الثلاثاء الماضي 7 رمضان 1423، 12 نوفمبر 2002 كان إقلاع طائرة الخطوط الجوية السعودية إلى جدة الساعة الثالثة والنصف عصرا من مطار الكويت، دخلت قاعة استراحة الضيوف وإذا بالمطرب (الفنان) عبد المجيد عبد الله يجلس في إحدى الزوايا وحيدا بدشداشته البيضاء وغترته الحمراء «الشماغ» ونظارته السوداء وسماعة الهاتف النقال على أذنيه، توجهت إليه اقتربت منه أنهى مكالمته واستقبلني بالترحاب واقفا وبعد تبادل السلام والتبريكات بحلول شهر الصيام دارت الدردشة السريعة قبل صعود الطائرة, المسافرون يستغربون من جلوس فنان بجوار إنسان مصنف دينيا، ويوزعون علينا ابتسامات لها إيحاءات والله اعلم بما في النفوس!
فكان مما قلت له: هل حددت تاريخا زمنيا للتوقف عن مشوارك الغنائي؟ أجاب: نعم، قلت من المؤكد أن هذا الموعد بعيد، فرد سريعا بل قريب، قلت: بصراحة أنا أتمنى أن يكون اقرب فهو أريح لك ولنا, سألني عن أحكام الفن في الإسلام وسألته عن أوضاع الفن في الواقع, وهل هو راض عما يصنعه المغنون والمغنيات؟ وبينت إني لا اطلب فتوى ولكني أريد رأيه من زاوية فنية, فقال: أن أغاني الفيديو كليب مسخرة ما بعدها مسخرة, وسألني: هل رأيت الأغنية الأخيرة للمطرب (,,,)؟ فقلت ما شفتها وان شاء الله ما أشوفها, قال: والله مسخرة وعار وأمر مخجل, سألته أن كان يسمح لي أن انقل رأيه مكتوبا في أغنية هذا المطرب المفسد مع جواريه الغانيات, قال: لا تذكر اسمه فأنت تعرف السبب, وجاء موعد ركوب الطائرة افترقنا امتلأت الطائرة لم يبق مكان خال إلا الكرسي الذي بجواري الملاصق للنافذة فدخل عبد المجيد عبد الله وإذا بقدري أن يكون في المقعد المجاور لي فقال بعض الجالسين عندك إياه يا أبو احمد واحد المحرمين في الخلف، قال: فرصتك هالله هالله فيه، يقولون هذه العبارات بلطف وان كانت محرجة لي وللفنان، التفت المطرب على الناس وقال: يا جماعة راح نتوب، راح نتوب، الله يتوب علينا جميعا قلت آمين.
بعد الإقلاع اخرج من شنطته مصحفا جميلا غريب الغلاف حيث كان مذهبا قلت له: من أين اشتريت هذا المصحف؟ قال: هدية من أحد السادة آل البيت الكرام, تناولت المصحف قلبته وإذا بالمهدي كتب في إهدائه للمطرب «لا إله إلا الله، اسأل الله أن يحفظك، ويحميك ويسعدك ويغنيك ويطيل بعمرك» قلت دعوة طيبة أرأيت كم يحب الناس لك الخير؟ استلم مصحفه وبدأ يقرأ القرآن وإذا به يفتح على الجزء التاسع والعشرين على «سورة المعارج» قلت له لم يبق لك إلا جزء واحد وتختم المصحف، قال نعم، قلت ما شاء الله، خلال الأسبوع الأول من رمضان تختم، قال: يا أخ محمد رمضان شهر القرآن، وأنا أتفرغ في هذا الشهر لكتاب الله، واختمه اكثر من مرة، قلت له: أنت اقتربت من ختمه وأنا ما أزال في الأجزاء الأولى، وقد نسيت مصحفي فهل تتكرم فتعطيني مصحفك لأقرأ فيه؟ قال بكل سرور واخذ «الملا» يقرأ في مصحف «المطرب», قبل هبوط الطائرة اشترى قلمين أهداهما لي، قلت له هل تصدق أن أول مقال صحافي كتبته في جريدة «الرأي العام» قبل 7 سنوات كان عنوانه «أنت بشر غير عادي» ].
بقلم / محمد العوضي – 13 رمضان 1423هـ