رمضان .. ساحة التغير

هي دورة تدريبية كبرى يقضي فيها أكثر من مليار وستمائة مليون شخص حول العالم

الوقت كلة في أجواء من التحفيز الإيجابي والصفاء الذهني والهدوء النفسي والطمأنينة الروحية استعدادً للتغير الذي يجب أن يطرأ على الإنسان خلال هذه المدة من الزمن حتى يرتقي زلفة في مدارج السالكين وعتبات السعداء والناجحين .

خلق الله عز في علاه الإنسان ووضع جيناته وخلاياه وتركيبته العقلية والنفسية والجسدية
على نمط معين هو الأخبر بها والاعلم بمقتضاها ثم وضع لهذا الإنسان المنهج والدستور الذي يسير عليه حتى يبلغ ما يتمناه وينشده في الدارين .

ومن هنا علينا أن نتوقف مع هذا الشهر من السنة وقفة جادة ومتأملة , فالكل مجمع على أنها فرصة للتحول من السلبية الى الإيجابية ومن الضعف الى القوة ومن السطحية الى العمق ومن الفشل إلى النجاح ومن التخبط إلى التخطيط ومن المعصية إلى الطاعة ومن العقوق إلى البر ومن الحقد إلى التسامح ومن الخصومة إلى الصلح ومن القطيعة إلى الوصال ومن الظلم إلى العدالة من الروتين إلى الإبداع ومن الجمود إلى الحراك ومن الاستسلام إلى التحدي

ومن الضياع إلى الرشد ومن التردد إلى المبادرة ومن التهاون إلى التعاون ومن العمل الفردي الى العمل الجماعي .

فكم من الفرص في هذه الدورة التدريبية الكبرى وهذا البرنامج المكثف الشيق الذي تتساقط فيه الخيرات والصالحات والمنح والعطايا علينا من كل حدب وصوب .

ونذكر من اللطائف في هذا الموضوع والتي لم تأتي عبثاً حيث يؤكد المتخصصين والاستشاريين النفسيين حول العالم .

أن متوسط معدل الجلسات التي يقضونوها مع المراجعين والمرضى حتى يشفوا من إشكالياتهم النفسية ويعودوا أسوياء وفاعلين في المجتمع من جديد حوالي 30 جلسة تبني كل جلسة على التي بعدها وهو والله أمر يحتاج من إلى توقف وتبصر , فما هي قصة الرقم 30 يا ترى ؟؟

فلم يكن أن سن الله صياماً وقياماً وتضرعاً وتفكراً وبذلاً ومراجعة للنفس وتدبراً للأحوال والأقوال والأعمال في هذا الشهر من غير مسبب ومبرر .
بل هو محضن رباني بديع يدخله الإنسان بحال ويخرج منه بأحوال , فيسأل نفسه هل أنا ذلك
الإنسان وكيف كان ما كان !!

إنها فرص عمر ولاشك لنجدد الحياة ونرسم الأمل ونغرد بالسلام ونجد في العلم و العمل ونرمم ما انكسر ونصلح ما فسد
في العقول وخفايا النفس ودواخل الروح وخبياها .

هل فكرتم في الوقوف أمام المرآة لكي تروا أنفسكم ذات مرة , وهل فكرتم بشكل عملي في
اخراج ورقة بيضاء ناصعة كقلوبكم وكتابة السلبيات في خانة والإيجابيات في خانة أخرى
فنعمل على رجوح كفة الإيجابيات على كفة السلبيات والتي نريدها تتساقط من القائمة كما تتساقط أوراق الخريق من أعالي الشجر

فهي التي تعيق حياتنا وتحكم إنسانياتنا وتهدد مستقبلنا وتعيق تحركنا وتحرمنا من تحويل احلامنا الجميلة إلى حقيقة وواقع نعيشه ونستمتع فيه

فجربوا أن تتنفسوا هواء نظيفاً بلا تلوث أو شوائب أو نتن , تلك هي الحياة بلا أخطاء نصر عليها أو عادات سيئة نكررها أو هفوات نعرفها ولا نسعى إلى التخلي عنها , أو تقصير نصد عنه وكأنه لا يخصنا

لا تجعل التسويف يغتالك والتأجيل يقضي عليك والخوف من المجهول يتمكن منك
فأنت قاهر المستحيلات وصانع العبقريات وكنز الطموحات وإنسان المهمات , فأعد هيكلة نفسك وحياتك ومسيرة عمرك بشكل دائم خصوصاً في هذا الموسم الخلاب الجميل الذي يكون فيه التحول سهلا إذا توفرت النية والعزيمة والإقدام .

واحرص على أن يشاركك هذه الرحلة الماتعة من الإرتقاء والصعود عائلتك ومن تحب , فمن وخزته بشوكة فقدم له ورده حمراء , ومن جرحته بكلمه فضع على رأسه قبله صادقة , ومن ظلمته فرد عليه مضلمته وفوقها كفاره وندم , واجعل علاقتك بملك الملوك علاقة خاصة فلا أجمل من أن يعود الضال إلى طريق الهداية ويعود القطار إلى سكته فحياتك بلا نظام وإحكام وحساب ووقفات , فوضى عارمة وحرب أهلية وعاصفة رملية

. أنت الخاسر فيها ولا شك فاستغل الفرصة وكن الأول في هذه الدورة التدريبية وحز وسام الشرف وارفع كأس البطولة فلقد انتصر على أعظم عدو لديك إنها نفسك

أفكار عملية مقترحة حول برنامج التغير في شهر رمضان المبارك :

* جرب أن تجري تغيرات على المستوى الروحي واستغلال هذا الشهر الكريم في قوة التواصل مع الله والانقياد له قلبيا وعملياً في العبادات والمعاملات والنويا , ما يخص القلب وما يخص اللسان وما يخص الجوارح , والتوسع في السنن والمستحبات والأعمال التطوعية والتنموية فهي علامة دخولك إلى عالم السابقين للخيرات وهي أعلى مراتب أهل الإيمان وهم أسعد الناس على هذه البسيطة .

* ابدأ خطة عملية لإجراء تغيرات في خارطة علاقاتك وافرز إلى الاصحاب إلى مفيد ومضر و كن باراً ومتواصلاً كريماً صاحب بشاشة , وحبور وصل الرحم والقرابة والجار والصحبة وأحسن لهم واعد ما نقطع من علاقات وافتح صفحة جديدة لغد جميل في الحب والتسامح والواصل فالحياة قصيرة فلا تقضها في صراع ونزاع مفتعل وكن المبادر بالصلح والسلام

* اعلن ثورة كبيرة على مستوى صحتك فهي نعمة النعم ولا تشعر بقيمتها إلا إذا حرمت منها فتخلص عاجلاً من كل الممارسات والأخطاء التي تهدد حياتك ومستقبل اولادك مثل التدخين والسمنة والسهر وعدم ممارسة الرياضة والأكل الدسم وكن قريباً من الصحة تكن الصحة قريبة منك فالندم عادة البليد والحرص عادة السعيد .

* ابدأ التغير الشخصي على مستوى ذاتك وكن أكثر هدوءً وأكثر حكمة وأعمق تفكرياً وصاحب تفاءل وإقدام , همة وعمل , صاحب رسالة سامية وأهداف واضحة ورؤيا مستقبلية , تطور باستمرار وتغير للأفضل وكن فاعلاً مع نفسك ومن حولك جاداً في عملك متسامحاً مع أهل بيتك واقضي على كل السلوكيات السلبية التي تجعلك في أخر الركب بكل أسف فنجاحك انت من تصنعه .

* تحتاج إلى تغيرات على المستوى المادي فكن كريماً ولكن باقتصاد وكن مخطط للمستقبل صاحب نظرة للأمام وكن مديراً لأولوياتك بحزم ولا تكن فوضوياً, ولا تعميك المظاهر والقشور وأهتم أكثر بالادخار والاستثمار مهما كان دخلك ولا تنسى الصدقة فهي بركة المال والرزق وكن طموحاً واخل بوابة العمل الحر بجرئة واستعن بالله . .

* التغير في خانة العمل والتجارة هام ولاشك فكن في ساحة العمل طامحاً ومنطلقا وتمتع بالالتزام والانضباط والإنتاج والجودة , وكن مستخيراً ومستشيراً وطلق الفردية والانانية وافتح كلتي يديك للعمل الجماعي والمشترك , واصنع انت الفرق بعملك وجهدك وابداعك فهنا يكون الإنسان أما فارساً للنجاح أو شبحاً للفشل

” محبرة الحكيم “
رمضان شهر التغير على مر تاريخنا , فإن لم تتغير فيه إلى الأحسن سوف تتغير بكل تأكيد إلى الأسوء , وإن لم تتجه فيه إلى الأعلى فسوف تزل بك القدم إلى الاسفل
فإن رمت الهواء النظيف كالصقور فعليك بالمرتفعات وإن أردت العيش في الظلام كالزواحف أو في القبور كالأموات فاكتب وصيتك فأنت ميت معنوياً

تأصيل” “
” السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها والساعات أوراقها، وأنفاس العباد ثمرتها، فشهر رجب أيام توريقها، وشعبان أيام تفريعها، ورمضان أيام قطافها، والمؤمنون قُطّافها”
“السري السقطي

الداعي لكم بالخير / سلطان بن عبدالرحمن العثيم
مستشار ومدرب معتمد في التنمية البشرية والتطوير
باحث في الفكر الاسلامي والسيرة النبوية الشريفة
sultan@alothaim.com


تابعوا جديد شبكة أبونواف على فيس بوك وتويتر

   

Exit mobile version