تأليف / أبو هديب
نشأت سميرة في أسرة فقيرة بل إن الفقر نفسه كان يبحث عن طعام في ثلاجتهم ولا يجد شيئاً ليخلد إلى النوم في أنظف مكان لديهم تحت بيت الدرج لأنه لا يأتيه أحد ..
كانت هوايتها مشاهدة البرامج التي تتكلم عن الجمال من خلال تلفازها القديم الذي لا يعمل إلا بعد أن يتلقى ركلة منها لتهتز الصورة أكثر من مره حتى أن الممثلين يسقطون من طولهم إثر الرجفة لينهضوا ويكملوا البرنامج ..
كانت تكتفي بالنظر فقط وإن حاولت عمل ( ميك أب ) وتشاهد نفسها في المرآة ينتابها شعور بأنها مهرج سيقدم فقرة ترفيهية .. قبحها وقصرها زعزعا الثقة في داخلها وجعلاها تدخل تحدي بأن توقع الشباب في حبها .. وتعرفت على شلة فتيات تفوقن على كلمة الفساد ليعطوها هاتفاً خلويا باسم ( هندي ) لتعبث بأرقامه ليرد عليها أحد الشباب لتتنحنح بصوت جهوري ليقول لها الشاب وين يا عمتي واقفه قدام مايك بتأذنين …
لترد عليه بصوت حاولت جل جهدها أن تجعله ناعماً ولكن الغبار المتراكم على أحبالها الصوتية جعل الصوت يخرج كما صوت منتف القطن .. ممكن أتعرف ؟ ولكن الشاب أجابها ممكن تسكر السماعة لأني مانيب فاضي لأستهبالك يا الحبيب .. قالت له بأنها فتاة وحلفت له الأيمان وكان يقفل السماعة في وجهها وهي تعاود الاتصال حتى أنه أغلق هاتفه الخلوي ولكنها تتصل وكلما سمعت الرسالة النصية
( عفوا أن الهاتف المطلوب لايمكنك الاتصال به الان ) تقول له بدلع يالبى قلبك وقلب تقليدك الحقيقه قدرت تسحبني وتخليني أصدق أنك تقلد يا الله عاد غير هالاسطوانة تراني كاشفتك وتكلم معي زين .. ضلت هكذا حتى فتح هاتفه لتتصل عليه وهو يقول لها بغضب .. ما تفهمين أنا تطوعت خلاص .. قاطعته بدلع وبتنحرف على يدي .. قال لها بكل امتعاض أصلا أنا ما تطوعت إلا على يدك .. قالت له بدلع أي يد وأجابها بنفس الامتعاض اليمين لتقول له أجل أبخليك تنحرف باليد اليسار هاها ..
أقفل الخط في وجهها لتمسك بالهاتف الخلوي وتسأل نفسها أنا بنت صدق وإلا ولد مسوي نفسه بنت هذا خامس شاب أحاول أتعرف عليه وما يعطيني وجه .. قامت بتصوير نفسها وإرسال صورتها إليه وسائط ليرسل لها رسالة مفادها .. هذي صورة الشيطان اللي متلبسك .. استحي على دمك لك عين ترسلين وجهك هاللي أبنزله في جهازي واخليه مضاد للفيروسات ..
أرسلت لصديقتها الكاش رسالة الشاب لتتصل عليها وهي تقول لها .. أنا يا ( ريهام ) تعبت عمري طق الخمسة وثلاثين ومازلت عند أهلي صرت تمثال الحرية في الحارة .. أنا مستحيل أتزوج دام أهلي فقراء شوفي لي حل .. قالت لها ( ريهام ) أنا عندي حفلة شباب وبنات خليطي عشان عيد ميلادي تعالي وحاولي تعلقين لك شاب وعيشي معه قصة حب وتزوجيه
عزمتها ( ريهام ) في منزلها لتأتي إليها بتاكسي وهي ترتدي أبهى حله لديها لترسل ( ريهام ) الخادمة وتدفع قيمة الأجرة لتدخل عليهم في الحفلة ومعها مهفة بثوبها البني ليقول أحد الحضور وش هالفلم الياباني اللي يمشي ليستفرغ من استفرغ من الحضور وكتم من كتم ضحكته على لباسها لتقول ( ريهام ) أعرفكم على صديقتي الجديدة ( سميرة ) تعرفت عليها .. لكزتها ( سميرة ) وهي تقول ماله داعي تقولين عند المسجد يوم جيتي تصلين التراويح أنت وأمك .. دخلت وجلست بجانب أحد الشباب الذي أبتعد قليلا لتلتصق فيه وهي تقول أنت مرتبط ليتطلع إلى ساعته وهو يقول تقريبا بعد ساعة مواعد الشباب أبروح لهم ..
لتنهض وهي تقول ما توقعتك شاذ ( أبوك يا الفهم الغلط ) ..
أخذت تدور في الحفل بكل ثقه والتعليقات تنهال عليها من كل حدب وصوب ومن صوب وحدب منهم من يقول يا عمتي وش هالبلاكاش اللي لابسته ومن من يقول وجهك ناقصته أزرة ويطلع بالطوا من طوله .. ولكنها وقفت بجانب البوفيه المفتوح وهي تقول ممكن تعطيني من هذي الكيكة شوي .. أجابها الموظف هذي يا طويلة العمر ورده بلاستك ..
ابتسمت وهي تقول ذكي مشاء الله عليك كنت اختبرك لتخرج أسنانها الصفراء من جراء الابتسامة ليقول لها أحد الحضور تمضمضي بكلوركس وإلا سوي جلي بلاط لسنونك .. خرجت وأخذت ورده من الحديقة لتذبل الوردة بمجرد أن رأت وجهها ليأتيها أحد الشباب ويقول لها يا أميرة ديانا عطينا وجه جعله في هالثوب اللي لابسته كنه تابوت دراكولا ..
قالت وهي تلتفت إليه وتحضنه أنا كلي لك مهوب وجه بس .. من شدة خوفه ولسرعة ردة فعلها بادرتها بردة فعل مماثله فكسر الكأس على رأسها لتسقط في النافورة ويتغير لون الماء ويتحول إلى اللون البني ولتتوقف عن ضخ الماء وكأن كبدها تريد الخروج من محركها من شدة اللوعة .. ليخرجها العاملون وتقترب منها ( ريهام ) لتمسك بها ( سميرة ) وهي تهمس في اذنها .. أبسوي نفسي مغمي علي وقولي للشباب من يعطيها قبلة الحياة .. سمعت( ريهام ) حديثها ونفذته فما كان من الشباب إلا أن حضوار وبصقوا كلهم في وجهها حتى أصبح حوض نافورة بأنفها البارز من كثرة البصاق ..
لتنهض وهي تمسح وجهها في فستان ( ريهام ) التي ابتعدت عنها لتقف ( سميرة ) وهي تصرخ مافيه أحد عطاني قبلة الحياة مع الأسف ضيعتوا على أنفسكم فرصة أني أهب نفسي لواحد منكم قاطعها شاب قد وصل حد الثمالة من السكر وهو يقول يا عمتي طيري شوفي كمية المكياج اللي انت حاطته طالع وجهك كنه جدار في ايكيا جايتنا ولابسه ثوب من أيام المماليك فكرتك بتصورين مشهد تاريخي .. لا تصدقين نفسك ترى جبناك هنا عشان نضحك عليك …
مسحت الماء من شعرها وهي تنظر للجميع لدقائق معدودة ومن ثم قالت وش عليكم تدشرون وتضيعون وتلقون في النهاية كل شي تبونة أما حنا لا لازم نضيع عشان نلقى من يشوفنا .. لكن أنا الغلطانه اللي نزلت نفسي لكم .. صرخ شخص آخر من بعيد أنت عندك فكره أنك لو نزلتي نفسك ألين عند بليس مهوب شايفك روحي حلاة جسمك هالنحيف أنت لو أنك عندي كان أخذت راسك حطيته جراب للقير حق سيارتي ..
ضحك الجميع ليكمل حديثه .. بالله عليك شوفي مفاصلك كنها لعبة النقاط اللي توصل خطوط مع بعضها ألين يكمل مربع بعدها يكتب أول حرف من أسمة .. ضحك الجميع مرة أخرى ليستطرد قائلاً وفوق هذا كله قصيرة يعني اللي بياخذك ما تقدرين تسافرين معه شهر العسل لأوروبا لان ربط الحزام أجباري وأنت ان ربطتيه بجي على وجهك لازم تربطينه وأنت واقفة .. بعدين ودي أعرف إذا جيتي ترقين الدرج ترقينه عادي وإلا تحبين على يديك ورجليك بحكم أن الدرجة أكبر من خطوتك .. سعل ووضع يده على فمه وهو يرفع يده ويقول ..
سؤال أخير أنت تشربين مويه من البرادة وإلا تاخذين الكاس وتروحين دورة المياه تعبينه من البزبوز الأرضي عشانه الوحيد اللي تطولينه .. قاطعه آخر وهو يضحك .. إذا جوكم ناس وحطوا أهلك الشاهي والقهوة يحطونك في المشاية عشان ما تكبين الحار … صرخت فيهم مسوين تذبون علي أنتم وجيهكم كلها قص ولصق عالاقل أنا وجهي طبيعي مافيه نفخ وسليكون وتعديلات .. قاطعها أحد الشباب أنت ينطبق عليك المثل أن كنت لا تعلم فهي مصيبة وأن كنت تعلم فالمصيبة أكبر اللي عندك في الأساس مهوب وجه موطى رجل عجوز معرعر ..
قالت لهم يا حبيبي أنا يكفي أن قلبي طاهر وأحط راسي على المخدة ومافيه هم يشغل بالي من هموم الدنيا … رد عليها نفس الشاب وين تجيك الهموم ومخدتك محشية تبن حتى الهموم لو فكرت تجيك يجيها دسك من قساوتها .. رفعت يديها بحركة مسرحية لتحاول قول شيء ولكنه قاطعها بقولة .. شوفي حتى حركة يديك واضح أن فيه واحد من فوق النافورة يحركك بأسلاك .. قومي الله يرضى عليك وأطلعي برى بعد اذن الشيخه ( ريهام ) ..
تقدمت خطوة بثيابها المبللة وهي تقول طول هالفترة كنت أضن الفقر عيب وأن الفقر قاطع رزقي من النصيب لكن يوم شفتكم أفضل العنوسة على أني آخذ واحد مثلكم همة نفسه وبس وساعة صدره .. أعطاها ظهره وهو يقول لها شوفي أن ما رحتي من قدامي ترى أبرفع ثوبك وأفك الحجر اللي في رجليك ثمن تطفين ونقلبك طفاية زقاير تطلعت إليه وهي تقول باز بوجهك هالدائري كنه جاكوزي .. ابتسم ليرد عليها بالله عيونك هالصغار لو بغيتي تحطين كحل فيها وش تسوين هل تغمسين حافة فرجار في مكحله وإلا تخلين وحده تطحن لك فحم وتقربين منها وأنت مغمضه عينك وتنفخ هي فيها ويلصق الفحم في رموشك ويصير كحل .. تجاهلت حديثه لتكتفي بالبصقة التي بصقتها وتخرج بعدها والرجل يقول لحد يقرب من تفلتها ترى مواد كاويه ألعن من الأسيد ..
خرجت ( سميرة ) وهي تشعر بأنها كانت ضائعة في معتقداتها وعرفت نفسها ووجدتها بعد تجربتها هذه التي خاضتها بحلاوتها ومرارتها وفي الصحيح بمرارتها لأنها إلى هذه اللحظة لم تتزوج وضلت تصنع فنائل الصوف حتى وصل صيتها فوق لتقوم بنسج فنائل المنتخب السعودي ليلبسوها وينهزموا من ألمانيا ثمانية صفر واعتقلت ( سميرة ) بتهمة الدنبشة لصالح الألمان وإلى يومكم هذا وهي في السجن تصرخ بأننا شعب دائما نعلق فشلنا على الآخرين لتقوم بنسج ملابس المساجين وكل شخص يلبس من نسجها تضاعف محكوميته حتى لو كان ذو سلوك طيب
ضلت هكذا حتى يومنا هذا مؤمنة بأن يوما ما سوف يبتسم لها الحظ وأن الحياة كفاح تستحق أن نقاتل من أجلها
النهاية
مع تحيات / أبو هديب
الإيميل
allmbe1@hotmail.com