مقالات

سارق الأحلام !!

قد يستغرب البعض هذا العنوان ويتأمل واقعيته من عدمها وصدقه من خرافته
ولكنه ينم عن حقيقه وواقع نراه كل يوم أمام أعيننا في مشاهدتنا اليومية وممارساتنا الحياتية .
وتكمن الحكاية والرواية في قصة ذاك المعلم الذي دخل على طلابه وطلب منهم أن يرسم كل واحد منهم حلم حياته
على ورقه ويحولها إلى لوحة فنية معبرة , فاجتهد ذلك الطالب الألمعي في ترجمة حلمه إلى لوحة مرسومة رائعة .
وبعد أن انتهى قدمها إلى المعلم وقال له ذاك حلمي الذي سوف أظفر به ذات يوم ..
فنظر إليه المعلم ثم تأمل اللوحة ووجده قد رسم مزرعة كبيرة للخيول تحتوي على أعلى التجهيزات وأكبر المساحات وجميع الخدمات ..
فتمتم المعلم قليلاً وهزئ بالطالب وقال له : نريد أن ترسموا لنا أشياء واقعية مقبولة , وليست شطحات لا أصل لها
ولا معنى فهذه أحلام وردية وسوف تبقى احلاماً !!
حاول الطالب شرح الفكرة للإستاد وأنها واقعية في نظره ولكن المعلم قمعه بكل أسف ولم يكتفي بذلك بل
أضحك عليه الطلاب وسخر من حلمه ومن أفكاره أمامهم ..
دارات الأيام والحلم يطرق عقل ذاك الفتى الهمام فعمل من أجله وخطط ونفذ وصبر وضحى
وقرر أن يحصل على مراده بالتدرج وفعلاً كان ذلك , وبعد 20 عام تمكن من تحقيق حلمه في امتلاك
مزرعة نموذجية كبيرة لتربية الخيول ليس لها نظير ,
ولم تكن مصادفة أن كانت ترجمة دقيقه لتلك اللوحة الخالدة
التي احتفظ فيها وعلقها في مدخل البيت ليراها كل يوم ..
فالقاعدة الحياتية تقول ما تركز عليه سوف تحصل عليه ..
مرت الأيام وتلقى ذلك الفتى الطامح الذي اصبح رجل ناجحاً ومتألقاً في حياته وأعماله
خطاب من أحد المدراس لتنسيق زيارة للمزعة
حيث ذاع صيتها وانشرت اخباها وبدأ الناس يتسابقون لزيارتها , وفعلاً وافق وحدد موعداً
وفي ذات الموعد استقبل جموع الطلاب والذي تقدمهم ذاك المعلم الهرم والذي يشرف على الرحلة
وفعلا كانت صدفة غريبة وعجيبة للطالب والأستاذ .
وبعد الترحيب بالطلاب ومشرفهم عرف بنفسه وقال لهم لقد كنت يوماً طالب مثلكم
وكنت بين خيارين إما أن أحلم واطمح وأكافح لأعيش الحياة التي أريد و أختار
أو استسلم قبل أن يبدأ النزال وتتحول حياتي إلى تمنيات لا يدعمها عمل أو محاولة أو نتائج
وها انتم ترون النتيجة التي جعلت الكثير يريدون زيارة المكان ووسائل الإعلام ما توقفت تكتب عن التجربة ..
وأنا أمامكم جميعاً اشكر مشرفكم
فلقد كان استاذي قبل ربع قرن وعندما اطلعته على حلمي هزء بي وسخر وقلل من فرص نجاحي ,
ولكن ما زادني ذلك إلا تحدياً ورغبة فأصبح الحلم مشتعلاً بداخلي
وراهنت على تحقيقه وفعلاً فعلتها فالحياة بلا أحلام قاتمة مملة كئيبة ..
وماهي الا لحظات حتى بكى المعلم امام الطلاب معتذراً ومعترفاً بخطأه متذكراً الموقف وقال اغفر لي ماصنعت
فلقد حاولت أن اسرقك .. فبهر الطلاب من هذه الصراحة وقالوا ماذا كنت سوف تسرق أيها الاستاذ ؟؟
قال إنني كنت سارق الأحلام له وللكثير من طلابي بكل أسف ..
تعلم الطلاب ومعلمهم درساً حياتيا لن ينسى وأصر الطلاب
على أن يأخذوا صورة تذكارية مع الصورة الحلم وصاحبها قبل أن يغادروا هذا المكان الملهم ..
هذه القصة تحلق بنا بعيداً لمواقف مرة أو قد تمر على الكثيرين حين يطرحون أحلامهم وتوجهاتهم ورؤياهم المستقبلية
ويقابلهم الطرف المقابل بالسخرية أو التهميش أو التحطيم وهو موقف أعتقد أن الغالبية مرو به
ومن هنا فالإنسان الناجح الذي نراهن عليه هو من يكسبه هذا التحطيم قوة وتحدي ويجعله صامداً أمام الرياح و العقبات .
فالعرب قالوا قديما ” أزهد الناس بالرجل أهله وذويه ”
فقد تأني السخرية من الوالدين أو الاصدقاء أو المعلمين , وقد تأتي من الصوت السلبي الداخلي لديك
والذي يردد دوماً لن تنجح , صعب , مستحيل , غير ممكن !!
وهنا علينا أن نبني الأسوار بيننا وبين كل هذه الطاقة السلبية القاتمة التي سوف نقهرها بالتفاؤل والعمل الجاد والصبر
على التحديات والصعوبات والصمود الدائم أمام كل من أراد أن يسرق أحلامنا أو يضعف عزائمنا أو يضربنا في مقتل ..
فأنت مخير بين أن تسمع لهؤلاء السلبين والمثبطين ونتيجة ذلك خسران الحياة
ورفع العلم الأبيض من البداية حيث حياتك ستكون بلا طعم أو لون أو رائحة أو صد كل
طرح غير مسؤول أو سلبي بحائط الثقة بالله ثم بالنفس القادرة على صنع المستحيل إذا فعلت الأسباب .
لن تنجح لن تفلح كلمات قيلت للأنبياء والرسل والعلماء والعظماء والصالحين والحكماء ورواد التغير الانساني
ولكنهم سخروا منها ولكن بأفعالهم فالردود في الميدان وليس باللسان
وهنا أذكر قصة حبر الامة عبدالله بن عباس رضي الله عنه
حين طموح ان يكوون عالماً كبيراً وفقيهاً جهبذاً وهو ابن الرابعة عشر .
وكان له صديق انصاري يرافقه ولكنه سخر من حلمه
وقال له أأنت يابن عباس قادر على منافسة كبار الصحابة
ومطارحتهم في العلم والفقه والبصيرة والرأي والحجة ..
لما يعر عبدالله بن عباس رضي الله عنه هذا الكلام وطلب العلم لخمسة سنوات متواصلة وتفرغ لذلك
وبعد سنوات اتى ذلك الأنصاري إلى أحد شوارع المدينة بعد غياب
فشاهد الزحام الشديد حتى أن الطريق يكاد أن يغلق
فسأل ما الخطب وما هذه الحشود ؟؟
فقالوا له : إنهم طلاب عبدالله بن عباس يتناوبون في الدخول عليه لسماع الدرس
وطلب الفتيا والرأي فذهل وتذكر ذلك الحلم الذي كاد
ان يسرقه ولكن صاحبه كان عصي على ذلك مقاتل من أجله ..
،،،
محبرة الحكيم
أحلامنا هي كنوز المستقبل
التي تحتاج منا الحراسة واليقظة والفطنة
فإذا قبلنا أن تسرق فنحن قبلنا أن ندفن ونحن أحياء لا محالة ..

سلطان بن عبدالرحمن العثيم
مستشار ومدرب معتمد في التنمية البشرية والتطوير CCT
باحث في الفكر الإسلامي والسيرة النبوية الشريفة

ايميلي
مدونة نحو القمة
أسعد بقربي من عالمكم الجميل عبر
تويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى