المتناقضات الرهيبة في حياتنا

معظمنا إن لم يكن كلنا يعيش حياة مليئة بالتناقضات . ! وقليل منا من يشعر بهذه الظاهرة في حياته فضلا عن الأحساس بتأنيب الضمير أو الأحساس بالخطأ على أقل تقدير وأنا هنا لا أتكلم عن الخطأ البين الذي يعلمه جميع الناس كالمحرمات المعروفة في الإسلام مثل الربا والإحتيال والرشاوي وغير ذلك، فهذه معظم المسلمين يستهجنها ولا يقبل بها ولله الحمد ، ولكن الحديث عن المشتبهات أو التي لا يعتقد غالب الناس أنها حرام أو يغضون الطرف عنها ومع ذلك يعرف الجميع أن التعامل بها يحقق مصلحة شخصية ويسبب في أغلب الأحيان أذى للآخرين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة . ولست بصدد تأصيل هذه المسألة شرعيا في هذا المقال وإن كانت قواعد الشريعة تمنع الضرر وتسعى لتحقيق مصلحة العامة ومصلحة الجماعة على المصلحة الشخصية . وهنا أخاطب عقول الناس والمنطق الذي نحاول جميعا التهرب منه ولهذا نتجاهل عامدين وربما غافلين التناقض الرهيب الذي
الذي نتعاطاه يوميا في حياتنا غير آبهين بما يجري للمجتمع من تفسخ القيم وانحدار الأخلاق والشيم وانعدام الوفاء وتفشي الجشع والأنانية . والذي دعاني للحديث عن هذه الظاهرة هو التناقض ذاته !!!!!!!!!!!!!
التناقض وسط هذه التناقضات ففي الوقت الذي نمارس فيه هذه الظاهرة الشنيعة في أقسى صورها نناقض أنفسناعلانية باستهجان هذه الظاهرة ونقدها !! ولكن متى يحدث ذلك وأين ؟
ولعل الجواب على هذا السؤال سيتضح جليا من خلال الأمثلة التي سأذكرها وهي ستعرينا أمام أنفسنا ، ولن يكون هناك أصدق من الأمثلة في كشف الأقنعة ومواجهة هذه المتناقضات .

أمثلة من حياتنا اليومية .

المثال الأول : كثيرا منا يتحدث عن الواسطة وأنها ظاهرة سيئة في المجتمع وفيها هظم لحقوق الناس وما إلى ذلك وخصوصا عندما يكون هو الطرف الضعيف الذي سلب حقه أو لم يحصل على مايريد ولكنه ينسى ذلك كله عندما تتسنى له الفرصة للحصول على واسطة ولم يعد يشعر بالآخرين الذين ربما ظلموا بسببه نتيجة الواسطة التي حصل عليها وهذا مثال عام سنذكر أمثلة خاصة عليه فيما يأتي . وهنا أؤكد على أمر ، وهو أن الواسطة ليست خطأ في كل الأحوال وليس عيبا أو حراما البحث عن الواسطة في ظل الواقع الذي نعيشة وليس عيبا أن نتعاون على قضاء حوائجنا بل إن الشفاعة من العبادات المشروعة يقول عليه الصلاة والسلام : [ اشفعوا تؤجروا ] ولكن الذي نتحدث عنه هي الواسطة التي يترتب عليها ظلم للآخرين أو مضنة وقوع ظلم في الغالب وهنا أقول نعم لا للواسطة هنا وهو التناقض الذي أعنية إذ البعض ينسى في هذه اللحظة ماكان ينافح عنه من قيم عندما كان هو الطرف الأضعف .
المثال الثاني : كثيرا منا يتحدث عن الأضطهاد وعن الظلم الواقع من الحكومة عليه وعلى المجتمع ويبالغ في ذلك ويضرب الأمثلة الكثيرة على ذلك . ومع هذا فإنه يمارس الأضطهاد بأبشع صوره بنفسه عندما تتاح له الفرصة !!
فإن كان هو مديرا في مدرسة تجده يضطهد الطلاب والمدرسين ويحبس أنفاسهم ، وإن كان ربا لأسرة تجده يمارس أبشع انواع القهر والظلم مع أبناءه وزوجته إلى درجة الضرب أو حرمانهم بعض حقوقهم ، وإن كان مديرا لدائرة حكومية تجده يفعل الأمر نفسه ويضطهد موظفيه ويبحث عن زلاتهم ، بل حتى بعض الدعاة والمصلحين ممن يتحدثون عن الشورى تجدهم يمارسون الأضطهاد والتفرد باتخاذ القرارات ومحاربة من ينافسهم في مجالاتهم في الجمعيات الخيرية الرسمية وغير الرسمية وفي الأستراحات والتجمعات الدعوية وبعض الدعاة قد ينشغل عن الدعوة ومصلحتها بحرب شخصية مع أحد منافسيه على الزعامة وقد يعاقب هذا أو ذاك بحجة المصلحة العامة وعدم تفريق الصف وما إلى ذلك .
المثال الثالث : عندما يراجع أحدهم إحدى الدوائر الحكومية بمعاملة له ويجد التسيب الأداري وفراغ المكاتب من موظفيها وعدم وجود من يخلص له معاملته تجده يشتكي ويتذمر هذه الفوضى وربما شتم ولعن واشتكى وراح يتأوه على النظام ومصلحة المجتمع وسوء المعاملة من الموظفين . وفي نفس الوقت ينسى أنه أحد الموظفين في دائرة ما ويمارس نفس الطريقة مع المراجعين الذين يأتونه من دوائر أخرى . تجده غائبا معظم الوقت ، ويؤخر معاملات المراجعين ويقضي معظم وقته في قراءة المجلات وتصريف المواطنين وتأجيل معاملاتهم وفوق ذلك كله تجده عابس الوجه مقطب الجبين في وجوه المراجعين .
المثال الرابع : عندما يتعرض أحدنا أو أحد أقاربنا للأذى في قضية تجدنا ننتقد الأجراءات الأمنية للشرطة أو غيرها من الدوائر الأمنية ونتهمها بالتساهل وعدم اخذها للحق من الظالم وهكذا . ولكن عندما نكون نحن أو أحد أقاربنا الطرف الظالم أو المخطئ تجدنا نغض الطرف بل وننتقد تعسف الشرطة وتسرعها في الأعتقال وننتقد تلك الأجراءات التي من شأنها أن تعيد الحقوق لأهلها . فقط لأننا الطرف المخطئ . ومثل ذلك في أجراءات المرور تجدنا ننتقد تساهل المرور مع من يقطع الأشارة أو مع من يسرع أو يخالف ولكن حينما نكون الطرف المخالف نتعامل بعنف مع رجل المرور ونرى أنه ليس من حقه مخالفتنا وأنه أنسان يتدخل فيما لا يعنيه .
المثال الخامس : الكثير من الناس يتذمر من الغش التجاري في المواد الإستهلاكية ومن غلاء الأسعار ولكن عندما تتاح لهؤلاء الفرصة في السوق ويصبحون من التجار تجدهم يتناسون كل المبادئ والقيم التي يطالبون بها .ويتسابقون على غش الناس ورفع الأسعار غير آبهين بالمواطن المسكين المغلوب على أمره .
والأمثلة أكثر من أن تعد أو تحصى وأترك القارئ ليطلق لنفسه العنان بحثا عن أمثلة أخرى وسيجد الكثير من المتناقضات من حوله . وحقيقة لا يوجد في مجتماعتنا إلا القليل ممن يتحدث بموضوعية واتزان عن مشاكل المجتمع والصالح العام ولا يتأثر بعواطفه وانفعالاته وأما الغالب من الناس فإنهم وأن تحدثوا عن أخطاء المجتمع فإنهم يتحدثون بدافع المصلحة الشخصية لا أكثر . ومتى تحقق لهم مايريدون نسوا كل شي يتعلق بمصلحة المجتمع . وقضية إصلاح المجتمع والنقد البناء قضية نبيلة ومطلب سامي ونسأل الله تعالى أن يوفق مجتمعاتنا للخير وأن يوفق ولاة أمرنا لما يحبه ويرضاه وأن يرزقهم البطانة الصالحة المصلحة ويبعد عنهم أهل الإفساد والمنافع الشخصية إنه ولي ذلك والقادر عليه

مع تحيات المهلب الرويلي  .

Exit mobile version