رسائل المجموعة

جامعيات برتبة طقاقة

فاجأتني إحدى الأخوات الصحفيات بسؤال عن التفسير الاجتماعي لانخراط بعض فتياتنا سواء ممن أكملن تعليمهن الجامعي أو ممن هن دون ذلك في العمل كمطربات أو ما اصطلح المجتمع على تسميته (طقاقات) في الأعراس والمناسبات فقلت لم أكن على علم ببروز هذه القضية في مجتمعنا ربما لأنها لم تشكل ظاهرة اجتماعية بعد, ولكن ربما بحكم قربك أنك كأنثى من عالم النساء تستطيعين ملاحظة ما يحدث في هذا العالم من تحولات وتبدلات لا نراها نحن الرجال.

تأملت مليّاً في سؤال الأخت الصحفية فلم أجد تفسيراً اجتماعياً لهذه القضية يمكن أن يتجاوز الاحتمالات التالية:

1- ندرة الفرص الوظيفية المتاحة للفتاة السعودية.
2- تنامي حاجات أفراد المجتمع وعجز الأسر عن تلبية متطلبات الأبناء.
3- الرغبة في تحقيق مكاسب كبيرة بأقل قدر ممكن من التكاليف.
4- تنامي الفردية والتفكك الأسري وسيادة السلوك الاستهلاكي وانحسار مفهوم العيب الاجتماعي نتيجة العمليات التنموية المتسارعة والزيادة الهائلة في النمو السكاني واستقطاب المدن لأكثريتهم.

هذه الظروف الضاغطة في ظني هي التي قادت بعض الفتيات لدينا إلى تجاوز العيب الاجتماعي والانخراط بمثل هذا العمل. فالخيارات أمامها قليلة جداً, وهذا العمل رغم ما يرتبط به من نظرة اجتماعية سلبية إلا أنه بالنسبة للفتاة أقل ضرراً من الانخراط في أعمال أخرى.

لقد أشرت أكثر من مرة إلى أننا أمام نمو متسارع في حجم مجتمعنا وأن هذا النمو أفرز واقعاً جديداً يتطلب التعامل معه شيئاً من المرونة وإفساح المجال أمام عمل المرأة في مجالات مشروعة خاصة في ظل ازدياد معدلات الأسر الفقيرة وانتشار الأرامل والمطلقات والعوانس والأيتام ممن لا عائل لهن ولكن الاستجابة ظلت محدودة تحت دواعي الخصوصية وغيرها من المبررات التي تتغافل عن هذا الواقع الجديد وتريد الإبقاء على مجتمع المرأة في حالة من السكون.

المجتمعات تنمو باستمرار وهذه سنة كونية وفي حالة النمو لابد أن يتحرك المجتمع لمجابهة متطلبات شرائحه المختلفة وإلا فإن تلك الشرائح سوف تتحرك بذاتها بعيداً عن مثاليات أولئك الذين يرفلون بالنعم هم وأسرهم ويطلبون من الآخرين الصبر على الفقر والجوع والعطش والبطالة. وما اتجاه الفتيات السعوديات إلى الطرب إلا دليل على نفاد صبرهن من واقع يندر أن يجدن فيه فرصاً وظيفية مقبولة اجتماعياً ورغبتهن في تحقيق مكاسب خيالية من الناحية المادية بطريقة مشروعة وبأقل قدر ممكن من التكاليف وعدم اللجوء إلى أمور محرمة شرعاً.

لست ممن يتمنى أن يرى بنات مجتمعه عبارة عن مجموعة من الطقاقات بل أريد أن أرى الطبيبة والتاجرة والمهندسة والإعلامية والاخصائية الاجتماعية وأخصائية العلاج الطبيعي ومنسقة الزهور والكاتبة الصحفية والمعلمة والخياطة ومصففة الشعر وغير ذلك من المهن التي يحتاج إليها مجتمعنا وتسهم في تطويره ونمائه ولكن ماذا عن مجتمع يبيح لفتياته العمل كطقاقات تحت دواعي الخصوصية ويغلق كل الطرق المشروعة لانخراطهن في سوق العمل المنتج والمثمر? فما دام الحال كذلك فإن المرء يخشى أن تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ في المستقبل عندما تعجز الفتاة حتى عن أن تجد لها مكاناً في عالم الطقاقات. إذن افتحوا مجالات العمل الشريفة أمام المرأة, وإلا تحمّلوا ما سترونه في المستقبل من مفاجآت غير سارة لا سمح الله… هذا وللجميع أطيب تحياتي.

د.عبدالله محمد الفوزان *
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى