رسائل المجموعة

سامحنا يا عراق

سيدة عربية رفعت ورقة بيضاء اثناء احدي المظاهرات الشعبية الخجولة في العاصمة الاردنية، كتبت عليها عبارة سامحنا يا عراق ، وانخرطت في البكاء، دون ان تدري ان احدي كاميرات التلفزة الاجنبية كانت تسجل مشاعرها الصادقة لحظة بلحظة.

هاتان الكلمتان هما ابلغ من كل المقالات وبرامج التلفزة في اجهزة الاعلام العربية، وعلينا ان نعترف، حكاماً ومحكومين، اننا خذلنا هذا البلد العربي الاصيل وشعبه المعطاء، وتركناه يذبح، امام اعيننا، بالقنابل الامريكية ونحن نتفرج.

الدبابات تحاصر عاصمة الرشيد، والقاذفات العملاقة تقصفها ليلياً بالقنابل الاضخم حجماً ودماراً في التاريخ، والجيوش العربية صامتة، والزعماء العرب يستمتعون باجازات هادئة مريحة في قصورهم، او استراحاتهم بالقرب من شواطيء البحر.

الحكومة الكويتية تجهز فيلات فخمة لحاكم العراق الامريكي الجديد جيه غارنر ومساعديه، استعداداً لتولي السلطة في بغداد بعد سقوطها في ايدي القوات الغازية، تماماً مثلما استضافت بغداد حكومة الكويت المؤقتة وانشأت لها مقراً، ولكن الفارق هائل جداً، فقد ادان العرب الرسميون الحكومة الكويتية المؤقتة ورفضوا الاعتراف بها، مثلما ادانوا حكومة بغداد التي عينتها، ولكنهم هذه المرة يرحبون بحرارة بالحكومة الامريكية، ويتلهفون علي سقوط بغداد، أملاً في النجاة، والبقاء علي كراسي الحكم.

بغداد صمدت، وقاتلت وحيدة، وتصدت للدبابات الامريكية ببطولة واعجاز، واستعصت علي الهزيمة، ولم يتحرك نظام جيش عربي واحد لنصرتها، ولم تفلح كل المظاهرات الشعبية في اغلاق سفارة امريكية واحدة او طرد سفير.

الحافلات تنطلق من دمشق مكتظة بالعراقيين العائدين للدفاع عن عرضهم وكرامتهم، بينما تنطلق طائرات اخري من براغ ولندن الي الكويت حاملة نوعاً آخر من العراقيين، وبعضهم معمم ، ودربتهم المخابرات المركزية الامريكية ليكونوا ادواتها في حكم العراق في الزمن الاسرائيلي المقبل، والفرق شاسع بين النوعين. فالنوع الاول يطفح بالكرامة والوطنية والشرف، ويحمل جينات سبعة آلاف سنة من الحضارة ومقاومة الغزاة، والنوع الثاني مهجن تجري في عروقه دماء ليست لها علاقة بالعراق وتاريخه المشرف. العراقيون المستوردون من لندن وبراغ وكبنهاغن (الخزرجي) لن يحكموا العراق، وربما لن تطول اقامتهم فيه لسببين الاول ان معلمهم بول وولفوفيتز مساعد وزير الدفاع الامريكي قال ان حكومة عراقية مدنية لن تتسلم السلطة قبل مرور ستة اشهر من السيطرة علي بغداد علي الاقل، وهي فترة قابلة للتمديد، اما السبب الثاني فلأن العراق لن يكون مستقراً، وبغداد لن تكون آمنة حتي لو سقطت فعلاً.

الولايات المتحدة ترتكب من المجازر في العراق، ما يزيد من حجم الكراهية، لها ليس وسط العراقيين فقط وانما في العالم بأسره، ودخولها النجف الاشرف وكربلاء وهي اماكن اسلامية شيعية مقدسة هو بمثابة عود الكبريت الذي سيشعل نوعاً اكثر خطورة من المقاومة.

فحزب الله العراقي في طور التكوين حالياً، وكذلك تنظيمات القاعدة ، وجبهات التحرير العلمانية، وكتائب الحسين والامام علي بن ابي طالب وجيش خالد بن الوليد، وسرايا ابو عبيدة الجراح. فالمقامرة الامريكية لم تنسف التعاطف الذي حصلت عليه واشنطن علي مستوي العالم بسبب احداث الحادث عشر من ايلول (سبتمبر) فقط، وانما ستحول العراق الي تربة خصبة للطرفين الاصولي الاسلامي بشقيه السني والشيعي، وللتطرف القومي العلماني ايضاً.

الشهيدة الشمرية ورفيقتها اللتان دشنتا العمليات الاستشهادية علي ارض العراق انما تؤرخان لمرحلة جديدة، لن تفيد كل الخبرات الاسرائيلية في التصدي لها، فعندما يفتح هذا الباب فانه من الصعب، ان لم يكن من المستحيل اغلاقه، ولابد ان تجربة الاسرائيليين في لبنان التي انتهت بالاستسلام الكامل بعد ثمانية عشر عاماً من المكابرة المكلفة، هي الدليل الابرز في هذا الصدد.

الطفل العراقي عمر، الذي فقد والده ووالدته واخوته واخوانه شهداء في جريمة قصف سيارتهم قرب حاجز امريكي في النجف الاشرف، سيكون عنوان المرحلة المقبلة، لانه سينتقم مثلما انتقم ابناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية لابائهم الذين سقطوا شهداء علي تراب فلسطين في الانتفاضة الاولي التي باعها اصحاب اوسلو بثمن بخس.

سيدة عراقية كانت بين انقاض حافلة قصفتها طائرة اباتشي امريكية بصاروخ رفضت عملية انقاذها من قبل الجنود الامريكيين، وظلت متشبثة داخل الحافلة المحترقة بطفليها الشهيدين، وارادت ان تستشهد معهما. فقد اصبحت نجاتها، دون طعم او قيمة، فربما تكون استقلت هذه الحافلة لحماية طفليها من الموت، لتفاجأ به يطاردها ويخطفهما منها بصاروخ امريكي.

نكرر ما كتبته السيدة المتظاهرة في العاصمة الاردنية، ونقول معها سامحنا يا عراق لقد خذلناك وتخلينا عنك، وانت لم تتخل عنا مطلقاً، وخضت جميع حروبنا، وتتعرض لما تتعرض له بسببنا ولتمسكك بكرامتنا وقضايانا في زمن البيع والتفريط والخيانة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى