عزيزي القاريء قبل ان تقرأ هذه الاحداث ارجو ان تتجرد من عالم الملك والمادة الى عالم الملكوت والروح وتحلق بخيالك مع هذه الاحداث…
حوار في واحة الإيمان
خرجت من منزل سعادتي يوما متجهة نحو صحراء خيالي ومعي قطيع أحزاني أسوقه بجهد وتعب لعلي أجد ما أسد به رمق هذه الأحزان من فرح قريب أسقيها منه أو دعوة مجابة ترفع عن هذا القطيع مآسيه . وبينما أنا في حيرتي هذه أتخبط في ظلمات الجهل وإذا بي أشاهد من بعيد واحة مليئة بالماء فأخذت أسرع الخطى نحوها على أمل ألا تكون سرابا ، فإذا بها واحة حقيقية لم أرى أجمل منها في حياتي حتى اقتربت أكثر نظرت في مائها فإذا هو كوثر عذب تلمع قطراته كأنها حبات اللؤلؤ وتحيط بها أرض واسعة خضراء مليئة بالزهور ذات الألوان الجميلة المتنوعة والروائح الجذابة وعصافير من كل الألوان والأشكال تغرد وتطير وتدور وتسّبح الله وتهلله لكن جميع ذلك لم يلفت انتباهي حيث أخذ مني العطش كل مأخذ .. فأخذت أسرع الخطى وأجر خلفي قطيعي متوجهة نحو الواحة لأشرب وأبرد غليلي وهنا استوقفني ما رأيت إذ لفت انتباهي شيخ هرم يجلس بجانب غدير الماء ، فقلت له بالله عليك يا شيخ قلي أين أنا ؟؟ ما هذه المناظر الجميلة التي لم أرى لها مثيل في حياتي ، فتبسم الشيخ وكان وقور الطلعة بهيها _ وكنت قد نسيت عطشي لمرآه فقال : أنت في رحاب الإيمان يا صغيرتي ، ولكن ما الذي جاء بك إلى هنا ؟؟.. فقلت مشيرة إلى قطيعي بأسى .. هذا ما أتى بي فقد كنت أبحث لهذه الأحزان ما تسد رمقها به .. فقال ما رأيك لو تتركيها عندي وأنا أتكفل بها ؟؟ .. فقلت : ولكن أنت شيخ كبير أو يمكنك ذلك ؟؟.. قال : نعم فأنا أملك من الجلد ما لا يتحمله بشر .
وهنا شعرت بسعادة كبيرة تغمرني وكأني أزحت حملا ثقيلا عن ظهري وسلمته القطيع واقتربت من الغدير لأشرب ولكن الشيخ قال محذرا : إياك أن تقتربي من هذا الغدير فلا يمكنك الشرب منه ، وهنا تجمدت في مكاني كمن ألقم حجرا وبعدها قلت : يا شيخ ألم تساعدني منذ قليل وتأخذ بأحزاني بعيدا عني فكيف بي الآن أراك تمنعني من هذا الغدير وقد أخذ مني العطش كل مأخذ ؟ فنظر ألي نظرة رحيمة تفيض عطفا وحنانا وكأنه رق لحالي وقال _ بعد لحظات من الصمت : كان بودي أن أسقيك لكن ما ترين من نعم هنا هي ليست لي ولا أستطيع أن أسمح لك بالشرب من هذا الغدير .
وهنا شعرت بحزن كبير فأدرت ظهري وتوجهت راجعة من حيث أتيت ولكني تساءلت في نفسي بتلك اللحظة من يكون هذا الشيخ يا ترى ؟؟ ومنا استدرت ناحيته وسألته بالله عليك يا شيخ من تكون ؟ فأطرق ملياً وقال أنا الصبر لقد صبرت فتكفلت برفع أحزانك وهمومك عنك فقلت ومن يكون صاحب هذا المكان إن لم تكن أنت ؟ فقال أنه اليقين، فلا ينال أحد من هذا كله ، والله ولا يذوق حلاوة الإيمان إلا من كان من المتقين واصل إلا درجة اليقين فقلت له وكيف أصل إلا هذا الذي تدعوه اليقين لأطلب منه الأذن في أن أشرب من هذا الغدير فأتظلل تحت هذه الأشجار وأستنشق من عبير هذه الأزهار وأستمع إلى هذه الأطيار فقال عليك يا بنيتي أولا (( أن تجعلي من نفسك إنسانة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى … انسانة تشارك الناس همومهم وغمومهم … انسانة تنظر إلى مصالح الآخرين ومصلحتها بعين واحدة … انسانة تأبى أن تحصل على راحتها على حساب الآخرين ….انسانة تتمتع برؤية فكرية واسعة متنزهة عن الإيذاء والاعتداء والنظرات الضيقة والإنتقامات وتشكل مع باقي أبناء جنسها مجتمعاً مفعماً بالخير والبركة)) * عندها فقط يا صغيرتي ستجدين من يزيل الحجب عن قلبك ويوصلك إلى من تريدين .. أعني اليقين .
فشكرته شكرا عظيما حيث وضع قدمي في أول الطريق وما علي الآن سوى أن أشق طريقي بعزم وثبات وأسأل المولى التوفيق….
ملاحظة : العبارة التي بين القوسين منقولة .