هاجرت العقول والكفاءات المؤهلة حيث انتقل 15 ألف طبيب عربي الى أوروبا بين عامي 1998 و2000 وبات حلم الشباب العربي الأول الهجرة.؟؟؟؟!!!!!
ارقام مفجعة جدا جدا
تقرير "التنمية العربية" ثانيةً… دفع النقد والحوار الى عتبة جديدة
نيويورك – راغدة درغام
مرة اخرى، يصدر برنامج الأمم المتحدة الانمائي والصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي تقريراً مثيراً للجدل ينطوي على حوافز عدة للتفكير العميق في حال المنطقة العربية ومستقبلها. هذه المرة ايضاً سيهرول المعارضون للنقد الذاتي الى لوم التقرير الذي أعده عرب، على نشر الغسيل العربي في زمن يتعرض له العرب لحملات مسيئة ومشوهة.
سيستغل الاعتذاريون لاسرائيل والمتطرفون من الصقور الاميركيين فحوى التقرير لتحقير العرب متناسين ما فيه من تحميل الاحتلال مسؤوليات ومن نقد لاذع لاستغلالات وتجاوزات تحت راية "الحرب على الارهاب" اميركية وعربية واسرائيلية. اهمية التقرير انه يجرؤ على مناقشة المحرمات بما فيها العلاقة بين الدين والسلطة وبين الدين والتوظيف المغرض له. يجرؤ على تحدي نواقص النخبة وعلى ابلاغ الولايات المتحدة بأنها ماضية في أوهام القفز على الحقوق والتطلعات اذا ظنت ان الحرب على الارهاب ستمرر احتلالات تقوم بها أو ترعاها. مرة اخرى، ان التقرير بعنوان "نحو اقامة مجتمع المعرفة" قراءة ضرورية من اجل الكف عن الاختباء وراء اسلوب المهاترات والمزايدات والتجاوزات.
يطرح تقرير التنمية الانسانية العربية "رؤية استراتيجية" تنتظم حول أركان خمسة لمجتمع "المعرفة".
في الركن الخامس تحت عنوان "تأسيس نموذج معرفي عربي أصيل، منفتح ومستنير" يوصي التقرير بخمسة توجهات رئيسية. أولها: "العودة الى صحيح الدين وتحريره من التوظيف المغرض، وحفز الاجتهاد وتكريمه". وجاء في التوجيه ان من السبل لذلك "العودة الى الرؤية الانسانية الحضارية والاخلاقية لمقاصد الدين الصحيحة، واستعادة المؤسسات الدينية لاستقلالها عن السلطات السياسية وعن الحكومات والدول وعن الحركات الدينية – السياسية الراديكالية، والإقرار بالحرية الفكرية وتفعيل فقه الاجتهاد وصون حق الاختلاف في العقائد والمذاهب".
صحيح الدين يتطلب اصلاح وتصليح ما تعرض له من استغلالات وما تجاهله من ايضاحات. فموجة التعريض والتحريض والتشهير بالدين الاسلامي بعد ارهاب 11 ايلول (سبتمبر) تنم عن "جهل عميق في كثير من الأحيان وافتراء صريح في احيان أخرى" كما جاء في التقرير.
انما هذا لا ينفي الحاجة الضرورية الى الاعتراف بأن الانكباب على تقنين "المعرفة" في تفسير قاصر للدين حصراً أدى الى تخدير الفضول والسعي للمعرفة، كما أدى الى الاستكانة للإملاء بدلاً من التساؤل الضروري من اجل تنمية المعرفة والبلاد.
يضاف الى ذلك، "تحالف بعض انظمة الحكم القهرية مع فئة من علماء الدين الاسلامي المحافظين على تأويلات للسلام، خادمة للحكم، ولكن مناوئة للتنمية الانسانية، خصوصاً في ما يتصل بحرية الفكر والاجتهاد ومساءلة الناس للحكم ومشاركة النساء في الحياة العامة". كما جاء في تقرير المعرفة.
صحيح الدين، يذكر التقرير، يحض على "ارتياد العلم واقامة مجتمعات المعرفة".
ما حدث في البقعة العربية اخيراً هو تعمد السلطة إزالة مجتمعات المعرفة ليكون الخضوع أداة للاخضاع.
لذلك، لا مناص من الاعتراف بأن استخدام الدين لغايات سلطوية اساء للدين، وان صحيح الدين يتطلب اصلاحه بما يتجاوب مع حاجة المجتمعات العربية والمسلمة الى المعرفة والى المساءلة والى الفضول الصحي والتنمية الضرورية والملحة.
وما يوصي به تقرير التنمية الانسانية العربية الثاني الذي اشرفت عليه الدكتورة ريما خلف الهنيدي، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة هو اقامة مجال معرفي يجري فيه انتاج المعرفة بمنأى عن الإرغام السياسي. يقول ان انتاج المعرفة في البلدان العربية "يتسم بالتجزؤ والتبعثر، ويتعرض للاستغلال السياسي والتهميش". يقول ان السلطة في العالم العربي "تضع خطوطاً حمراً" تؤدي الى فساد البحث العلمي والعبث فيه أو الى تدمير المعرفة نفسها.
اللوم وا ضح للسلطة في البقعة العربية، انما اللوم لا يقتصر عليها. فقد نجحت السلطات السياسية في استدراج الأكاديميين والمفكرين واستيعابهم "بقصر الانتفاع بما ينتجونه من اعمال لاضفاء الشرعية على النظام السياسي القائم".
مراكز الفكر الاستراتيجي والدراسات الاستراتيجية في العالم الغربي تقوم بأبحاث إما لدعم النظريات الحكومية أو تحديها. في العالم العربي، تعتبر اكثرية هذه المراكز ملحقاً للانظمة والحكومات، بلا استقلالية ولا ابداع.
مسؤولية المثقفين العرب هي "النهوض بدور فاعل ونشط في وضع الأساس لبناء المجتمعات الديموقراطية وفي رسم الحدود لصلاحيات السلطة السياسية". وهذا ما يناشد به التقرير لأنه غائب في ساحة اكثرية المثقفين العرب.
انما ليست هناك قوانين تحمي المبدعين والمثقفين الاعلاميين المستعدين للاستقلالية، ولا "ثقافة قانونية وسياسية قادرة على توجيه مسارات الممارسة السياسية العملية وترشيدها".
هناك رغبة جامحة في الهجرة والهرب. تقلصت الطبقة الوسطى تحت وطأة الخوف والفقر، وتوازى توزيع السلطة مع توزيع الثروة، وتمت التضحية بالعدالة الاجتماعية، وساد الفساد الاجتماعي والاخلاقي، وغابت النزاهة والمسؤولية.
" ضعفت القيمة الاجتماعية للعالم والمتعلم والمثقف ، وباتت القيمة الاجتماعية العليا للثراء والمال – بغض النظر عن الوسائل المؤدية اليهما. وحلت الملكية والامتلاك محل المعرفة والعلم، كما يقول التقرير. بكلام آخر، ان الفساد محترم في بلاد دفنت القيم.
هاجرت العقول والكفاءات المؤهلة حيث انتقل 15 ألف طبيب عربي الى أوروبا بين عامي 1998 و2000 وبات حلم الشباب العربي الأول الهجرة.
وهم ثراء البلدان العربية مجرد وهم، اذ أن مجمل الناتج الاقتصادي المحلي العربي في نهاية القرن العشرين، حوالى 604 بلايين دولار، يتعدى بالكاد ناتج دولة أوروبية واحدة مثل اسبانيا، حسب التقرير. اما الناتج القومي الاجمالي للفرد من قوة العمل "فإنه يقل في البلدان العربية عن نصف مستواه في دولتين ناهضتين في العالم الثالث هما كوريا الجنوبية والارجنتين".
سر المعجزة الآسيوية يكمن في التركيز على التعليم والتربية، و"النمور الآسيوية" أفلحت في "تضييق الفجوة" التي تفصلها عن الدول المتطورة، فيما "اتسعت الهوة" بين البلدان العربية وهذه الدول خلال الفترة ذاتها. حتى اللغة العربية هي في انقراض، والتقرير يوصي "بإصلاح لغوي شامل" كما يؤكد ان من "الضروري ان يتعلم الشباب العرب التفكير النقدي بلغتهم الأم".
هناك 270 مليون عربي، والكتاب العربي الذي تباع منه 5 آلاف نسخة يدخل في باب الكتب الأكثر رواجاً. وحسب التقرير انتجت البلدان العربية مجتمعة 5600 كتاب في العام 1991 مقابل 102 ألف كتاب في اميركا الشمالية. ويوجد أقل من 18 حاسوباً لكل 1000 شخص.
وعلى رغم انتشار الفضائيات فإن نشرات الاخبار "قلما تحمل المعلومات التي تهم غالبية الناس وتثري مخزون المعرفة العلمية النافعة لديهم. اما الاخبار عن جوانب معينة في الحياة السياسية العربية، أو في المجتمع أو الدين، فلا يتم الاعلان عنها في اغلب الأحوال".
حتى الحرب على الارهاب التي تنطوي على تجاوزات اميركية للحقوق المدنية والحريات باتت مبرراً واهياً للسلطة في بعض الدول العربية للغلو في كبح الحريات والانقضاض على الحرية. وهذا "من أوخم العواقب" كما يقول التقرير التي اسفرت عنها "الحرب على الارهاب". فهذه البلدان "وجدت مبرراً آخر لسن قوانين جديدة حدّت من الحريات المدنية والسياسية"، يقول التقرير، وتبنت الدول العربية مجتمعة تعبيراً مؤسساتياً في "الميثاق العربي لمكافحة الارهاب"، وتعريفاً فتح الباب "لإساءة الاستخدام" لكبح الحريات.
كل هذا تحت ذريعة الاعتبارات الأمنية وبعذر كون الولايات المتحدة سباقة الى التنكر لحقوق الانسان. وللتأكيد، فإن التقرير لا يتجاهل التجاوزات الاميركية، لا من جهة التحديات الخارجية الخطيرة التي طرحتها الحرب على الارهاب أمام التنمية العربية، على نسق المضايقات للعرب في الخارج، أو على نسق ما أدت اليه الحرب على العراق من تحد جديد "لا يمكن الخروج منه الا بتمكن الشعب العراقي من حقوقه الاساسية وفق الشرعية الدولية بالتحرر من الاحتلال واستعادة ثرواته".
ويدين التقرير اعادة احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية "مخلفة وراءها أهوالاً من الخراب المادي والضحايا البشرية والمؤسسة، مرتكبة بذلك، ما وصف بجرائم حرب في رأي منظمات حقوقية غربية".
لكن همّ التقرير الذي كتبه باحثون عرب من أجل التنمية العربية ليس اجترار أسباب المآسي المقبلة من الخارج وانما التدقيق في وهن الداخل العربي من اجل استدراك الغوص الى الحضيض.
لذلك يحذر التقرير من النزوع الى المبالغة في تأثير التحديات الاقليمية والعالمية على التنمية العربية" اذ ان هذا الموقف قد يكون اسلوباً للتنصل والاستكانة. ذلك ان "التذرع بالعوامل الخارجية يفضي الى التهاون في واجب التطوير الذاتي العربي". حتى مخاطر الاحتلال الاسرائيلي يجب ألا تتخذ "ذريعة للإبطاء في الاصلاح السياسي والاقتصادي".
ويتقدم التقرير بتوصيات محددة لإبراز العلاقة المباشرة بين اكتساب المعرفة والتنمية، مؤكداً ان في مواجهة مخاطر اعادة تشكيل المنطقة العربية من الخارج، تطمح سلسلة "تقرير التنمية الانسانية في البلدان العربية" الى "حفز رؤية استراتيجية تبلورها النخب العربية، عبر عملية ابداع مجتمعي وطنية، تتوخى اعادة تشكيل المنطقة من الداخل خدمة للتقدم الانساني فيها". ذلك ان "الاصلاح من الداخل المتأسس على نقد رصين للذات، هو البديل الصحيح لمواجهة هذه المخاطر".
بيدنا أو بيد عمرو… "التقرير وفريقه يخوضون الحوار ويدفعون به الى عتبة جديدة. فأهلاً بالمساهمة القيمة والشجاعة، ولنمض في النقاش بأفكار عملية والمعرفة".
تعليق