هدى المنصور… بأي ذنب أقصيت؟
د. عبدالله الفوزان*
لا خير فينا إن لم ننصف المخلصين والمخلصات من أبناء وبنات هذا الوطن, فهذا هو ديدن المجتمعات الراقية في أخلاقها وحضارتها. والدكتورة هدى بنت عبدالرحمن المنصور تمثل نموذجا رائعا للمرأة السعودية في خدمة مجتمعها من خلال كفاحها المستمر ووقوفها الدائم إلى جانب المصابين بأمراض الدم الوراثية وجهودها التوعوية الكثيرة للحيلولة دون إصابة المزيد من أبناء وبنات هذا الوطن بتلك الأمراض ومطالباتها الملحة والمستمرة باتخاذ قرار رسمي يلزم أفراد المجتمع بالفحص الطبي قبل الزواج كإجراء وقائي واحترازي يضمن بإذن الله الحد من انتشار الاصابة بهذه الأمراض الفتاكة والمؤلمة والمكلفة.
نعم لقد أخلصت هدى المنصور لهذه القضية فكانت قريبة إلى من ابتلاهم الله بتلك الأمراض وظلت وما زالت تقدم لهم ولذويهم الدعم الطبي والمادي والمعنوي وفق قدراتها وامكاناتها فأحبوها وأحبتهم. كما أنها لم تترك مناسبة يمكنها من خلالها إثارة قضية الأمراض الوراثية إلا وكانت سباقة إلى المشاركة فيها. فالاعلام المقروء والمرئي والمسموع مليء بحواراتها ومقالاتها ودراساتها عن أمراض الدم الوراثية. والمؤتمرات المحلية والعربية والعالمية حول هذا المجال خير شاهد على جهودها في مكافحة أمراض الدم الوراثية والتوعية بخطورتها وأضرارها على الفرد والأسرة والمجتمع. وما من إعلامي أو سياسي أو فقيه أو طبيب أو اجتماعي أو نفساني له تأثيره في المجتمع إلا وحاولت الاتصال به لدعم موقفها الداعي إلى دعم نشر الوعي بهذه الأمراض والضغط على صانع القرار لتبني قرار رسمي يجعل من الفحص الطبي مسألة إلزامية.
وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه اتخاذ قرار لتكريم الدكتورة هدى بنت عبدالرحمن المنصور مديرة مشروع مكافحة أمراض الدم الوراثية على جهودها المخلصة والحثيثة في هذا المجال فإذا بالمفاجأة غير السارة وغير المتوقعة التي صدمتني وصدمت الآلاف غيري هي أن القرار الذي تم اتخاذه تمثل في إقصائها عن موقعها كمديرة للمشروع وهي التي أفنت عمرها في نشر الوعي بأمراض الدم الوراثية وما ينجم عنها من آلام وأحزان وخسائر نفسية واجتماعية ومادية.
بالفعل إنه لأمر محير فعلا … هدى المنصور التي كانت وما زالت تشكل مثالا رائعا للمرأة السعودية في تفانيها لخدمة ضحايا أمراض الدم الوراثية وإيصال صوتهم إلى المسؤولين فلم تترك مجالا طبيا أو اعلاميا أو أكاديميا أو شرعيا إلا وطرقته بحثا عن دعم ومساندة لفكرتها الأساسية المتمثلة في الفحص الطبي قبل الزواج باعتبار أن ذلك هو السبيل العملي الوحيد للحيلولة دون مزيد من انتشار تلك الأمراض في مجتمعنا وما ينجم عن هذا الانتشار من ويلات على المصاب وأسرته ومجتمعه … لم تجد من المسؤولين بعد كل هذه الجهود من مكافأة إلا فصلها من عملها كمديرة لمشروع مكافحة أمراض الدم الوراثية.
شيء محزن بالفعل أن نفقد هدى المنصور وهي التي ظلت تقوم بدور تنويري هام قد يكون أزعج بعض المسؤولين لما ينطوي عليه هذا الدور من كشف للحقائق ولكن عزاءنا وعزاء كافة المواطنين في غياب هدى المنصور عن موقع المسؤولية أن جهودها أثمرت أخيرا في تبني مجلس الوزراء الموقر لقرار إلزام المقبلين على الزواج بالفحص الطبي وهو ما يمثل غاية ما تطمح إليه هدى المنصور طيلة عملها … فيالها من مكافأة يادكتورة هدى لأن العبرة بالنتائج … أما أنت فسوف تبقين في وجدان كل مواطن مخلص وغيور على هذا الوطن وأهله … لكننا في الوقت نفسه نكرر السؤال للمسؤولين بوزارة الصحة فنقول: بأي ذنب أقصيت هدى المنصور من موقعها? هل من إجابة? نأمل ذلك والا فسيظل الأمر مدعاة إلى الشعور بالاحباط وخيبة الأمل لكل المخلصين والمخلصات من أبناء وبنات الوطن وهذا مالا نتمنى حدوثه … هذا وللجميع أطيب تحياتي … ومن العايدين … وكل عام وأنتم بخير.
*جامعة الملك سعود- كلية الآداب- قسم علم الاجتماع- ص.ب 2456
المصدر : جريدة عكاظ السعودية