مقالات

كتاب كل أسبوع: استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة

 السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

width=160

استرداد عمر، من السيرة إلى المسيرة، د. أحمد خيري العمري

دار النشر: القرآن من أجل أمة قائمة، المركز الطبي الدولي.

آن لنا أن نُخرج عمر بن الخطاب من خانة كتب السيرة على رفوف المكتبة إلى مسيرتنا اليومية إلى حياتنا، آن لنا أن نُخرج

فهم عمر بن الخطاب للقرآن والسنة النبوية من كتب التاريخ إلى التطبيق العملي.. نحتاج إلى فهم

عمر تحديداً في هذه المرحلة، كي نكون ما يجب أن نكونه.

هذا ليس كتاباً في السيرة أو التاريخ إنه كتاب في المسيرة نحو المستقبل.

سيرة عمر، هي بطريقة ما قصة الحضارة وتحولاتها، لو قرأنا سيرته لوجدنا أنفسنا نقرأ خلاصة ما كتبه ابن خلدون وول ديرانت..

 لابد أن تكون هناك حكمة في أن تكون الحضارة قد ارتفع بناؤها على يدي عمر، وليس على يدي الرسول عليه الصلاة والسلام.. نعم هناك حكمة أكيدة..

لو أن الحضارة ارتفعت على يديه عليه الصلاة والسلام وبوجوده الشخصي لكنا تصورنا جميعاً أنها أشبه بالمعجزة، لأنها ارتبطت به، وبالتالي لا يمكن لنا أن نواصل بناءها أو إعادة بنائها أو استلهامها.

 عمر قبل إسلامه، كان مؤمناً للحد الأقصى بما آمن به آباؤه، لم يكن من أثرياء مكة الذين خافوا على تجارتهم – مثلا – من أن تخسر بسبب الدين الجديد الذي سيزيح أوثان العرب، كان عداؤه للإسلام نابعاً من موقف، كان مسألة مبدأ، جعله محوراً لحياته..

 كان عمر يحمل صفة الإيمان بالقضية حتى النخاع، ولقد ميزها الرسول عليه الصلاة والسلام فيه، وعرف أي عز للإسلام سيكون بعمر..

إنني أزعم أن هذه الصفة بالذات صفة الثبات على المبدأ، كانت سبباً في تحولات عمر في مخاضه الجليل.

 مر عمر أثناء فترة تردده وحيرته بمفترقات طرق حادة، لم يمر عليها بالخوض مع الخائضين، بل مر بها بصخب، كانت

شدته وقسوته على أتباع الدين الجديد تدل على شدة تمسكه بخياره الخاطئ، وربما تعكس أيضاً حيرته وشكه في صواب خياره.

ماذا قالت سورة طه لعمر؟

(ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)، وكان الشقاء رفيقه منذ أن فارقته طمأنينة الثبات، وربما قبل ذلك.

 تركت فيه الآيات الكريمة أكثر بكثير من مجرد الانفعال العاطفي القوي، تركت فيه ما سيحدد مساره في صنع الحضارة

وما سيحدد علاقته مع التجارب الحضارية الأخرى ورؤيته للعالم.

كل ولادة تحدث عبرالقرآن  يمكنها أن تحدث ذلك الأثر في مولودها.

 منذ اللحظة الأولى لإسلامه قرر عمر أن يُحدث فرقاً، أن يُحدث عزاً، أن يجهر بالإسلام، بعدما كان سراً يُخفيه أصحابه..

انطلق عمر ليجهر بالشهادة في شوارع مكة ومجالسها. كان عمر بهذا هو مشعل أول ربيع عربي!

لكنه كان ربيعاً يتجاوز أمر العرب إلى الإنسانية جمعاء، وإن اتخذ من مكة وشوارعها موقعاً.

كان عقل عمر الذي تشبع بآيات القرآن وأحاديثه عليه الصلاة والسلام يعمل طيلة الوقت في تحليل سلوكيات من حوله ورصدهم

لا لمراقبتهم، ولكن للحذر على الجبهة الداخلية من مخاطرهم  وشرورهم، في مرتين قال عمر جملة: لأضربن عنق هذا المنافق

مستأذناً الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يقتل من تأكد لعمر نفاقه.

عقل عمر بن الخطاب تعامل مع القرآن، كما لو كان نظاماً للتشغيل

العلاقة بين أبي بكر وعمر كانت قائمة على التنافس في الخير الذي تحول مع الوقت ليصير تكاملاً نادراً. نموذجاً

إيجابيا لما يمكن أن تكون عليه العلاقة بين شخصيتين قياديتين فذتين، تمتلك من الفضائل الشخصية والصفات القيادية ما يؤهلها للتفرد.

لكنهما معاً – أبي بكر وعمر – يصيران أفضل، أكمل.. مما لو كان كل منهما مُنفرداً..

لكل منهما فضله ومكانته، لكن هناك غير السبق شيء ما في أبي بكر الصديق جعله يكون الأنسب ليكون الخليفة الأول.

..

ما ترك الحق لعمر صاحباً مرحلياً، لكنه في المحصلة النهائية: جعله الأكثر تأثيراً، وجعل الناس تحبه عبر العصور ربما أكثر مما فعلت مع أي خليفة أو حاكم آخر.. وربما بفارقٍ كبير. وربما لو أنه حرص على أن يحبه الناس أكثر من حرصه على الحق – الذي ما ترك له صاحباً – لما حدث ذلك .. لما كان عُمر!

كانت الرمادة جوعاً شديدا أصاب الناس في الجزيرة العربية، لانقطاع المطر.. احتشد الناس على أطراف المدينة يطلبون العون وجد عمر نفسه في مواجهة مجاعة وفاقة كبيرتين، عامل المسؤولية الإنسانية في هذا الجفاف، كان أكثر ما يخيف عمر، أي أن يكون هذا الجفاف قد نزل نتيجة لفعل إنساني، يخشى أن يكون قد فعله هو وتُعاقب به الأمة كلها.. كان الاستغفار ومواجهة الذات بتقصيرها جزءا أساسياً من استراتيجية إدارة الأزمة والكارثة، لكنه لم يكن كل شيء.

إذا ذكر عمر، ذكر العدل! هذه هي الصفة الأساسية التي عرفت عن عمر، وارتبطت به في ذاكرة الأجيال عبر العصور..

كان أول ما ينهى عن شيء يجمع أهل بيته، وكل من يمكن أن يحسب عليه، ليس من باب أنهم قدوة، بل لأن الناس تراقبهم، لذا سيضاعف لهم العقوبة التي أقرها على الناس إن هم أتوا ما نهى عنه.. حسناً قد يقولها بعض القادة، لكن الفرق أن عمر يفعلها..!

كان عمر إنساناً صُنع في القرآن وبالقرآن، هذا هو عمر الذي نريد استرداده، ليس الشخص، بل حقيقة أن هذا ممكن حدوثه مع بشر عادي.

(الكتاب متوفر في جرير، سعره 55ر.س)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى