منوعات

ما هو الأفسنتين ؟ ولماذا حظرته أمريكا وأوروبا قبل 100 عام؟

الأفسنتين مشروب له تاريخ حافل بدءًا من أنه كان أساسًا طبيًا وعلاجًا سحريًا إلى أن أصبح من أدوات القتل والجريمة. فما هذا المشروب؟ ولماذا كان محظورًا في بعض دول العالم؟

الجذور الطبية

أفسنتين
هو مشروب مقطر بنكهة الينسون، وقد بدأ استخدامه لأغراض طبية وليس كمشروب كحولي. واستُخدم لأول مرة لدى الإغريقيين القدماء للولادة. ويُرجِع العلماء الفضل في اختراعه لـ “مدام هنرييت هنيرود” من قرية “كوفيت” السويسرية في منتصف القرن الثامن عشر. ويرجع تاريخ أقدم وصفة مكتوبة للمشروب للعام 1794م لـ “أبرام لويس بيرينود” والذي كان سببًا في نجاح مصنع “Pernod Fils”.

الأفسنتين كمنشط

فرنسا
ساهم الطبيب “بيير أوردينير” على نشر الأفسنتين كعلاج بعد فترة من اختراعه. وفي عام 1840م عملت الحكومة الفرنسية على إرساله إلى جنودها المقاتلين في الجزائر، حيث كان يُعتقد أنه ينقي المياه لجعلها صالحة للشرب، ولمنع انتشار الملاريا. واستمر الأمر حتى بداية الحرب العالمية الأولى. وقد زادت شعبية الأفسنتين، فقد أصبح مشروبًا لجميع الناس بعد أن كان للطبقة العليا والمتوسطة.

الأفسنتين.. الجِنيّة الخضراء

أفسنتين
زادت شعبية الأفسنتين أكثر، وقد أصبح يُعرف بـ ” la fée verte” أي الجِنيّة الخضراء، حيث بدأ يُشاع عنه أنه يسبب الهلوسة. ويرجع السبب في ذلك؛ لانخفاض جودة الإنتاج خلال مرحلة التقطير والتي كانت تترك السموم في المشروب مثل كبريتات النحاس، والتي تؤدي إلى إكساب اللون الأخضر للمشروب. وقد أجرى الطبيب الفرنسي “فالنتين ماجنان” تجربة على الحيوانات وذلك بتغذيتها على “ثوجون” وهو مركب كيميائي سام موجود في أحد المكونات الأساسية للأفسنتين. أدى لإصابة الحيوانات بنوبات من الاختلاجات “انقباض لا إرادي للعضلات”، وكان ذلك دليلًا على خطورة هذا المشروب.

الأفسنتين في الفن

L'Absinthe
وجدت قائمة من الفنانين الإلهام في الثقافة المحيطة بالأفسنتين، منهم: بابلو بيكاسو، وفان جوخ، وهنري تولوز لوتريك، وإدجار ديجاس، وكان إرنست همنجواي من المؤيدين لهذا المشروب وذلك خلال فترة وجوده في إسبانيا. وقد كان للفنان ديجاس لوحة أطلق ” L’Absinthe” “الشراب المُسْكِر” عام 1876م والتي استُخدمت فيما بعد كصرخة ضد المشروب.

لعنة المشروب والحظر

أفسنتين
وقد تشكّلت موجة مضادة للمشروب وذلك عام 1905م حين قتل “جان لانفاري” زوجته وابنتيه بعد يوم من إثقاله للشرب. وبعد مرتين من شرب الأفسنتين، وسبعة كؤوس من النبيذ، وقهوة مع البراندي، ولتر آخر من النبيذ، استهلكها جميعها بعد عمله دخل في خلاف مع زوجته انتهى بقتله لزوجته وابنتيه. ومن هنا بدأت المطالبة بحظر المشروب في سويسرا حيث وقعت الجريمة، وحصلت عريضة الحظر على 82 ألف توقيع. وقد أقدم لانفاري على الانتحار شنقًا في السجن بعد مرور ثلاثة أيام على الحبس.

على الرغم من أن لانفاري استهلك كميات كبيرة من النبيذ فقد أطلقت الصحافة على الجريمة جرائم قتل الأفسنتين. فقد تم الربط بين الأفسنتين وبين تسببه بالجنون والفساد الأخلاقي. وقد عانت صناعة النبيذ في فرنسا في القرن التاسع عشر من تفشي الحشرات. وبعض الأخبار السلبية ضد الأفسنتين كانت قادمة من القطاع الصناعي نفسه. وقد كانت هناك مشاكل متعلقة بصناعة أنواع النبيذ، فكانت المشروبات المقطرة في المنافسة كونها الأرخص. لكن غياب رقابة الجودة هي التي أنهت الأفسنتين.

تم حظر الأفسنتين في بلجيكا عام 1905م، وفي هولندا وسويسرا عام 1910م، وفي الولايات المتحدة تم حظره عام 1912م ، حيث كان المشروب أكثر شعبية في مدن نيو أورليانز ونيويورك. أما في فرنسا فقد تم استهلاك 36 مليون لتر منه في السنوات الخمس التي سبقت الحظر عام 1915م. لكن إسبانيا لم تحظره مطلقًا، واستمر إنتاج مصنع “Pernod Fils” خارج حدود تاراجونا في ستينيات القرن الماضي. ولم يكن الجميع متفقًا على حظر الأفسنتين، وبعض الخبراء من أصرّ على فوائده الصحية، ورأى البعض أن قوانين الحظر كانت ضد الحرية الشخصية.

ماذا يوجد داخل الأفسنتين؟

أفسنتين
يتكون المشروب من ثلاثة أنواع عشبية، وهي: مرارة الشيح والينسون الأخضر والشمّر الحلو. يتم خلط هذه الأعشاب في مقطرة قبل إضافة الكحول إليها، وتسخن المقطرة لتكثيف الكحول. ويتم شرب الأفسنين في كوب من جزأين. الجزء العلوي يتم ملؤه بالثلج والسكر ويتم إضافة الماء البارد الذي يتسرب إلى الأسفل، حيث يخلق تأثيرًا مسئولًا عن مذاق الأعشاب.

الأفسنتين

سمح الاتحاد الأوروبي بإعادة استخدام الأفسنتين لكن بشرط تقليل كمية مركب ثوجون السام داخل المشروب منذ عام 1988م. كما رفعت الولايات المتحدة الحظر عام 2007م وتبعتها فرنسا عام 2011م. وبحسب المنتجين أنه يتم استخدام أعشاب صبغية هي التي تكسب الأفسنتين الحديث اللون الأخضر وليست تلك المركبات سامة. وعلى الرغم من خلو المنتج الحديث من السموم إلا أنه يبقى مصنفًا ضمن المشروبات الكحولية المحرّمة التي تُذْهِب عقول البشر وتلوثها، وحظره قديمًا سبب كفيل وكافٍ في إثبات ذلك، فعافانا الله وإياكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى