على أبواب الجامعة , ياللذكريات !!!

الحمد لله مبدل الأيام ، مقلب الدهور ، مصرم الأعوام والصلاة والسلام على خير الأنام ، وبعد :

 

قضيت من حياتي في الدراسة النظامية 12 سنة ، 360 أسبوع ، 1800 يوم ، 10800 ساعة ..

كيف مرت لا أدري ، كيف انقضت لا أدري ، كيف انتهت لا أدري ، كل ما أعرفه أنها انقضت وذهبت من غير أن أشعر وبلا رجعة ..

بدأت هذا العشق في 5 / 5 / 1418 هــ وانتهيت منه في 8 / 7 / 1430 هــ ..

بعد كل هذه السنين أقف اليوم على أطلال تلك الذكريات ، أسترجع جزءاً من الماضي الذي كان حاضراً ، جزءاً من أيام عشقتها وتمنيت أنها لا تنتهي ، وأيضاً من الأيام التي كنت أتمنى أن لا تأتي ..

 

عندما أقف اليوم على أبواب الجامعة ، أتذكر تلك الحبيبة ، رفيقتي منذ الصغر ، تلك المدرسة التي لي معها ذكريات جميلة وأخرى تعيسة أخاطبها لعلها تتذكرني ، وأغازلها لعلها ترجعني إلى أحضانها ..

لا زلت أذكر أول يوم التقيت فيها ، عندما ذهبت مع والدي حفظه الله لأسجل في الصف الأول الابتدائي ، من أول وهلة أحببتها ، كان مكتب التسجيل مزيناً بالورود والصور الجميلة ، فدخلت إلى قلبي ..

 

سنيني الثلاثة الأولى ربما انمحت من ذاكرتي ولم يبقى منها إلا القليل ، أذكر منها بعض الإزعاجات من طلاب المتوسط والثانوي الذين كنا نعتبرهم ( مجرمين ، مخيفين ) ..

من الصف الرابع للسادس أذكر معظم معلمي في تلك الفترة ، ومن زملائي الطلاب الذين لا زال التواصل معهم إلى اليوم ، أذكر مديرنا الفاضل أذكر تربيته الفريدة ، وطريق معالجته للمشاكل ، أذكر عصاه التي كانت ترافقه ، لقد ظل في نظري من أفضل مديري المدارس الذين مروا علي ..

أذكر مدرساً فاضلاً سودانياً  ، درسني في الصف الرابع الابتدائي مادة القرآن والتوحيد ربما ، وكان أسلوبه وطريقته من أجمل ما مر عليه ، وحصصه من أمتع الحصص وأسرعها مرورا ..

 

في المرحلة الابتدائية عشقت مادة التاريخ عشقاً عجيباً ، واقتنيت أشرطة د. طارق السويدان وغيره التي تتحدث عن السيرة النبوية وعهد الصحابة والتاريخ ، يرجع فضل ذلك كله إلى أحد المدرسين المصريين الفضلاء ، الذي كان أسلوبه من أمتع الأساليب وأجملها ، حتى إنك لتعيش في القصة أو المعركة ولا تتمنى أن تسمع ذلك الجرس المزعج الذي يؤذن بانتهاء الحصة ..

أذكر مرة كان لدينا درس في معركة القادسية في الصف الخامس ربما ، طلب منا هذا الأستاذ أن نكتب ملخصاً للمعركة  نستعين بالكتاب المدرسي ، أحضر الطلاب ما كتبوه والذي تراوح من سطرين إلى صفحة كاملة ، أما أنا فلم أرضى بهذا ، أحضرت شريط السويدان الذي كان يتحدث عن المعركة وصرت أكتب ما يقوله إلى أن كتبت ما يقرب ثماني صفحات ، توقعت بهذا الإنجاز العظيم أن أكرم على مستوى المدرسة ، ولكن للأسف كان مزاج الأستاذ معكراً وقتها فلم يزد أن ( شخمط ) لي على الدفتر وكتب تاريخ اليوم وانتقل إلى الطالب التالي !!

مما أذكره في المرحلة الابتدائية أني كنت من أكثر الطلاب كرهاً لكرة لقدم ، لا أدري ما سبب تلك العلاقة العكسية بيني وبينها ولكن من الصف الأول الابتدائي لم أطيقها مما نتج أن وظيفتي في الملعب الآن ( مجمع كور ) وإن تعديت ( فمدافع ) نظراً لقدرتي الكبيرة عل التكسير ..

أذكر أيضاً بداية حبي للقراءة من الصف الثالث أو الرابع الابتدائي على يد والدي حفظه الله ، ومن المفارقات أن أول كتاب قرأته في تلك السن رواية ( المجاهد الصغير ) والتي أحتفظ بها إلى الآن ..

أيضاً نشأ أيضاً حبي للإذاعة المدرسية وللمشاركة في النشاطات والحفلات ، حتى أني أذكر للآن تماماً أن أول ظهور لمرض ( الأنيميا ) الذي أصبت به وشفاني الله منه كان في الصف الثالث الابتدائي وأنا أنشد في الكورال أنشودة بمناسبة مئة عام على توحيد المملكة !!

 

انتهت المرحلة الابتدائية ودخلت على المتوسطة ، ذلك العالم الجديد ، الذي فتح لي آفاق و( آباراً ) معرفية في ذات الوقت ..

للأسف لاحظت من بعض طلاب الفصل من بداية السنة في الأول المتوسط ، الانحطاط الخلقي والديني فكان هذا يمثل مفاجأة كبيرة لي خصوصاُ أني خرجت من الابتدائي ..

ومن المواقف المحزنة في تلك المرحلة ، وفاة أحد طلاب فصلي بسبب حادث سيارة ، كان ذلك الخبر صاعقة ومفاجأة لنا جميعاً ، أسأل الله أن يغفر له ويرحمه ..

 

من أهم ما في المرحلة المتوسطة حرصي الشديد على الإذاعة المدرسية ، وعلى المشاركة في الحفلات الختامية ، والمشاركة في الرحلات التي تقيمها المدرسة لدرجة أني زورت يوماً أوراق موافقة ولي الأمر على الرحلة ( التي رفض الأستاذ أن يعطيني إياها ) لأتمكن من الخروج ، كشفت في النهاية مع أني خرجت ، ودخلت ( لجهلي ) في نقاش مع الأستاذ المسؤول لأبرر له فعلي ولكنني لم أفلح ..

 

مما أذكر أيضاً اتهامي ( بالإرهاب ) ، فعندما سب رسولنا صلى الله عليه وسلم ، طلبت إدارة المدرسة من الطلاب إحضار مشاركات والتفاعل ، فكلمت مديرنا وفقه الله ، وقلت له عندي شريط اسمه ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) شريط ممتاز في الرد على الدنمارك ، وافق فوراً على توزيعه وفي اليوم التالي أحضرت مئة نسخة للشريط ووزعتها ، بعد أسبوع تم استدعائي إلى غرفة المدير ، وقال أنه سمح بتوزيع الشريط قبل أن يسمعه لثقته بي ، ولكن تبين له أن الشريط فيه دعوة للإرهاب وممكن أن تحصل لي مشاكل بسببه ، حاولت إقناعه بلا فائدة أن الشريط جميل ونظيف وموجود في التسجيلات ..

أذكر أيضاً في الثاني المتوسط يوم حلقت ( شنبي ) ، في تلك الحادثة الأليمة ، بخطأ غير مقصود عندما حاولت تحديده كـ (الرجال ) ، فإذا بي أقتلعه من جذوره ، وأتم الحلاق تلك العملية ، فأصبحت لهذا السبب ، مسخرة المدرسة كلها لأكثر من شهر !!

 

ثم انتقلت إلى المرحلة الثانوية والتي أعتبرها من أجمل وأمتع المراحل الدراسية ، طبعاً بعد دخولي إلى أول ثانوي صرت أرى أني وزملائي ( سفاحي ) المدرسة وأبطالها ..

من أهم ما ميز تلك المرحلة اشتراكي في جميع الحفلات وترتيبي لبعضها ولله الحمد ، وكنت من أشد زملائي حماساً لهذه النقطة لأمرين : أحدهما هو التدرب وتطوير المهارات والثاني هو الهروب من بعض الحصص المملة ..

من أهم المسرحيات التي مثلتها مسرحية الملك والصياد ، والتي مثلت على المسرح المدرسي وحضرها وكيل المنطقة ووكيل الوزارة ، والتي رغم ( قصرها ) بعض الشيء إلى أنا أعددنا لها ما يقرب من ثلاثة شهور ، ومثلناها أمام طلاب المدرسة قبل أن نمثلها أمام المدارس ..

ومن أجمل ما مثلت مسرحيات كانت تزامناً مع الأحداث في غزة ، كانت مؤثرة وجميلة ، لاقت الاستحسان بحمد لله ..

كما شاركت في مسابقة القصة القصيرة والتي لم أعرف نتائجها إلى اليوم ، ولا زلت إلى اليوم أشك في أنه تم تغيير اسمي لاسم أحد الطلاب ..

 

ومما حرصت عليه أيضاً الاشتراك بمسابقات القرآن الكريم التي تقام ، إلا الأخيرة منها ، لم أستطع المشاركة بسبب خطأ التوقيت الذي وصلني فلم أستطع الحفظ والمراجعة ، وفي يوم الذهاب إلى إدارة التربية والتعليم للتسميع خرجت مع صاحبي الذي كان مشتركاً في مسابقة للمقالة ( مع العلم أن كاتب المقالة هو مدرس اللغة العربية ) فدخل هو أما أنا فانتظرته إلى أن انتهى ومن ثم عوضت عدم المشاركة بأن فطرنا في مطعم ( هرفي ) للوجبات السريعة لأعوض عن حزني البالغ ، ليت الأمر انتهى على هذا ، بل بدأ من هنا ، فلم رجعنا إلى المدرسة تفاجأ المدير بأني لم أشارك ، ولا تسأل عن السب والشتم والتهزيء والتقريع والتوبيخ ( وهلم جرا ) واستمر هذا إلى أن تخرجت من المدرسة ..

 

أذكر أنه فتحت لي قضية شائكة عرف بها الحاضر والباد من الطلاب والمدرسين في الصف الثالث الثانوي بسبب عدم حضور والدي إلى المدرسة ، لماذا لا يحضر ويسأل عني ؟ ، مع العلم أن هذا حال جميع أولياء أمور الطلاب إلا القليل ، ومع العلم أني كنت ولله الحمد من المتفوقين علماً وأخلاقاً فلم يكن هناك حاجة للحضور ، ومع العلم أني في الثالث الثانوي وليس الثالث الابتدائي ..

ولكن حضرة المدير أصر أن أحضر والدي ، ووقفت في فناء المدرسة طوال اليوم لأني لم أحضره بسبب سفره ، وقال المدير : ( إذا جا تروح فصلك ) ، المشكلة أنه بعد أن حضر والدي إذا بآيات المديح والثناء تنزل علي ، وأني أفضل الطلاب وتشرف المدرسة بوجودي ووو… ، فلماذا تلك الزحمة من البداية ، للآن لا أدري !!

أعتقد أني في هذه المرحلة كنت من أكثر الطلاب ظرافةً وحباً لبعض المدرسين ومن أكثرهم ( غتاتة ) وكرهاً  لآخرين ..

 

في كل هذه السنوات التي قضيتها ، رأيت الكثير من البشر والكثير من العقول والكثير من الأهواء ، رأيت الصالح والطالح ، رأيت الصادق والكاذب ، رأيت الجاهل والمتعلم ، رأيت المتخلف والمتحضر ..

في كل هذه السنوات ، ظلت مطبوعة في ذاكرتي أسماء بعض الأساتذة بقلم من نور ، ولن أنسى فضلها ما حييت ، وأسماء آخرين في ( مزابل ) الذاكرة إن كان لها مزابل لكونهم قدوة سيئة للطلاب ، وربما يعلمونهم ما لا يعلمون من الفساد ..

أذكر الكثير من زملائي المخلصين وغيرهم ، والذين أتمنى لهم أعلى الأمنيات ، وأن أراهم يوماً أطباء ومدرسين ومهندسين وكتاب مشهورين ..

حاولت هنا أن استخرج بعض ما بقي من ذكريات تلك الأيام ، حاولت أن لا أتطرق إلى المواد أو الاختبارات أو الدراسة نفسها ، وحاولت أن أختصر ، أسأل الله أن يغفر لي ولزملائي ما أخطئنا في تلك الأيام ، وأن يتجاوز عنا جميعاً ..

 

 

الفــقــيــر إلــى ربـــه :

عبــد الـــرحمـــن الكيــلانــي

28 / 10 / 1430 هــ

 

Exit mobile version