عندما , بسط الله هذه الأرض , وأرسى فيها الجبال,وفجر خلالها المحيطات والبحار والأنهار , وبث فيها من كل المخلوقات على إختلاف أنواعها واحجامها , لم يرتضي من مخلوقاته غير جنسٍ واحد , لإعمارها , وأمره بذلك ! إنه الإنسان ! مأختار الله هذا المخلوق إلا لعلمه أنه سيعمرها , لكن مالذي يميز هذا المخلوق ليقوم بتلك المهمه دون سواه من المخلوقات؟
فالإنسان لا يطير , والباعوضة التي لا تكاد أن ترى تطير .
والإنسان ليس سباحاً ولا عواماً ,والسمك على اختلاف أحجامه وألوانه يسبح ويغوص إلى أعماق البحار .
والإنسان لا يجيد الحفر , والنمل الصغير الحقير يبني تحت الأرض مستعمرات وانفاق يعجز الإنسان عن محاكاتها.
والإنسان ليس سريعاً , فالقطط والأرانب تسبقه بسهولة .
والإنسان لا يملك قوة جسمانية , والفيلة تمتلك من القوة مايجعلها تقتلع الأشجار بسهولة .
والإنسان لا يدرك ويتواصل إلا مع محيطه القريب , والحيتان في أعماق البحار تتواصل لا سلكيا على بعد مئات الأميال مع بعضها البعض .
والإنسان لا يرى في الليل البهيم ولو رفعه أصبعه أمامه : والخفافيش تتجاوز بكل مرونة أثناء طيرانها ليلا العوائق من أشجار وجبال ومنازل .
والإنسان لا يستطيع على الدوام تحديد اتجاهاته , والطيور المهاجرة تمتلك بوصلة في أدمغتها , تشعر بها بدوران الأرض ومجاله المغناطيسي , وعليه تحدد أين ستذهب .
والإنسان عرياناً لا يغطي جسمه لا شعر ولا وبر بل جلد رقيق تؤثر فيها قرصة النملة : وأغلب الكائنات تمتلك غطاءٍ يحميها مابين وبر وشعر وجلدٍ سميك .
والإنسان لا يمتلك أنياب ومخالب , ليدافع عن نفسه ويضمن بقائه: والسباع من الأسد القوي إلى القط الضعيف , لديها ماتذود بها عن نفسها .
والإنسان مناعته ضعيفة , حتى الزكام يؤثر فيه : وكل المخلوقات , نادراً ماتمرض , وإذا مرضت تعافتـ بفضل الله الذي جعلها تمتلك نظاماً مناعياً قوياً يمكنها من البقاء .
والإنسان لا يصبر عن الماء والطعام ليوم أو يومين : وبعض الكائنات تخزن الماء والطعام في أجسامها وتستعمله كمخزون حين تحتاجـه .
إذن مالميزة في هذا الإنسان ؟ لا يطير ولا يحفر ولا يسبح ؟ يضيع بسهولة!إذا مر يوم دون ماء وطعام هلك!,يقرصه البرد الخفيف , ويذيبه الحر ,يمرض بسرعة, ويتعافى ببطء , ليس هنالك مايؤهله للبقاء أصلاً حتى يعمر الأرض !!
صحيح أن معه عقل , لكن هل العقل وحده يكفي ؟ ولو كان يكفي ! لما لم تعمر الجن الأرض وهم قد سبقونا في سكناها ؟؟ مع أن لهم عقول !! ودليل ذلك أن التكليف على الثقلين الإنس والجن والتكليف لا يكون إلا لعاقل .فهل استفادو من عقولهم في إعمار الأرض شيئاً ؟بل سعوا في خرابها وأفسدوا فيها ! بدليل قول الله تعالى ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ))
وعن هذه الآيه الكريمة قال العلماء , الجن قد سبقوا الإنس في الأرض بألف سنة , لكنهم أفسدوا فيها , وسفكوا دماء بعضهم , فأرسل الله عليهم الملائكة , فقتلتهم وطردت بعضهم إلى جزر البحر .
فالجن ليست لها عقول فحسب بل لديها قدرات هائلة , فهي تطير حتى تصل عنان السماء , وتغوص في الأرض وتستخرج كنوزها , وتطوي الأرض بسرعة , ولديهم من المعجزات مانجهلـه ويعلمه الله , ولم تؤهلهم تلك المميزات ليكونوا عماراً للأرض .
لقد اتعبتكم بتساؤلي ! لكنه ظل يتردد علي لسنوات , مع علمي المسبق بوجود حكمه في إختيار الإنسان , لكن فهمي القاصر دون علمه وحكمه حال دون ذلك , إلى أن وجدت الجواب , في لحظة تأمل .
ميزة الإنسان التي جعلت منه , المكلف بإعمار الأرض دون سواه , هي أنه بعقل لكن دون قدرات .
فاحتياجاته الدائمة , تجبر عقله على إيجاد الحلول !!
فالإنسان لا يطير , لكن اخترع الطائرة كي تنقله ويقطع بيداء الأرض كيفما يريد .
والإنسان لا يتحرك بسرعة ويصل متأخراً , لذا اخترع السيارة وعبد الطرق وبنى الجسور.
والإنسان لا يسبح ولا يغوص , لكنه بنى السفن والغواصات .
والإنسان لا يجيد الحفر , لكنه اخترع آلات الحفر , فحفر الآبار , وشيد المباني .
والإنسان لا يملك قوة جسمانية , لكنه اخترع الرافعات والونشات والبلدوزرات .
والإنسان لا يتواصل مع من يغيب عنه لبعده , لكنه اخترع وسائل الاتصالات من هواتف نقالة وانترنت وتلفاز .
والإنسان لا يرى في الليل البهيم , لكن اخترع الكهرباء وأنار لياليه المظلمة حتى غدت نهاراً .
والإنسان يضيع اتجاهاتـه , لكنه أخترع البوصلة قديما وحديثا أجهزة تحديد المواقع .
والإنسان بأصله عرياناً , لكنه نسج الحرير والقطن والصوف , وخاط منه أجمل الأزياء , وجعل للصيف لباساً يكون برداً عليه , وفي الشتاء لباساً يكون دافئاً عليه .
والإنسان لا يملك كالسباع مايذود به عن نفسه , لكنه اخترع السيف والبندقيـة ومختلف الأسلحة .
والإنسان يمرض بسرعة , لذا استخرج الدواء من الأعشاب ومن سموم الأفاعي , وبنى المستشفيات .
ولو امتلكنا قدرة الجن مع عقولنا , لعشنا في سفوح الجبال وتحت المحيطات وبين السحاب ولما اجتمعنا في مكان واحد , لأن كل فرداً منا , قد استغنى عن الآخر وعاش بقدراته , ولأننا في حاجة بعضنا البعض , بنينا القرى والمدن والدول وطورنا كل ماحولنا بما يعوض نقص قدراتنا , وبهذا وذاك عمرت الأرض .
فسبحان الله أحاط علمه وحكمه كل شيء وصدق سبحانه حينما قال للملائكة ((قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )) .
تابع جديد رسائل المجموعة على تويتر