يذخر الوطن العربي بالكفاءات العالية والقدرات والعقول النيّرة، وبكل تأكيد إنه لحق علينا أن نقدّر أعمالهم التي يقومون بها والعلم الذي وصلوا إليه ومن هذا المنطلق قمنا في شبكة أبو نواف بالعمل على إجراء بعض المقابلات مع أهم الأيقونات العربية عامة والسعودية بشكل خاص حتى نسلط الضوء على مسيرتهم وعلى أهم إنجازاتهم وأعمالهم ليكونوا خير مثال يحتذى به.
في هذا الجزء سنقدم لكم لقاءنا مع دكتور الجغرافيا والأستاذ المشارك في قسم الجغرافيا بجامعة القصيم “عبد الله المسند” والذي قدّمنا له عديد الأسئلة وأجابنا عليها وها نحن نقدمها لكم.
الدكتور الفاضل عبد الله المسند، المختص بعلوم الطقس والفلك، أعطنا في بادئ الأمر بطاقتك التعريفية تعرفنا بها عمّا نجهله عن شخصك.
– من مواليد عنيزة لعام 1386هـ (1966م).
– التعليم العام بعنيزة 1405هـ، والبكالوريوس بجامعة الإمام 1410هـ، والماجستير بجامعة الملك سعود 1419هـ، والدكتوراه بجامعة East Anglia ببريطانيا 1425هـ.
– متزوج وعندي 6 من الأبناء وهم: خزامى، عبدالرحمن، سارة، ريمان، فيصل، ميرال أصلحهم وحفظهم الله جميعاً.
– أعمل حالياً أستاذاً مشاركاً في قسم الجغرافيا بجامعة القصيم، ومشرفاً على جوال كون المتخصص بالفلك والطقس.
– متخصص بالجغرافيا المناخية وعلى وجه التحديد التغيرات المناخية، ومن هواياتي الفلك والطيران.
دكتور بعد أن صنعت لنفسك إسماً ومكاناً مرموقاً في علم الفلك، هل لنا أن نعرف كيف اكتشفت الميول عندك إلى هذا التخصص في بادئ الأمر؟
وجدت نفسي في وقت مبكر ودون مؤثرات خارجية، أو محفزات عائلية، تدفعني للتعلق بعلم الفلك والفضاء وبالطبيعة بشكل عام، كانت البداية مبكرة، ولكنها فقيرة وشحيحة جداً، فلا دليل حولي، ولا جمعية تحتضنني، ولا كتاب يُؤنسني، ولا أستاذ يُرشدني، ولا مدرسة تدعمني، بل ولم أجد حتى الصديق الذي يشاركني ويشاطرني هوايتي واهتماماتي في الفلك والفضاء، فكنت غريباً بين أصحابي واقراني في تعلقي بهذه الهواية وذلك في التسعينات الهجرية، وكانت الأفلام الوثائقية الشحيحة والقلية والتي تعرض على القناة السعودية اليتيمة آنذاك تلفت انتباهي وعنايتي، بل وتترك فيني أثراً في النفس والعقل.
وفي المرحلة الثانوية نميت هذه الهواية عبر الخروج إلى البر مع كبار السن، فأخذت منهم معرفة النجوم والبروج والحساب والتقويم وما شابه ذلك، حتى بدأت مرحلة أخرى مهمه في حياتي وهي اقتناء الكتاب والقراءة المنظمة في كل ما يتعلق بالفلك والفضاء، والتقويم والزمن منذ عام 1406هـ، وذلك عبر مكتبات عربية تجارية وعامة، كلها تتصف ـ مع الأسف ـ بأنها فقيرة في كُتبها، وقديمة في اصدارتها، مقارنة بما عند الشرق والغرب في هذا الفن، وفي عام 1414هـ كان لي منعطفاً تاريخياً حيث دخلت عالم البرامج الفلكية عبر الحاسب الآلي فاستفدت منها فائدة كبيرة وعظيمة، خاصة في خاصية محاكاة القبة السماوية، وإجراء الحسابات الفلكية، وبهذه المناسبة أنا ممتن لصديقي الأستاذ الفلكي صالح الخليفة في دعمه لي في هذا المجال في وقت مبكر فله الشكر والتقدير.
لو افترضنا بأن علم الجغرافيا هو تخصصك الأول مالذي قد تضعه كتخصص ثاني لك ؟
حقيقة .. كل العلوم التي تبحث في الطبيعيات فأنا أميل لها، وأرغب بها.
من خلال تجربتنا في المدارس العربية وحتى في التخصصات الجامعية قد تجد النظرة التي تنظر لعلم الجغرافيا والتضاريس على أنه علم ممل ودسم عند بعض الطلاب، ما رأيك أنت في هذا؟
الجغرافيا كما تعلم تنقسم إلى قسمين: جغرافيا طبيعية، وجغرافيا بشرية وهما أقل تعقيداً من بعض العلوم في التعليم، واختلاف الناس في الميول والرغبة والفهم من فن إلى آخر نعمة من الله سبحانه وتعالى، إذ لو أن كل الطلاب توجهوا إلى فن وعلم وتخصص واحد لما استقامت الحياة.
هذا من جهة ومن جهة أخرى ـ أزعم ـ أن علم الجغرافيا ظُلم عندما اُختزل في عناوين ومفردات معينه في مناهج الجغرافيا في التعليم العام، وهو في الواقع علم أوسع وأرحب من ذلك بكثير، ويكفي أن تطلع على موضوعات البحث في علم الجغرافيا من مخرجات الجمعية الجغرافية السعودية لترى حقيقة الجغرافيا.
على مستوى العالم العربي ما هو تقييمك لحركة البحث العلمي الجغرافي وكذلك في مجال الطقس مقارنة بمراكز البحوث في العالم الغربي؟
ليتك ما سألتني هذا السؤال!! فلا يدرك حقيقة وواقع البون الشاسع بيننا وبين الغرب في مجال البحث العلمي بشكل عام، إلا من احتك معهم عبر الجامعات، ومراكز البحث العلمي، والمؤتمرات، والمجلات العلمية، فشاهد إلى أي مدى وصلوا وإلى أين وصلنا!؟، وحتى أُجسد ما ذكرت بمثال يوضح الحال وأن بيننا وبينهم أكثر من 100 سنة تخلف تقني صناعي، أقول: وحتى هذه اللحظة لا نستطيع (لوحدنا) أن نصنع ما صنعوا وقت الحرب العالمية الأولى قبل 100 سنة من تقنيات دون الاستعانة بالخارج! فما بالك أن نجاريهم أو نقترب منهم الآن، وهذا لا يعني أننا أغبياء! ولكن نحتاج إلى بيئة متكاملة ـ يصعب الحديث عنها الآن ـ من أجل انتشال الأمة مما هي فيه؛ لتكون في مصاف الدول المبتكرة، والمصنعة، والمنتجة، وذلك في غضون ربما 25 سنة، ولنا في كوريا الجنوبية مثالاً .. فكيف كانت؟ وكيف أصبحت؟.. والشكوى على الله.
مالذي ينقصنا في الوطن العربي حتى نمتلك كادراً كبيراً على كفاءة عالية في علوم الفلك والجغرافيا؟
لا تسطيع الأمة أن تنهض بفن أو علم أو مجال بشكل منفرد ومنعزل، إذ إن الحضارة كتلة واحدة كالجسد، تنهض جميعاً أو تمرض جميعاً، وعليه الأمة الآن مريضة في كل جسدها، وفي انحطاط علمي تقني صناعي إداري، ومن ينكر ذلك هو جزء من مشهد الانحطاط، حيث بلغ فيه الانحطاط والتخلف والانغلاق درجة أنه لا يدرك أين موقعه من بين الأمم المتحضرة؟ وهنا تكمن ومكمن المشكلة.
من متابعتي الشخصية لك على تويتر وجدتك تتكلم عن العواصف الغبارية ودورها في تفشي الأمراض الوبائية، هل من الممكن أن تطلعنا على نبذة مبسطة عن هذا الأمر ؟ وهل فعلاً لها دور ؟
الذي يظهر ـ والعلم عند الله ـ أن الغبار بوجه عام أضراره أكثر من منافعه ومن أبرز أضراره: التلوث البيئي، ويرفع درجة الحرارة ليلاً، كما تتسبب العواصف الغبارية في الأمراض الرئوية كالربو، وأمراض العيون كجفاف العين، كما ثبت أن ذرات التراب تحمل على ظهرها البكتريا الضارة، والفيروسات، والجراثيم الفطرية، فتنقلها من مكان إلى آخر، ويشار إلى إن العواصف الغبارية في أفريقيا هي المسؤولة عن نشر جراثيم التهاب السحايا (الحمى الشوكية) وسط افريقيا، فقد استطاع الباحثون عزل البكتيريا المسببة لالتهاب السحايا من ذرات الغبار، والأخطر أن ذرات الغبار الصغيرة 2.5 ميكرون (والميكرون يساوي سُبع قطر الشعرة) والتي يمكن أن ينقلها الهواء لآلاف الكيلومترات تستطيع حمل البكتيريا إلى مسافات بعيدة جدا، وهذا عكس ما زُعم أن الغبار يقتل الجراثيم كما نُقل عن ابن خلدون في مقدمته، وهو لم يثبت في كتابه، ناهيك عن كون العواصف الغبارية تتسبب بعشرات الحوادث المختلفة، وتعطيل آلاف المسافرين وتسبب ربكة في خطوط الملاحة الجوية، وتدفع بالمئات من الناس لمراكز الطوارئ طلباً للأكسجين، والعواصف الرملية تؤثر بشكل مباشر على النشاط التجاري والزراعي والسياحي والرياضي والنقل والمواصلات وكذا العمليات الحربية.
ومن منافع الغبار وايجابياته تخفيف أشعة الشمس، ومن ثم انخفاض درجة الحرارة نهاراً، وأثبتت الدراسات أن هبوب العواصف الغبارية الأفريقية على المحيط الأطلسي نتج عنها تخفيف أشعة الشمس، ومن ثم تبريده؛ وهذا بدوره خفض معدل الأعاصير المدارية المدمرة والتي تضرب أميركا وذلك عام 2006م. ومن منافعه والتي ثبتت حديثاً تخصيب الغابات المطيرة في أمريكا الوسطى والجنوبية على سبيل المثال، عبر نقل المغذيات المعدنية من الصحاري البعيدة، وثبت أيضاً من منافعه نقل عنصري الحديد والفسفور والتي لها دور في تخصيب سطح المحيطات بتعزيز نمو العوالق النباتية البحرية (البلانكتون)، وبالتالي تستفيد الأسماك منها، كما ثبت هذا في شمال المحيط الأطلسي.
حتى لا نطيل عليك، نريد كلمة توجهها لكل من يمنّي نفسه بأن يخطو خطاك في هذا المجال.
الأمة بحاجة للجميع، وكل فرد فيها يُحمّل المسؤولية في انتشالها، وتغيير الواقع بدلاً من لعنه. وتوجه الإنسان إلى فن وعلم معين ـ أزعم ـ أنه لا يكون بمحض إرادته، بقدر أنه ميول ورغبة ونزعة داخلية، بدأت تنمو داخله منذ الصغر، حتى تشكلت وتبينت عند الكبر، وعليه كن كما أنت دون أن تقلد أحداً في الميول والتخصص، واستعن بالله في شق الطريق للعمل على رفع الجهل عن نفسك أولاً، ثم عن البلاد والعباد ثانياً، وفي هذا الوقت قامت الحجة على الجميع، ولا يوجد عذر نتترس خلفه، فبين أيدينا أجهزة أيفون، آيباد، لابتوب وشبكة عالمية تجعل كل الدروس والمحاضرات والكتب والعلم والتجارب والاستشارات بكل اللغات بين يدينا نصية ومصورة، بل وعلماء العالم أجمع حُشروا لك في بوتقة واحدة (تويتر) تصل إليهم متى شئت في أي مكان وزمان، ومعظمها خدمات مشاعة مجانية، فمن قدّر هذه النعمة، وقدر حال الأمة، وسعى إلى التغيير فلا أجد له عذراً، مهما قال أن محيطه أو بيئته فاسدة، فالله سيسألك أنت، ولن يسألك عنهم.
الدكتور عبد الله المسند: “أشكر لكم حسن ظنكم بأخيكم والله ينفع بكم ويمدكم بالسداد والتوفيق وصلى الله على نبينا محمد”.
شدني ان اسم ابنته خزامى وهو نوع من النباتات الطبيعية وهو في علم الجغرافيا ههههههه الله يخليها ويخلي عياله له
الدكتور المسند ذو خلق وعلم وانا والله اقولها بكل صراحة دون مجاملة احببنا هذا التخصص بابداعه واسلوبه واعتبره ثمرة لهذة البلاد
شكرا للمقابلة الممتعة
أفكر أدرس جامعة مرة ثانية هههههه