد والمزيد من الأفعال بنَفَس واحد لعجز. فلماذا نكلف الصغار المبتدئين بما يعجز عنه الكبار من الواصلين؟ ولماذا يكلف من يدخل القضاء بحفظ القانون المدني عن ظهر قلب وثمنه ليرتان وهو موجود في كل مكان؟ لماذا يحفظه طالب الدخول في القضاء ونـحن القضاة الكبار لا نحفظه؟ وليس في قضاة الدنيا من يحفظه مادة مادة, ولا يحتاج قاض إلى حفظه, إنما يحتاج إلى معرفة المراجعة فيه وفهمه.
ولماذا يحفظ الطالب عن ظهر قلب مساحة فنلندا والكونغو وتشيلي, وأسماء جبالها وعلوها, وبحيراتها وعمقها, وأنهارها ومقدار مائها؟ لماذا بالله؟ وهو إن أحتاج إليها يوماً فتح الكتاب فراجعها. وهل يحفظها الأستاذ نفسه؟
الأستاذ يقعد على منبر الدرس فيفتح الكتاب وينظر فيه أو يقرأ في مذكرة في يده ويقرر الدرس, فإذا عمل التلميذ مثله وفتح الكتاب يوم الامتحان أو نظر في ورقة عدّوه لصاً من اللصوص ومجرماً من المجرمين وقبضوا عليه بالجرم المشهود, وطردوه من الامتحان. فلماذا نطلب من التلميذ ما لا نطلب مثله من الأستاذ؟ ولماذا يحرم على الطالب ما يجوز للأستاذ؟ مَن مِن الأساتذة يحفظ الكتب التي يدرسها غيباً؟
أنا قد ألفت أكثر من خمسة وعشرين كتاباً, فهل تظنونني أحفظها عن ظهر قلب؟ فلماذا يكلف الطلاب بحفظ كتب لا يحفظها مؤلفوها؟
دعي مرة أحد العلماء لمتحان القضاء( ولم يكن يُطلَب من القضاة فبل خمسين سنة شهادة ولا كانت الشهادات, إنما كانوا يُختارون بالامتحان)فكلفوه أن يحفظ ( المجلة) : ويجيء.
فقال: إن المجلة
(1) فيها 1800 مادة, وهي موجودة في أيدي الناس, فلماذا أحفظها؟
قالوا: لابد من ذلك, أحفظها لنمتحنك بها.
قال: اسمحوا أولاً أن أمتحنكم أنا فأسألكم منها, هل تحفظونها؟
وكانوا منصفين, فقالوا:لا.
قال: كيف تحكمون بها وأنتم من كبار القضاة؟
قالوا: نفتح الكتب ونقرأ المادة, ثم نفهمها ونستنبط منها ونطبق عليها.
قال: فبهذا فامتحنوني.
* * *
وأنا واحد من الآلاف المؤلفة الذين درسوا في هذه المدارس من الصف الأول الابتدائي إلى آخر التعليم العالي, وقرأت مع ذلك بنفسي ما لا يقل بحال من الأحوال عن ثلاثة آلاف كتاب, وحفظت أشياء كثيرة وأديت الامتحان بها, فماذا بقي عندي منها؟
ماذا بقي عندكم الآن-يأيها الأساتذة الكبار- من المعلومات التي حشوتم بها أذهانكم وحملتها ذاكرتكم؟ ما بقي إلا الملكة العامة ومعرفة المراجعة.
والامتحان هل هو طريقة صحيحة لقياس الكفايات؟
يدخل الامتحانات العامة في كل سنة عشرات الآلاف من الطلاب يطرح عليهم سؤال واحد, ولكن المصححين كثر ومقاييسهم مختلفة كاختلاف حالاتهم النفسية عند رؤية ورقة التلميذ, فمن المصححين المدقق
ـــــــــــــــــــــــــ
(1): هي (مجلة الأحكام العدلية) التي أصدرها العثمانيون, وتمثل القانون المدني, وأكثر مادتها (أو كلها) من المذهب الحنفي
 
 
والمتساهل, والسخي بالدرجات والبخيل, وكل مصحح يكون نشيطاً ومتعباً, ويكون مركز الذهن ويكون موزع الفكر, والدرجات تختلف تبعاً لذلك.
وهذا الذي أقوله لا أقصد به انتقاد الامتحان في بلادنا, بل أريد نقد النظام من أساسه, وهو بحث طالما عرض له رجال التربية وأيدوا الحكم عليه بالفساد بتجارب كثيرة. منها أنهم عمدوا أمريكا إلى مئة ورقة عرضوها على لجنة فاحصة مدسوسة وسط الآلف من الأوراق فوضعت لها اللجنة الدرجات, فاحتفظوا بها وكتبوها نفسها مرة ثانية, وعرضوها على اللجنة ذاتها في وقت آخر فوضعت لها درجات اختلفت أكثر من عشرين في المائة علواً وانخفاضاً. أي أن الورقة التي أخذت ثلاثين من مئة أخذت المرة الثانية اثنين وعشرين, والتي أخذت خمسين أعطيت المرة الثانية ستين. وقد يكون سقوط التلميذ ونجاحه متوقفاً على خمس درجات من مئة.
وأنا لا أعجب-مع هذا- إلا من المصحح يضع للتلميذ 49 وسبعة أعشار الدرجة فيسقط مع أنه لو أخذ خمسين لنجح. 49وسبعة أعشار؟ هل كان في يديه ميزان الذهب؟!
وجربوا تجربة أخرى: طلبوا من أستاذ كبير أن يكتب هو الجواب الذي يستحق أعلى درجة, فكتبه. فبدلوه تبديلاً يسيراً وكتبوه بخط آخر وعرضوه عليه وسط مئات من الأوراق فأعطاه درجة دون الوسط!
ومن الأساتذة من يتحذلق فيختار السؤال من حاشية في الكتاب أو من مسألة فرعية, كأن المدار كله على الذاكرة فقط, مع أن المدار في النجاح في الحياة والتفوق في العلم لا على الذاكرة وحدها, بل عليها وعلى المحاكمة وعلى الشخصية.
ولقد حدثني صديق أنه درس الاقتصاد من قديم في أحدى الجامعات الإنجليزية, واستعد للامتحان وحفظ كل ما في الكتب من نظريات وأرقام, فكان السؤال كما يلي:(إذا سلمت مصرفاً وضعه المالي كذا, وحالته كذا, كيف تستفيد من النظريات التي درستها في رفع مستواه وتحسين وضعه؟). هذا هو الاختبار الحقيقي.
فإذا أردنا أن نختبر طالب الحقوق في السنة الأخيرة فلنعطه إضبارة دعوى ولنكلفه إعداد الدفاع فيها أو تهيئة الحكم, ولا نطالبه بحفظ القانون المدني ولا قانون الجزاء. وإذا أردنا اختبار طبيب فلنأته بمريض لفحصه ويصف له الدواء, وإن كان طالباً في دار المعلمين كلفناه بإعداد الدرس وإلقائه, وإن كان طالب هندسة كلفناه بإعداد خريطة البناء.
ولست أعني أن نعفي الطالب من النظر في الكتب والإلمام بالنظريات, لا, وإلا صار كالعامل المتمرن. لابد من العلم ولابد من الإطلاع على النظريات والبحوث, ولابد من فهم القوانين والإلمام بها, ولكن الذي أنكره أشد الإنكار هو أن نكلف الطالب حفظ الكتب. ولو كان هذا لازماً للزم حفظ القاموس غيباً, وإذا صحت نظرية الحفظ والامتحان به لوجب حفظ دليل الهاتف غيباً على موظفين السنترال!
قيل للشيخ محمد عبده إن فلاناً قد حفظ حاشية ابن عابدين كلها غيباً, فقال:(زادت نسخة في البلد)! ليس المهم أن يحفظ الحاشية, ولكن المهم أنه إذا سئل عن مسألة يعرف أين يجدها في الحاشية, وإذا وجدوها يعرف كيف يفهمها, وإذا فهمها يعرف كيف يطبقها على الواقعة التي سئل عنها. وهذه هي الملكة المطلوبة.
هذه واحدة. والثانية ألا نجعل الاعتماد كله على الامتحان, بل على الأساتذة ومعرفتهم بالطلاب وأحوالهم.
* * *
والامتحان له مضار صحية وله مضار أخلاقية وله مضار عقلية.
أما مضراته الصحية فالسهر وحصر الذهن وصدمة الخوف من الامتحان. وكم من طلاب الذين أصابتهم الأمراض وتحطمت منهم الأعصاب وابتلوا بالعاهات من جراء الامتحان. ولا تحسبوه شيئاً هيناً, فإن نابليون(وهو مارد الحروب وقائد المعارك) كان نائماً مرة في الميدان, فهجم العدو هجوماً مفاجئاً فأيقظوه, فقام مرعوباً وقال:ما هذا؟ قالوا العدو. قال: أرعبتموني, حسبت أني دُعيت للامتحان.
أما مضاره الخلقية فإننا حين نكلف الطالب بما لا يقدر عليه أستاذة ولا يستطيعه العلماء من الحفظ نضطره إلى التزوير والسرقة والنقل. ثم أن التلميذ يهمل دروسه السنة كلها ويشتغل بالحفظ شهراً واحداً, يعلق المعلومات في ذاكرته تعليقاً, فإذا انتهى الامتحان طرحها منها فنسيها فكأنه ما عرفها.
أما مضاره العقلية فهي أن العلم يتلخص في أمرين: معرفة المراجع, والقدرة على الاستفادة منها. فخبروني: من يحفظ كتاباً واحداً في التاريخ يكون أقرب إلى حقيقة العلم وأقدر على البحث أم الذي لا يحفظه ولكن يعرف عشرين مرجعاً في التاريخ؟
كلما جاء حزيران من كل سنة كانت هذه الهزة التي تحس بها كل دار في البلد, هزة الامتحان. لا يشتغل بها الطلاب فقط, بل الطلاب والآباء والأمهات كلهم يحمل الهم وكلهم يرقب النتائج.
تضطرب أوقات اليقظة والمنام, والشراب والطعام, وإن كانت الأسرة على عزم الاصطياف تأخرت من أجل الامتحان, وإن سقط التلميذ كانت النكبة في الدار.
فلماذا لا نتخلص من هذا كله؟ لقد بحث المربون في أمر الخلاص من الامتحان, وعندنا-بحمد الله- كثير من الأساتذة المربين والنفسين الباحثين, فليفكروا في أسلوب آخر لمعرفة كفايات الطلاب, أسلوب يكشف عن قوة الشخصية في الطالب, وعن ملكته العلمية, وعن قدرته على البحث. أما الامتحان فليس فيه إلا اختبار الذاكرة, وفي هذا الاختبار ما علمتم من المساوئ والأضرار) ش.أ/علي الطنطاوي-رحمه الله
وقد كنت أفكر في هذا الموضوع منذ زمن وكنت أود أن أرسل مثل هذه الرسالة ولكنكم تعرفون أن التسويف من أعظم جنود أبليس ولكني عندما قرأت مقالة الشيخ الأستاذ/علي الطنطاوي(هذه الامتحانات) في كتابه فصول اجتماعية عزمت على إرسال هذه الرسالة حيث أني وجدت المادة جاهزة وليس هناك مجال للتسويف.
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
مع تحيات
أول مشاركة من إعصار 
 
فهل لي بشخصٍ يوصل هذه الرسالة للمسؤلين!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى