تعلم فن التحطيم
كان يتحدث عن تجربته في تربية الأبناء وإدارة الموظفين والتعامل معهم وانطلق يصف طريقته الاحترافية والعبقرية في إدارة الناس وسياسة الجموع وتوجيه البشر وتسيير العمل , وتفاجئ الحضور بتلك الألفاظ التي تستخدم في وصف التجربة فهي تنُم عن إيمان منقطع النظير بالقسوة والعنف والقمع حتى النخاع وأن الناس لا يتحركون إلا تحت ضغط الرهبة والخوف والترهيب ولسان حالة يقول تعلم فن التحطيم !!
لكن الطريف في الأمر أن صاحبنا يحاول أن يروج لهذه المبادئ على أنها من أساسيات الإدارة الحديثة والتربية النموذجية وفنون العلاقات العامة والمريب والغريب في الأمر أن هذا الرجل شخصيه غير محبوبة في محيطها الأسري والعائلي ولا العملي وينفر منه الناس كما تنفر الشاة من الذئب لكنه آخر من يعلم بهذه الحقيقة المُرة !!
ما أسوء أن يضحك الإنسان على نفسه حيث تجره تصرفاته وأفكاره وممارساته إلى أن يخسر أكثر مما يربح بكثير وثم يحاول أن يسوق تجاربه البالية على الناس لكن البيئة المحيطة أحيانا تزرع ذلك العنف في الانفس وتجعله عنوان الحياة الاوحد وقد لا يعجب البعض منا أن التوجيه الإسلامي بهذا الخصوص مخالف لكل هذا السائد في بعض المجتمعات التي تسيطر عليها ثقافة العنف والتحطيم والقسوة ويغيب عنها الاحسان في القول والعمل والتعامل مع الناس بالمعروف ورقي إنساني جالب للخير والسلام والمصلحة المشتركة للناس أجمعين , فالنفس البشرية تنجذب للحديث الطيب وتطرب للاحترام والتقدير وتُحلق مع التحفيز والتشجيع وهذا يجعلها تُعطي أكثر وتتألق في كل ميدان .
يعاني البعض من قصر لفهم التشريع السماوي والذي توقف عندهم على عتبات الطقوس اليومية للعبادة فقط , ولم يصلوا إلى الفهم العميق المفضي إلى أن الإسلام منهج حياة ودستور عمل وميزان علاقات ومعاملات وأنه دين القسط الذي لا يرضى الظلم ولا التعدي لا للقريب ولا للبعيد .
لا زلت أذكر بعض المواقف التي وقع فيها بعض الصبية في بعض الأعراس أو المناسبات العامة فعندما يحمل ذلك الصحن المليء بأكواب الشاي ثم يسقط منه ما يسقط تجده يقابل بوابل من التحطيم والتقزيم
وربما الشتائم التي لا تتناسب مع جهده واجتهاده فالخطأ وارد في كل مكان والخطأ الغير مقصود مبرر ومفهوم فجل من لا يخطأ , لكن لا نفهم هذه الرغبة الجامحة عند البعض للنيل من الآخرين وتحقيرهم ووصفهم بأسواء الأوصاف رغم أنهم قد يكونوا من فلذات أكبادهم أو اعز الناس عليهم والأصل مع هؤلاء أو غيرهم هو البر والإحسان والتودد ومع غيرهم ولاشك , فمعالجة الأخطاء تحتاج إلى حكمة وروية وضبط للنفس فوابل التحطيم هذا له من التبعات المستقبلية الشيء الكثير حيث التأثير الكبير على الثقة بالنفس وزرع العقد النفسية والاضطرابات السلوكية وانتاج جيل مرتبك وضعيف لا يقوى على تحمل المسؤولية بل تجده تائها بين التردد والخوف وضعف الانتاجية التي سوف ترافق هذا الإنسان رجلاً كان أو امرأة طوال حياته وربما احتاج للعلاج منها في مراحل متقدمة لأنه سوف تؤثر على حياته وعمله وعلاقاته بشكل سلبي وسوف تعيق من تحركه كثيراً فكيف نتسبب لمن نحب بهذا الضرر ثم نطالبهم في المستقبل بالكثير من التميز ونحن من قمعناهم في الصغر !!
كيف نترجم حُبنا لمن حولنا بالمزيد من الاحسان والحُب والتودد ومعالجة الكثير من الأخطاء بالحوار والتوجيه والرفق بكل مخطئ لأننا يوماً ما كنا نحن أصحاب الخطأ , فلا نطالب الناس بما لم نحققه نحن فالخطأ جبلة في الإنسان ومن لا يعمل لا يُخطأ !!
وهذا لا يعني غياب العقاب أو الحزم إن لزم الأمر لكن في حالات ضيقة من غير احداث اضرار خطيرة ومستقبلية فالحزم لا يعني العنف والقهر والظلم والتحطيم أو الضرب بل هو وقفة جادة أمام الأخطاء المتعمدة والمقصودة وعلاجها بجدية وهدوء وحرص ومتابعه وصبر طويل ودراسة للأسباب فالتغيير نحو الأفضل قد يحتاج إلى وقت وأيضاً إلى تحفيز وتشجيع وغالب الناس يتم كسبهم إلى الصف عبر احترام انسانيتهم وتقدير كيانهم وسوف ترى امامك شخصيات في قمة التعاون والقرب وسوف تُخرج منها أفضل الاعمال والاقوال ولكن بالمعروف والاحسان وليس بالإرهاب والضغط والوصاية التي تسلب من الانسان كرامته.
إن الصوت العالي والكلمات النارية لن تصنع الفرق ميادين التربية أو الادارة أو العلاقات والتعامل مع من حولنا بل التعامل الراقي والقائم على الاحترام المتبادل فنحن أمام إحصائيات خطيرة عن اشكاليات الرهاب الاجتماعي المنتشرة
والتي تتفشى عند شريحة المراهقين وهو نتاج البيئة القاسية والعنيفة والحدية حيث تؤكد الدراسات أن أكثر من 80% ممن لديهم رهاب اجتماعي يكون لديهم أمراض نفسية مصاحبة مثل المخاوف أو القلق أو الاكتئاب وأن 19% منهم يتعاطون الكحول وجزء منهم يكون لديه تعثر دراسي وربما وظيفي أيضاً , وهذا واقع يحتاج منا مراجعة لأساليب التعامل والتعاطي مع الآخرين فكيف نريد من أبنائنا أن يكونوا مبدعين وقادة وكل من يعمل تحت إدارتنا منتجين وفاعلين وعلاقتنا الزوجية والعائلية مستقرة والبعض منا يقدم الإساءة على الاحسان والكُره على الحُب و العنف على الحكمة والقهر على الصبر والعصا على الحوار والحدة على اللباقة .
وهذا ميزان كلما تعدلت كفتاه كلما حصلنا على ما نريد بأرقى الأساليب وأجمل الصور وهنا لا ننسى أن نعي أن الخسائر كبيرة من هذا العنف والتسلط حيث البغضاء والصراع والتناحر و التعاسة لمن نحُب فرفقاً بكل من حولك وراجع قاموسك وكلماتك فهل أنت من هواة التحطيم أو من أساتذة التحفيز ؟؟
تأصيل
قال تعالى : (( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْـزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ))
محبرة الحكيم
لا نريد أبً يذهب بابنه إلى المدرسة ليقول لهم بكل حماس : لكم اللحم ولنا العظم !!
فهو لم يذهب بذبيحة إلى المسلخ بل ذهب بفلذة كبده إلى واحة من واحات الإيمان و العلم والأخلاق ..
محبكم : سلطان العثيم
أسعد بالتواصل معكم