رحلتي إلى غار حراء + تطبيق يُظهر لك أدق تفاصيله

لم تكن هذه الرحلة سهلة كما توقعت ، فالكلام يسهل قبل الأفعال دائماً ، وحين يأتي الجدُّ نُصدم من أنفسنا سريعاً . لم أضع في حُسباني أمر صعود الجبل الذي صعده رسولي وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فغار حراء يقع في قمّة ذلك الجبل ( جبل النور ) الذي يصل طوله إلى أكثر من 630 متر ، و يتطلب الصعود إليه الكثير من المشقّة والتعب خصوصاً في فصل الصيف ، فالشمس ستسقط على رأسك مباشرةً منذ اللحظة الأولى من صعودك للجبل وحتى نهايته وستكون محظوظاً لو وجدت مظلّة أو صخرة تختبئ خلفها لتنعم بالظل .

أستمر صعودنا إلى الجبل قرابة ساعتين ، وكانت هذه المدّة كفيلة لأن تُبرز الكثير من المعاني الإيجابية والسلبية لما يحدث في هذه المنطقة . لقد شعرت بالندم الشديد لنسيان كاميرتي الخاصة في المركبة لتوثيق الرحلة بالصور ولكن الندم لا يُفيد بالوقت الراهن . سألخص أحداث الرحلة بطريقة سلسة لضمان وصول المعلومة من الدرب الأقصر لها .

1- هنالك مشاهد يجب أن تعتاد على رؤيتها وأنت في طريقك لصعود الجبل ، فهنالك الكثير من الزوّار الذين يحدّقون نحوه ويبكون بطريقة مفجعة ! هذا المشهد أثار فضولي كثيراً لأطرح على أحدهم سؤالاً حول سبب بكاؤه فأجاب بأنه لا يُصدق ما يراه ! إنه في الممر الذي سلكه رسولنا الكريم . أخبرته بأن الدعاء أفضل من البكاء بهذا الشكل وانصرفت . فالناس يأتون من مسافاتٍ بعيدة لزيارة هذه الأماكن المقدسة أمّا نحن فلا نعرف لها درباً إلا من رحم ربي .

2- أنصحك بشراء كل ما تحتاجه قبل صعود الجبل : ماء ، مرطبات ، حلويات ، صحيفة وما إلى ذلك ، فالأسعار في منتصف وقمّة الجبل بلا رقيب ولا حسيب . خذ على سبيل المثال قارورة ماء ، سعرها الحقيقي هو نصف ريال أمّا بالأعلى فسعرها يصل إلى 3 ريالات ، هذا الارتفاع بقيمة السلعة يأتي من قبل الباعة الذين يُمسكون المحتاج من اليد التي تُؤلمه ، فالأطفال الذين يصعدون برفقة أهاليهم كُثر وحاجتهم للماء ضرورية مع الأجواء الحارة وتعب الصعود ، وأستغرب غياب جهة مسؤولة ترعى المكان الذي يزوره وسيزوره الملايين من الناس ! أين هُم من هؤلاء المحتالين ؟ حتى هذه اللحظة : لا إجابة .

3- أثناء صعودك للجبل ، يجب عليك أن تركزّ في خطواتك بشكلٍ جيد ، فالانزلاقات كثيرة في بعض الأماكن ، والانتباه مطلوب أثناء الصعود والعجلة مرفوضة تماماً . ويجب عليك أن تنتبه أيضاً من دهس كلمة التوحيد : لا إله إلا الله محمداً رسول الله ! فهي محفورة ومكتوبة على الكثير من الأحجار التي ستصادفها أثناء صعودك للأسف الشديد ، وقد لا تنتبه لبعضها ويتم دهسها دون قصد وهذه معضلة حقيقة وتحتاج إلى حل مباشر . ولا تنسى بأنك إذا سقطت لا سمح الله فالارتفاع قاتل ، والقرود ستنتظرك بالأسفل . الطريف أن هنالك روايات تقول بأن هذه القرود تسرق الطعام من بعض الزوّار وتضربهم بالأحجار فكن مستعداً لمثل هذه المواجهات المتوقعة معهم .

اضغط هنا لرؤية الغار بشكلٍ ثلاثي الأبعاد وكأنك تقف به فعلاً !

4- أنا لا أنصح بصعود كلّ من يعاني من مشاكل في مفاصله أو ظهره ، فأحد أصدقائي قد أُصيب بشدٍ عضلي مؤلم بسبب الإرهاق وبسببه أيضاً قلّ تسارعنا أثناء الصعود . وأخصُّ بالذكر قليلي الحركة لأنه الجسم بحاجة إلى طاقة بدنية متوسطة كحدّ أدنى لإتمام المهمة بنجاح .

5- المنظر يبدو في غاية الجمال حين تصل إلى القمّة ، بإمكانك أن ترى مكّة بشكلٍ جميلٍ للغاية ، منظر الكعبة المشرفة لا يُمكن نسيانه من ذلك الارتفاع المذهل . لم أستطع أن أدخل إلى الغار بسبب الزحام الشديد في ذلك اليوم ، واكتفيت بالذهاب إلى زاوية تكشف لي ملامح ذلك المكان الصغير . اقرأ بإسم ربك الذي خلق ، هذه الآية المكتوبة بأعلى الغار ، مشهد روحاني يُحفر في الذاكرة . هنا كان يتعبدّ أفضل الخلق ، هنا كان يختلي بنفسه عن ضجيج مكّة ، وهنا نزل نور الإسلام وصدح صوته في جميع أنحاء المعمورة .

6- بعض الزوّار يحملون أفكاراً غريبة عن سكّان الحرمين الشريفين في منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة ، فقد أخبرني أحدهم ( ويبدو جاداً جداً في كلامه ) بأنه لم يظن بأننا نسير على أقدامٍ مثلهم بل كان يعتقد بأننا كائنات نطير كالملائكة ! وأبدى استغرابه الكليّ حين رأى المدخنين – على حدّ تعبيره – في بلاد مقدّسة كمكة وأنه مستاء جداً مما كان يعتقده ومما شاهده على أرض الواقع .

7- ستجد الكثير من باعة السجائر أثناء صعودك للجبل ، لكن الفرق هنا أن البيع يتم بالسيجارة الواحدة التي يبلغ قيمتها ريالين كما سمعت من أحدهم . والغريب أنك ستجد زحاماً شديداً لدى بائع السجائر من قبل الناس الذين لا يريدون إكمال دربهم إلى القمّة قبل التمتع بالتدخين وسط الزحام دون الاكتراث لآداب الأماكن العامة وفي صورة همجية لم ألحظها سوى في هذا المكان .

للكاتب : ماجد بن محمد
تابعني على : Twitter Facebook


تابعوا جديد شبكة أبونواف على فيس بوك وتويتر

   

Exit mobile version