رسائل المجموعة

– جولة أوروبية – الجزء الرابع – ميونخ –

الجزء الرابع

كانت لحظات صعبة ونحن على أعتاب توديع " النمسا " بكل فيها من جمال وبساطة وروعة وتاريخ فقد كانت بحق " النمسا متعة لا تنسى " , ونحن في محطة القطارات نستعد لتوديع البلدة الجميلة والصغيرة " زيلمسي " روادتنا النفس كثيرا بالبقاء وزيادة عدد الأيام ، ولكن كنا مضطرين لمسايرة الأمر الواقع لتكملة البرنامج الأوروبي خصوصاً وأننا قمنا بحجز فندق في مدينة ميونخ الألمانية في الليلة السابقة .
انتظارنا لم يدم طويلاً في محطة القطارات حيث وصل القطار الذي سيقلنا لميونخ ، حملنا حقائبنا ونحن ننظر للبلدة الساحرة " زلمسي " مع أمل كبير بالعودة إليها في المستقبل القريب .

محطة
محطة قطار زلمسي ..حتماً سأعود إليك

عدنا إلى الحياة المدنية من جديد بعد أن قد قضينا الأيام السابقة في سالسبيرغ وزلمسي ( في الريف النمساوي ) ، كنا سعداء والتنقل في الشوارع الفسيحة ومترو الأنفاق والميادين الكبرى والساحات العامة ، في ميونخ هناك أمرٌ جميل قد يكون إيجابياً في نظر البعض وقد يكون سلبياً في نظر البعض الآخر ، عدد السياح قليل أو لنقل أنه لا يشبه ما هو موجود في فيينا أو سالسبيرغ أو زلمسي ، أحياناً حينما نفتح الخريطة أنا وهاني في عربة مترو الأنفاق كنا عادة الوحيدين الذين نقوم بذلك بمقارنة ببقية الركاب الذين المحطات ، عندما كنا في فيينا كان الأكثرية يصطحبون معهم خرائط بينما في ميونخ العكس تماماً ، برأيي أنني وجدت ذلك إيجابي فكم جميل أن تزور مدينة ما وتعيش مع سكانها بطريقة اعتيادية تماماً ، تشاهدهم في حياتهم الاعتيادية كيف يسيرون وكيف يتنقلون وكيف يعيشون ، كل ذلك رغم أنني قرأت بأن عدد سياح ميونخ يبلغ ستة ملايين سائح كل عام.
كانت محطة القطارات في ميونخ هي الأكبر ، كأنها مطار دولي وليست محطة قطارات ، لم يدم انتظارنا طويلاً حتى أخذنا سيارة تاكسي واتجهنا إلى الفندق الجميل ضمن سلسلة فنادق accor وبصراحة ورغم أن قيمة الفندق لم يتجاوز 50 يورو إلا أن أثاثه كان جميلاً إضافة إلى أن محطة مترو الأنفاق تبدو قريبة منه ويمكن الوصول إليها مشياً على الاقدام ( يوجد أكثر من فندق acoor في ميونخ ) .

سعدنا
سعدنا كثيراً لتوفقنا بالسكن المناسب بسعر معقول ( جداً )

عندما تأكدنا من حجز السكن وموقع الفندق تنفسنا الصعداء كما يقولون ، لأنها الخطوة الأولى والأهم في السفر إضافة إلى مدى قربه من وسائل المواصلات ، بعدما ارتحنا قليلاً من عناء رحلة القطار التي دامت ثلاث ساعات اتجهنا لاستكشاف المدينة عن قرب.

شوارع
شوارع ميونخ قد تبدو الأكثر اتساعاً في أوروبا

حصلنا على تذاكر " مترو الأنفاق " لثلاثة أيام بمساعدة عجوز طاعن في السن بسبب غياب اللغة الإنجليزية تماما في اللوحات الإرشادية للحصول على الخدمات وكانت اللغة الألمانية معضلة كبيرة وعانينا منها كثيرا.
وصولنا وافق يوم جمعة ، وكان فريق المدينة العريق " بايرن ميونخ " يستعد لمباراة في الاستاد الجديد أمام فريق " هرتا برلين " ، كنا متشوقين أنا وهاني لحضور المباراة بشكل كبير خصوصاً وأن الاستاد الجديد سيحتضن مواجهات مونديال كأس العالم القادم.
توجهنا مباشرة إلى الاستاد الدولي في وقت وجيز لم يتجاوز 8 دقائق من الفندق إلى الملعب ، كل ذلك بفضل سلسلة قطارات مترو الأنفاق الذي توضح لنا كم نحن متأخرين فعلاً في وسائل النقل ، قلت لهاني " قارن الوقت حينما نود الذهاب لاستاد الملك فهد على سبيل المثال ، لا يوجد مجال للمقارنة " .

صورة
صورة من داخل إحدى عربات الأنفاق ، لا يوجد أي إزعاج رغم العدد الكبير

إحدى
إحدى اللقطات المفضلة لهاني

استاد
استاد ميونخ الجديد ، جوهرة الملاعب العالمية

السياح
السياح يتوافدون في كل وقت لزيارة الملعب

الملعب كان جوهرة من الخارج بكل ما تحمله الكلمة ، لم نتيقن بأنه الملعب الجديد إلا عندما وصلنا إليه فعلاً ، من الخارج كان مجرد مبنى مقفل وأشبه ما يكون بجوهرة أو حجر ثمين .
سعادتنا بمشاهدة الملعب لم تدم طويلاً بعدما أخبرتنا المسئولة بأنه لا توجد تذاكر لمباراة الغد ، اسقط في أيدينا رغم أنه سمح لنا بالدخول ( كحال السياح الآخرين ) بمشاهدة الملعب عن قرب .
عدنا أدراجنا إلى وسط المدينة للتجول في ساحاتها وميادينها ، كان أكثر ما يميز ميونخ أنها تجمع المدينة التاريخية بمبانيها العملاقة وكنائسها الضخمة ، كما تشعر حيناً بأنها مدينة عصرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
توجهنا إلى شارع أو ساحة " مارين بلاتز " وهي ساحة كبيرة والتجول بها جميل وممتع ، قضينا بقية اليوم في وسط المدينة بين شوارعها الجميلة ومقاهيها المنتشرة والغريبة أحياناً .
ظهر اليوم التالي عند الواحدة ظهراً توجهنا إلى ملعب ميونخ علنا نتمكن من شراء تذاكر بطريقة أو بأخرى ، لم نجد أي أثر لباعة " السوق السوداء " رغم أننا كنا على استعداد لدفع قيمة مضاعفة للتذكرة ، فاجأني هاني وهو يطلب القلم مني ويكتب على ورق مقوى جملة ( نريد تذاكر ) ، ضحكت من أعماق قلبي على جرأة هاني وحماسه الكبير .. مشينا عكس الحشود لكننا ورغم ذلك لم نظفر بأي تذكرة .. بل سرعان ما انضم إليها عدد من الراغبين في شراء تذاكر ،وللأسف لم نتحصل على أي بوادر لمن يرغب في بيع تذكرته .

حشد
حشد من أنصار بايرن ميونخ وهم يتجهون للملاعب بكل نظام رغم أعدادهم الكبيرة

رغم أن المباراة ضمن الدوري المحلي إلا أننا شعرنا بأنها نهائي كأس العالم ، قبل المباراة بساعتين ستشاهد الجماهير بكافة الأعمار ترتدي ملابس بايرن ميونخ وتحمل صور اللاعب الشهير " بالاك " ، بل أن العجائز وكبار السن كانوا يلفون شال الفريق الأحمر على العصا التي يتكئون عليها ، الأطفال والكبار جميعهم يرتدون اللبس الأحمر ويقرأون الصحف الرياضية التي تغطي الحدث .
مشاهدة المشجعين الألمان العمالقة فعلاً ستشعرك بأنك مجرد طفل صغير لم يتجاوز الثانية عشر من عمره ، ولو كان أبو ناصر موجوداً – وهو صديقنا ذو الجسم الفارع والأكبر جسدا بيننا – ربما ينظرون إليه كـ " قزم " .
التعليق الذي ضحكت عليه من أعماق قلبي حينما قال هاني وهو ينظر بدهشة إلى هؤلاء المشجعين ( تصدق .. والله إنها شوي إننا ننهزم منهم بثمانية صفر ) .
تركنا الملعب والمباراة واتجهنا لزيارة " برج BMW " وكان الحظ السيئ واقفاً ضدنا حين أخبرنا المسؤول بأن المعرض المخصص للسياح لشرح كيفية صناعة سيارات BMW تحت الصيانة ولا يمكن دخوله .

إجراءات
إجراءات الصيانة في المعرض منعتنا من الدخول ولكن لم تمنعنا من التصوير !

كانت الساعة حينها تقارب الرابعة عصراً ونحن لم نشاهد المباراة ولم نزر معرض BMW ، لترضية أنفسنا توجهنا إلى مطعم بيتزا هت قريب من البرج لتناول طعام الغداء ، كنا جائعين لكوننا لم نتمكن من إدراك وجبة الإفطار في الفندق .
لاحت الحديقة الأولمبية قريبة جداً ففضلنا التجول فيها حتى الوصول إلى الملعب الأولمبي الشهير الذي يقارب من تصميم استاد الملك فهد الدولي ، الحديقة كان جميلة جداً وهادئة وممتازة جداً لهواة المشي أو هواة ركوب الدراجات الهوائية التي كنا نرغب كثيراً في استئجار إحداها لكننا للأسف انتظرنا طويلاً دون فائدة لعدم وجود المسؤول .

الحديقة
الحديقة الأولمبية جميلة جداً لهواة المشي وركوب الدراجات

في السادسة توجهنا إلى المارين بلاتز وهي ساحة شهيرة تجمع كل السياح تقريباً ووجدنا هناك الكثير من السائحين العرب ليصبح الأمر وكأننا نتجول في احد شوارع مدينة عربية وليست ألمانية ، بقينا حتى التاسعة ليلاً ثم عدنا للفندق بعد يوم كان مليئاً بمواقف الحظ السيئ !

المارين
المارين بلاتز مليئة بالسياح وقد لا تجد مكاناً للجلوس وشرب كوب قهوة في أحد محلات الكافييه المنتشرة

النافورة
النافورة الشهيرة في آخر أطراف الساحة

في اليوم الثالث جهزنا أنفسنا مبكراً للذهاب إلى موفي بارك وهو موقع استديوهات يتم فيها تصوير الأفلام السينمائية على نمط ( يونيفرسال ستديو الموجودة في لوس انجلوس بأمريكا ) ، الاستديوهات ليست قريبة تماماً من ميونخ حيث يحتاج الأمر التنقل من " مترو الأنفاق " إلى " الترام " الذي ينتهي في هذه الاستديوهات التي تعد زيارتها أمراً جميلاً حيث يمكنك مشاهدة كيف تنتج الأفلام بالإضافة إلى عروض واقعية لكيفية إخراجها .

عروض
عروض تمثيلية لتوضيح كيفية الخدع السينمائية

كان أكثر ما أضحكنا أنا وهاني عندما تجولنا بصحبة " القروب " إلى داخل الاستديوهات الداخلية ، كان المرشد " سباستيان " يطرح أسماء أفلام ألمانية بين الحين والآخر ، فمثلاً يقول .. هنا تم تصوير الفيلم الشهير رجال الحرب .. من المؤكد أنكم شاهدتموه ، تكون إجابتنا ( لا للأسف ) ، يتكرر الأمر بعدها بلحظات ، هنا تم تصوير الفيلم الأشهر في تاريخ السينما الألمانية .. لا تقولوا بانكم لم تشاهدوه ، وتكون إجابتنا ( لا لم نشاهده ) ، كانت النكتة حاضرة حينما أوضح لنا إحدى الأساليب السينمائية وقال ( هذه الحركة نفذت في الفيلم الأمريكي فوريست جامب ) ، كانت إجابتنا جميعاً بصوت واحد .. نعم نعم هذا الفيلم شاهدناه .

جانب
جانب من شوارع الاستديوهات لتصوير الأفلام القديمة

هاني ألمح لي أكثر من مرة بأنه سيقول لـ " سباستيان " ( تراكم ماخذين مقلب في السينما الألمانية .. محد يشوفها ) ، هاني تراجع عن ذلك تقديراً لجهود المرشد المميزة معنا .

مكان
مكان التصوير الحقيقي لأحد الأفلام الشهيرة التي لم أعد أتذكر اسمها

الزيارة أخذت أكثر اليوم ، حينها عدنا لوسط المدينة وتجولنا في منطقة تاريخية لم أعد أتذكر اسمعها بشكل صحيح ولكنها كانت تضم مبان تاريخية جميلة وأنيقة جداً والمعيشة تبدو في تلك الأحياء أكثر من رائعة لدرجة أنك تشاهد الابتسامة مرسومة على شفاه كل من تقابل .

جانب
جانب من المباني التاريخية العملاقة وسط مدينة ميونخ

جانب
جانب آخر من المقاهي المنتشرة على أطراف الطريق

عدنا للفندق وفتحنا أجهزتنا للدخول في مواقع الفنادق للبحث عن فندق مناسب في مدينة زيورخ السويسرية وحرصنا أن يكون من نفس سلسلة الفندق الذي نقطنه في ميونخ لنكمل به محطتنا الخامسة في جولتنا الأوروبية.

أحمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى