منوعات

علماء الأمة (2): أبو الطب وأمير الأطباء “ابن سينا”

نعود لكم من جديد في سلسلة “علماء الأمة” وهي سلسلة أسبوعية أطلقناها لنتحدث وإياكم عن أعظم من نهل من العلم وردَّ لهذا العالم بعضاً مما فتح الله به عليه، فتاريخنا وحاضرنا يزخر بمن يستحقوا أن نتذكرهم ونتحدث عن عظمة إنجازاتهم، ووجب علينا الإعتذار للانقطاع الذي حصل في السلسلة ونعدكم بالإستمرار بإذن الله وبشكل أسبوعي.

أبو الطب وأمير الأطباء ابن سينا

برز في صرح الحضارة الإسلامية علماء أعلام وجهابذة عظام، لا ينساهم التاريخ ولا يمحيهم من صفحاته، عزّ تاريخ الإنسانية القديم والمعاصر أن يجود بمثلهم. وهم صور رائعة تعكس سمو هذه الحضارة الإسلامية الإنسانية، ابن سينا هو أبو علي الحسين بن عبدالله الملقب بالشيخ الرئيس، الذي ظل لسبعة قرون متتالية المرجع الرئيس في علم الطب، وبقي كتابه “القانون” في الطب عمدة الكتب والمراجع في تعليم هذ الفن حتى أواسط القرن السابع عشر في جامعات أوروبا.

 ابن سينا

يعتبر إبن سينا أعظم علماء المسلمين ومن أشهر مشاهير العلماء العالميين، وُلد في قرية أفشنة الفارسية عام 370 هـ وتوفي في همدان عام 427 هـ، نشأ نشأة علمية، حيث تعهده والده بالتعليم والتثقيف منذ طفولته، فأحضر له الأساتذه والمربين، حتى شب ابن سينا محباً للقراءة والعلم والإطلاع الواسع في شتى المعارف والعلوم، وقد بلغ فيها ما لم يبلغه غيره، وكل ذلك وهو دون العشرين عاماً. وقد احتل ابن سينا مكاناً سامقاً في الفكر والفلسفة والطب، فكان فيلسوفاً، وطبيباً، وفلكياً، ورياضياً.. بل إنه لم يترك جانباً من جوانب العلوم النظرية أو التطبيقية إلا وتعرض له، تعرض العالم المتخصص المحقق، حتى كانت له إسهاماته الفعالة وإبداعاته الفريدة في كل مجالات المعرفة والعلوم.

أبو الطب

ابن سينا كان متوقد الذكاء، امتاز بمواهبه الفذة وعبقريته الأهابة في تعلم القرآن والأدب وهو ابن عشر سنين، وتعلم حساب الهند، واشتغل بالفقه، وتردد على إسماعيل الزاهد، حتى ألف طرق المطالبة ووجوه الإعتراض على المجيب على الوجه الذي جرت عادة القوم به، ثم ابتدأ كتاب إيساغوجي على الناتلي وأحكم المنطق، وكتاب إقليدس، وانتقل إلى المجسطي، قرأها جميعها على نفسه، وفهمها واستمر على طريقته يعلم نفسه ويثقفها، ويقول “وصارت أبوب العلوم تتفتح علي، ثم رغبت في علم الطب، وقرأة الكتب المصنفة فيه، وعلم الطب ليس من الأمور الصعبة، فلا جرم أني برّزت فيه في أقل مدة، وتعهدت المرضى، فانفتح علي من أبواب المعالجات من التجربة ما لا يوصف”.

(تمثال ابن سينا في أنقرة)

تمثال ابن سينا في أنقرة

كان ابن سينا محباً للترحال طلباً للعلم، رحل إلى خوارزم ومكث هناك عشر سنوات ثم تنقل بين البلاد ثم ارتحل إلى همدان وهناك مكث تسع سنوات ثم توفي هناك. لقد كان الشيخ الرئيس متفائلاً في جميع مراحل حياته، يعتقد أن العالم الذي نعيش فيه أحسن العوالم الممكنة وكان شديد الإرتباط بموطنه الأصلي. ابن سينا له مؤلفات عديدة وكثيرة في كثير من مجالات العلم، أما بالنسبة للطب الذي برع فيه، فيُعد ابن سينا أول من وصف إلتهاب السحايا الأولى وصفاً صحيحاً، ووصف أسباب اليرقان، ووصف أعراض حصى المثانة، وانتبه إلى أثر المعالجة النفسية في الشفاء، وأول من فرَّق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم، مخالفًا بذلك ما استقرَّ عليه أساطين الطب اليوناني القديم، فضلاً عن أنه أوَّل من فرَّق بين المغص المعوي والمغص الكلوي.

أبو الطب

ثم إنه تطرَّق إلى بعض أنواع الديدان الطفيلية التي تعيش بعيدًا عن القناة الهضمية ؛ مثل: ديدان العين، التي تُفَضِّل منطقة العين، وديدان الفلاريا المسبِّبَة لداء الفيل، فتراه يقول عن الأخير: “هو زيادة في القدم وسائر الرِّجْل على نحو ما يعرض في عروض الدوالي فيغلظ القدم ويكثفه”. وكان ابن سينا صاحب الفضل في علاج القناة الدمعية بإدخال مسبار معقَّم فيها! وابن سينا هو الذي أوصى بتغليف الحبوب التي يتعاطاها المريض، وكشف في دقَّة بالغة عن أعراض حصاة المثانة السريرية، بعد أن أشار إلى اختلافها عن أعراض الحصاة الكُلوية، يقول الدكتور خير الله في كتابه الطب العربي : “ويصعب علينا في هذا العصر أن نُضيف شيئًا جديدًا إلى وصف ابن سينا لأعراض حصى المثانة السريرية”

(صورة نسخة عربية من كتاب القانون في الطب)

كتاب القانون في الطب

كما كان لابن سينا باع كبير في مجال الأمراض التناسلية ؛ فوصف بدقَّة بعض أمراض النساء؛ مثل: الانسداد المهبلي, والإسقاط، والأورام الليفية. وتحدَّث عن الأمراض التي يمكن أن تُصيب النفساء؛ مثل: النزيف، واحتباس الدم، وما قد يسبِّبه من أورام وحميات حادَّة، وأشار إلى أن تَعَفُّن الرحم قد ينشأ من عسر الولادة أو موت الجنين، وهو ما لم يكن معروفًا من قبلُ. كما تعرَّض -أيضًا- للذكورة والأنوثة في الجنين, وعزاها إلى الرجل دون المرأة، وهو الأمر الذي أكَّده مؤخَّرًا العلم الحديث

كتاب القانون في الطب 1

كما كشف ابن سينا -لأوَّل مرَّة أيضًا- طرق العدوى لبعض الأمراض المعدية كالجدري والحصبة، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحية الدقيقة في الماء والجو، وقال: “إن الماء يحتوي على حيوانات صغيرة جدًّا لا تُرى بالعين المجرَّدة، وهي التي تسبِّب بعض الأمراض” ويُظهر ابن سينا براعة كبيرة ومقدرة فائقة في علم الجراحة؛ فقد ذكر عدَّة طرق لإيقاف النزيف؛ سواء بالربط، أو إدخال الفتائل، أو بالكي بالنار، أو بدواء كاوٍ، أو بضغط اللحم فوق العرق. كما تحدَّث عن كيفية التعامل مع السِّهام واستخراجها من الجروح، وحذَّر المعالجين من إصابة الشرايين أو الأعصاب عند إخراج السهام من الجروح، كما نبَّه إلى ضرورة أن يكون المعالج على معرفة تامَّة بالتشريح.

(صورة ابن سينا على عملة طاجكستان )

 عملة طاجكستان

وقد تُرجمت كتب ابن سينا في الطب إلى اللاتينية ومعظم لغات العالم، وظلَّت حوالي ستة قرون المرجع العالمي في الطب، واستُخدمت كأساس للتعليم في جامعات فرنسا وإيطاليا جميعًا، وظلَّت تدرس في جامعة مونبلييه حتى أوائل القرن التاسع عشر.

(صور ضريح ابن سينا في همدان، إيران من الخارج والداخل)

ضريح ابن سينا في همدان

ضريح ابن سينا في همدان 1

إنتظرونا في الأسبوع القادم إن شاء الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى