رسائل المجموعة

تحية وتقدير لهذه المرأة

تحية إجلال وتقدير لهذه المرأة , وهدية لكل انسان تخلى عن مبادئه, والى كل من أغوته المادة

محامية اعتقلت 17 سنة واتهمت بالجنون
عراقية أدمنت السجون واغتصبت لدفاعها عن مصري اتهم بسرقة عدي

مازالت العراقية لهيب نعمان(48سنة) محتفظة بشعار "لست مجنونة ولا مجرمة" كتب بحبر اسود خطته
قبل سقوط نظام حكم البعث احتجاجا على سوء المعاملة التي لقيتها على مدى سنوات طويلة في عهد النظام السابق, لا لشيء سوى أنها حاولت أن تمارس مهنتها كمحامية في شكل مهني ونزيه.
كان ذلك قبل نحو عشرين سنة, عندما قبلت توكيلها للدفاع عن عامل مصري اتهم بسرقة جهاز فيديو تابع لعدي نجل الرئيس صدام حسين. فاعتبرت السلطات العراقية موقفها شاذا, وشنت عليها حملة شعواء تعرضت خلالها للسجن أكثر من مرة, وقضت 17 سنة متنقلة بين سجن وآخر, وعذبت واتهمت بالجنون وأدخلت مستشفيات للعلاج النفسي.
كانت لهيب قبل ذلك التوكيل تعيش برغد نسبي في منزلها الواسع, المليء بالأثاث الفاخر وأقفاص الطيور التي كانت تعشقها, إلى جانب عدد من القطط والكلاب.
لكنها اليوم تقيم في منزل صغير من غرفتين فيه أثاث بائس. انه جزء من الثمن الباهظ الذي دفعته في مقابل جرأتها ونزاهتها ودفاعها عن الحق.
للهيب 12 أخا وأختا من عائلة ثرية, إذ كان والدها وكيلا لعدد من الشركات الأجنبية في العراق. تذكر أنها في طفولتها كانت مولعة بالحيوانات الأليفة التي كانت تملكها عائلة جارهم عبد الكريم قاسم في بغداد الذي انتقل من الحي فجأة ليصبح أول رئيس جمهورية في العراق, بعد إطاحته العائلة المالكة والسيطرة على زمام الحكم حتى عام 1963, حين قتل في انقلاب عسكري آخر.
تخرجت من كلية الحقوق في جامعة بغداد عام 1978 وعملت محققة في وزارة العدل, لكنها سافرت إلى باريس وأكملت تخصصها في القضاء الجنائي, قبل أن تعود إلى بغداد وتبدأ مزاولة عملها كمحامية دفاع مستقلة. ولم يمض وقت طويل حتى حضر إلى مكتبها شخص يعمل حارسا في أحد السجون, وطلب منها الدفاع عن عامل مصري يدعى نادي, كان يواجه عقوبة الإعدام لاتهامه بسرقة جهاز فيديو لعدي.
تقول لهيب إن حارس السجن أكد لها براءة نادي من التهمة, ورجاها أن تدافع عنه.
ترددت في البداية, لكنها وافقت مدفوعة بحرصها الشديد على العدالة, وعندما وصلت السجن في أول زيارة للمتهم, أشار السجانون إلى الغرفة التي كان موقوفا فيها. فجأة سمعت صراخا من الغرفة, ولاحظت أن بابها مشقوق, فتمكنت من رؤية المحقق يعذب المتهم بالصدمات الكهربائية, والأخير يصرخ "أنا بريء".
تأثرت لهيب جدا بهذا المشهد, وقررت الدفاع عن الرجل ونجحت في تبرئته وضمان إطلاقه, ثم اشترت له تذكرة سفر بالطائرة ونصحته بالعودة إلى عائلته. ولكن لم يمر سوى أسبوع على انتهاء محنة نادي لتبدأ لهيب محنتها, إذ اعتقلتها الشرطة بتهمة التحدث علنا عن القضية, وعن التعذيب وتوجيه انتقادات إلى النظام القضائي في العراق.
قضت تسعة شهور في سجن الكاظمة تعرضت خلالها للتعذيب الجسدي. وسعت عائلتها إلى أطلاق سراحها, ونجحت أختها أخيرا في أقناع طبيب نفسي صديق للعائلة بإصدار تقرير أشار فيه إلى أنها تعاني حالا نفسية سيئة وانفصاما في الشخصية.
قبلت لهيب هذا التشخيص كأهون الشرين, لكنها اكتشفت أن السلطات أمرت بإحالتها على مستشفى للأمراض النفسية, أخضعت فيه لمدة شهر للعلاج بالصدمات وبأدوية وعقاقير شديدة التأثير.
في عام 1986, وبعد وقت قصير على خروجها من المستشفى اعتقلت مجددا بتهمة شتم عائلة صدام, الأمر الذي مازالت تصر على أنه لم يحصل, وزج بها في سجن الظفارنية ستة شهور, وأطلقت مجددا بحجة وضعها النفسي الذي أصبح عذرها كل مرة تعتقل, على رغم ما انطوى عليه من احتجاز في مستشفيات للأمراض العقلية.
في 1987 قررت الحكومة تجريدها من حقها في مزاولة المحاماة، و بدأت مرحلة دامت حتى سقوط نظام صدام، ذا كانت الشرطة تعتقلها لبضعة اشهر، ثم تطلقها لفترة قصيرة لتعاود اعتقالها و تعذب مجدداً. و في إحدى المرات نظمت ضدها عملية اعتداء جنسي من سجينات.
و تروي لهيب أن أول صفعة تلقتها في السجن شكلت مفاجأة رهيبة لها، لكنها بمرور الوقت اعتادت التعذيب الذي أصبح جزءاً من نظام حياتها، إلى درجة أنها لم تعد تأبه لوقفه أو الإفلات منه. و تضيف أنها شاهدت احد الأيام سجانين عراقيين يعذبون جنوداً إيرانيين وقعوا في الأسر أثناء الحرب(1980-1988)، و كانوا يأمرونهم أن يقولوا بصوت عال"صدام حبيبنا"، فتأثرت جداً و طلبت من الإيرانيين أن يمتنعوا عن الاستجابة، فكان نصيبها مزيداً من التنكيل و القي بها في زنزانة ضيقة في القصر الجمهوري.
آخر مرة اعتقلت لهيب ربما كانت الأسوأ. قبل نحو سنة من الحرب على العراق، زارها احد المسئولين في جهاز الأمن و نقل إليها رسالة تقدير من عدي، و إعجابه بجرأتها و تصديها للسلطة، و ابلغها أن نجل الرئيس العراقي يطلب منها أن تعمل مستشارة قانونية للجنة الاولمبية. لكنها رفضت، فأمر بإعادتها إلى السجن، حيث اغتصبت و عذبت على نحو لم تشهد له مثيلاً.
و يقول جيران لهيب أنها كانت تبدو قوية متماسكة في كل مرة تخرج من المعتقل، لكنها أخيرا بدت كأن التعذيب الشديد نال منها قليلاً، إذ لاحظوا أن بعض تصرفاتها غريب. لكن من يتحدث إلى هذه الضحية من ضحايا طغيان حزب"البعث" يجد أنها عادية، فهي تتحدث بهدوء و تلقائية عن أمور كانت تعتبر نمطاً عادياً في ظل حكم صدام.
بعد سقوط النظام استجمعت لهيب قواها، و بدأت تسعى إلى استرداد رخصتها لممارسة مهنة المحاماة مجدداً، و هي واثقة بأنها ستفوز في النهاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى