قبل عدة ايام اجرت صحيفة صنداي تايمز مقابلة مع الدكتور روان وليامز رئيس اساقفة كانتربري الذي عبر عن رفضه الشديد للتعاطي الغربي مع الملف الاسلامي بقوله: «اذا اردنا ان نقنع المسلمين المعتدلين بتبني قيم التسامح والتعددية .
فإن اي شيء يعطي الانطباع باننا نستهدف المسلمين سيجلب مشاكل» واضاف: «اننا نملك أرضية واسعة نستطيع ان نبني عليها» وكان زعيم الكنيسة الانجليكانية قد وصف التشريع الفرنسي المقترح بحظر الحجاب في المدارس الحكومية بأنه «استفزازي جدا ومدمر جداً».
مؤكدا ان احترام الخصوصية هو الدليل الوحيد على الفكر المتحضر، والفهم العميق لاهمية استيعاب الخلاف ليتسنى البناء وفق الاسس المشتركة والثوابت التي تجمع بين الاديان.
يذكر ان الدكتور وليامز الذي تم تنصيبه رئيسا لأساقفة كانتربري في فبراير 2003 كان صريحا في معارضة غزو العراق، وقد حذر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الاميركي جورج بوش من استخدام اللغة ذات الطابع الديني في تبرير غزوهما للعراق في مارس 2003. ومما نقل عنه قوله:
«ليست هناك حرب مقدسة وخيرة في حد ذاتها، وان تحشد المدفعية الثقيلة وتضفي عليها مسحة دينية ثم تقول ان هذه هي الطريقة الوحيدة لمكافحة الشر! ان هذا شيء يجب مراقبته بحذر».
هذه الالفاظ الشديدة الوضوح في قدح التطاول على الحريات والتضييق على الخلاف سواء كان عن طريق التعسف في استخدام السلطة، او عن طريق حشد قوات عسكرية تلقن المسلمين درساً في الطاعة والادب يراها رجل الدين المسيحي وسائل تقطع التواصل الحضاري وتمنع تفعيل قيم العدالة والمساواة بين البشر.
ان هذه التصريحات الانتقادية الحادة للنظرة الاحادية الجانب التي توظف السلطة لفرض ارادتها على من تشاء بغض النظر عن توافق تلك النظرة مع قيم العدالة او مجافاتها الصريحة لها بتنا اليوم نسمعها من داخل العمق الغربي، وفي قعر داره.
ان من ينتقد السياسات الفوقية التي تلغي الخصوصية هي اصوات غربية تنتشر في مختلف الدول الاوروبية وفي الولايات المتحدة مع ان القضايا التي هي محل الخلاف تخصنا نحن بل نكاد نكون نحن موضوعها ومادتها الوحيدة.
التخلي المرعب من قبل ابناء العروبة والاسلام عن التعبير عن الرفض الصريح للسياسات المتعددة الانماط التي تريد ترويضنا للاندماج مع القيم الغربية دون مراعاة للخصائص التي تميز امة عن سواها تزيد من جرأة المتربص، وتطمّع سواه ليحاول اقتلاع جذور هذه الامة التي افتقدت الى خطط وقائية تحميها من محاولات الهيمنة والاستلاب.
ان الخوف من اعلان الرفض للمواقف المتعنتة هو احد الاسباب التي اغرت بنا وسهلت لاصحابها تمرير قراراتهم التي تنم عن رغبة في السيطرة واملاء الشروط.الذين يساندون قضايانا من الغربيين اثبتوا انهم اكثر اخلاصا للقيم الانسانية المطلقة من كثير من ابناء هذه الامة ممن نفضوا ايديهم من مجرد التفكير في الشئون العامة، او تأمل دلالاتها وانعكاساتها الخطيرة على واقع ومستقبل الدول الاسلامية.
بالعودة الى جذور الازمة التي تمخضت عن قرار الرئيس الفرنسي بشأن الحجاب يتضح اننا عجزنا عن الحصول على درجة مناسبة من الاحترام لقناعاتنا والتزاماتنا الدينية مما شجع الرئيس الفرنسي على المضي فيما ازمع عليه دون ان يجد في نفسه اي حرج من التعبير عن قناعته الخاصة، وحين أدلى بقراره في مسألة حول الحجاب تأكد من جديد انه لن تكون هناك خطوة واحدة يمكن ان تجعله يتراجع او يجري تعديلا في قراراه.
هذه السلبية قبل وبعد تصريحات الرئيس الفرنسي هي كعب اخيل الاداء الاسلامي تجاه قرارات الغرب، فنحن لا نجيد التحرك تبعاً لحجم التحديات، ودائماً تأتي ردود افعالنا باردة، وهزيلة، ولا تصل حتى لمستوى ان تكون جعجعة معهودة.
تكسرت عصّينا قبل الاوان، ولم تعد ثمة حاجة لنعلن عن رفضنا للاساءات المتوالية، فنحن ازمعنا على التصالح مع الوضع القائم، والاستسلام لما هو كائن والمكتوب على الجبين لازم تشوفه العين حسب منطق فلاسفة التواكل وجهابذة الدفاع عن الضعف والهوان.