رسائل المجموعة

رسائل منتصف الليل ‎(1)‎

  إنّي أتـأرجـح ..

/

 من هنا..
 أرقب شروق الشمس ..
 سماء داكنة تقطعها خطوط ذهبية ..
تجر خلفها أزرق الصباح ..

وجسدي يقشعر مع كل نسمة هواء باردة،
يرجوني قطعة صوفية يجد بها بعض الدفء ..

هنا ..
أرقب مشهد ولادة يوم جديد ..
يوم عسيري!
جديد ..

أمامي قرية ..
ضمتها مدرجات الذرة ..
و من منازلها أرى دخان الحطب ..

و رائحة خبز التنور تجرني إلى وراء ..
يوم كنا صغاراً ..

نفتح أعيننا على صوت والدتي ..
توقظنا بعد شروق الشمس ..
الشمس الصديقة كما نسميها !
أو شمس الصيف ..
تمسح على أجسادنا بزيت الزيتون ..
ثم ننطلق إلى فناء المنزل  ..

.. نطارد ذرات الغبار البيضاء ..
نرقبها تهرب إلى أعلى في كل مرة نلوح بأيدينا في الهواء لنمسك بها ..
و في كل مرة ننظر فيها إلى السماء،
نتيقن أن السحاب ليس إلا قطع قطن كبيرة معلقة هناك !

و أشعة الشمس  ..
تأخذني إلى صباحات الإبتدائية ..
و نحن نستعد للخروج من المنزل ..

يتأكد والدي أننا نضع قبعاتنا على رؤوسنا ،
يغلق أزرار سترنا الصوفية ،
ثم يلقمنا ملعقة عسل الـسدر قبل أن نسابق سلالم الثلاث طوابق ..

و في طريقنا ..
نجري وراء أوراق الخريف التي تبحث عن مأوى آخر
 بعد أن لفظتها أشجار الحي ..

نصل إلى المدرسة القابعة في أسفل الشارع  ..
بأنوف حمراء،
وأنفاس متقطعة  ..

نجتمع مع صديقاتنا لنتقاسم الأوراق الجافة,
و في نهاية اليوم,
ننثرها في ساحة المدرسة  ..
ندوس عليها  ..
و نضحك في كل مرة نسمع الأوراق فيها
تتحول إلى قطع صغيرة ,

يخطفها الهواء بسرعة  ..
يدور بها هناك و هناك و هناك  ,
ليعود و يبعثرها مرة أخرى ,
حول أشجار الحي ..
 و منظر الغيوم  ..

يأخذني إلى شتاء أبها القارس ..

إلى ذكريات السرير الدافئ  ..
 و شراب حليب الزنجبيل المحلى بالعسل ..
تعده والدتي لتقينا به التهابات الحنجرة ..

إلى أرجلنا الصغيرة تمشي بخطوات خفيفة في منتصف الليل  ..
يوم كانت أصوات الرعد القوية,
تخالط أصوات المطر المنهمر بغزارة ..
ترعبنا حتى نكاد أن نختنق  ..

نتسلل من فرشنا و نطرق الباب على والديّ  ..
يفتح أبي الباب و ينظر إلي/ إليهم بنظرات غلبها النوم :
بابا، أخاف ! ..
فيعيدني/ يعيدنا والدي إلى الفراش اللي يقرأ المعوذات ما يخاف ..

ما زلت هنا ..
أتأمل الجبال المحيطة بالقرية ..
و أرانا قبل سنوات  ..

يوم كان والدي يأخذنا أيام عطلة نهاية الأسبوع في رحلة تسلق ..

يسبقنا و هو ينشد صلى الله على محمد
و نحن نردد صلى الله عليه و سلم ..
و في طريقنا ..
نطارد الحشرات ،
و نجمع الأعواد الساقطة عن الشجيرات الجافة ..

ثم ينادينا والدي من أعلى الجبل لنسرع الخطى ..
و حين نجتمع،
نبدأ في لعب لعبته المفضلة:
 الـ نَصَع!

،يبحث عن علبة لأي مشروب،
ثم يضعها بتوازن فوق صخرة ذات رأس مسطح ..
يطلب منا أن نجمع الحصى،
ثم نصوبها باتجاه العلبة ..
و الـ شاطر هو ذلك الذي يسقط العلبة من أول مرة.
 


أذكر جيداً  ..
يوم اخبرنا والدي أنا سننتقل إلى الشارقة ..

أذكرنا ..

و نحن نحزم حقائبنا ..
و ندس في داخلها ذكريات الجبال  ..
و رائحة المطر ..
و نكهة خبز التنور ..
و طعم التين  ..
و برد الشتاء  ..

أذكرنا ..

و نحن متجهين إلى المطار ..
و خلفنا ..
منزلنا على سفح الجبل،
و دموع جدتي،
و دعوات الأحبة ..
 


و اليوم ..

أقف هنا على شرفة  ..

و أمامي قرية،
ضمتها مدرجات الذرة  ..
و من منازلها أرى دخان الحطب  ..

و رائحة خبز التنور تخالط نسمات باردة ..
أملأ بها صدري الذي فاض بغبار الرياض ..
و هنا،

أغمض عيني ..

و أتركني .. أتأرجح


تابع جديد رسائل المجموعة على تويتر

/
twitter.com/AbuNawafNet

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى