رسائل المجموعة

رمـضـانـيـات 29

رمضانيات

وداعاً رمضان

محمد بن سرّار اليامي
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :

* فقلد دار الدهر دورته .. ، ومضت الأيام تلو الأيام … ، وإذا بشهرنا تغيض أنواره … وتبلى أستاره .. ويأفل نجمه بعد أن سطع .. ، ويُظلم ليله بعد أن لمع .. ، ويُخيم السكون على الكون .. بعدما كان الوجود كل الوجود يستعد ، ويتأهب للقاء هذا الضيف الكريم ..

أنا لا أدري وأنا أرقم هذه الجمل .. أأهنيكم بحلول عيد الفطر المبارك.. ، أم أعزيكم بفراق شهر العتق والغفران ..

إن القلبَ ليحزن ، وإن العينَ لتدمع .. وإنا على فراقك يا رمضان لمحزونون …

لحن الخلود

إن قلبي ليُمْلِي على بناني عبارات الأسى واللوعة ، فتكتب البنانُ بمداد المدامع لحن الخلود ، وتأبى الكلمات أن تستلقي على صفحات دفاتري .. إلا حينما أعظها بواحدة .. حينما أعظها بأن الله قد جعل من سننه في هذه الحياة .. أن للشمل التمامٌ وافتراق ..

سُتـر السنا وتحجـبت شمس الضحى *** وتــغــيــبـت بـعـد الــشــروق بــدورُ
ومضـى الذي أهـوى وجرعني الأسى *** وغــدت بـــقـلـبـي جـذوةٌ وســعــيــرُ
يـا لـيـتـه لـمـا نـوى عـهـد الـنـوى *** وافـي الـعـيـون مـن الـظــلام نــذيــرُ
نـاهـيك بـما فـعـلت بماء حشاشتي *** نــارٌ لــهــا بــيـن الـضـلـوع زفــيـرُ

انقضى رمضان .. ويا وَلْهِي عليه .. انقضت أيامُه ولياليه .. ذهب .. ليعود على من بقي .. ، وليودع من كان أجله قد حان .. نعم .. ذهبت يا رمضان .. فجرت المدامع ..

يا راحلاً وجـمـيـل الـصبـر يـتبـعـهُ *** هـل مـن سـبـيـل إلـى لـقـيـاك يـتـفـقُ
مـا أنصـفـتـك دمـوعـي وهـي داميةٌ *** ولا وفـى لـك قـلـبـي وهـو يـحـتـرقُ

نعم .. انقضى رمضان .. ولكن .. ماذا بعده ؟!

إن عمل المؤمن لا ينقضي أبداً

* انقضى رمضان .. ، وقد اعتاد كثيرٌ من أبنائه الصلاة مع جماعة المسلمين ..

فيا من أَلِفَ الحق .. تمسكْ به هُديت .. ، واستمر عليه .. نعم .. اجعل رمضان كقاعدة تنطلق منها للمحافظة على الصلاة في باقي الشهور .. نعم اجعل رمضان منطلقاً لترك الذنوب والمعاصي .. عَلَّ الله جل وعز أن يغفر لك بما قدمت .. ، وإياك ثم إياك أن تكون من عُباد رمضان ..

* إن من علامات قبول العمل المواصلة فيه ، والاستمرار عليه .. فاحكم أنت على صيامك .. هل هو مقبولٌ أم مردود .. نعم احكم أنت ..

خواطر صائم في لحظات الوداع

* أخي الصائم .. أختي الصائمة :
إن لحظات الوداع لحظاتٌ لا تنسى .. ، ولوعتها لوعةٌ لا تبلى .. حُرقة الوداع تُلهب الأحشاء .. ، ودموعُه تحرق الوجنات بحرارة العبرات ..

لـم يُـبـكـنـي إلا حديــث فـراقـكـم *** لمـا أسـرّ بـــه إليَّ مـودِّعــي
هـو ذلـك الـدرُّ الـذي أودعــتـمُ *** فـي مسمـعـي أجـريـتـهُ مـن مدمـعـي

* فيا من صام لسانهُ في رمضان عن الغيبة والنميمة والكذب وأصل مسيرتك .. ، وجُدَّ في الطلب .. ويا من صامت عينهُ في رمضان عن النظر المحرّم .. غُض طرفك ما بقيت .. يورث الله قلبك حلاوة الإيمان ما حييت ..

* ويا من صامت أذنه في رمضان عن سماع ما يحرم من القول ، وما يُستقذر .. من سماع غيبة .. ، أو نميمة .. ، أو غناء .. ، أو لهو .. اتق الله .. ، ولا تعد .. ، اتق الله ، ولا تعد ..

* ويا من صام بطنه في رمضان عن الطعام .. ، وعن أكل الحرام .. اتق الله في صيامك .. ، ولا تذهب أجرك بذنبك .. ، وإياك ثم إياك من أكل الربا .. فإن آكله محارِب الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .. فهل تطيق ذلك ؟!

* ويا من صام بطنه .. تذكر إخواناً لك في رمضان ، وغيره على الجوع والعُريّ .. ولا يجد أحدهم ما يسدُّ به جوعته ، ولا فاقة عياله .. تذكر أنهم ينتظرون منك .. نعم .. منك أنت ومن أمثالك من يمُدُّ لهم يد العون ، والمساعدة ..

حان الوداع

وأخيراً أخي الصائم .. أختي الصائمة ..
* إن العيد على الأبواب .. ، وإن رمضان آذن بوداع .. ، وكم هي شاقة هذه الكلمة ( وداع ) .. ، ولكنني أسأل الله الكريم رب العرش العظيم .. أن يعيده علينا وعلى سائر المسلمين أياماً عديدة .. وأزمنة مديدة .. وقد تحقق للأمة الإسلامية ما تصبوا إليه من عز وتمكين ، وسؤدد في العالمين .. إن الله وليّ ذلك ، والقادر عليه ..

يا لائـمي في البـكـا زدني بـه كـلفـاً *** واسـمـع غـريـب أحاديـث وأشعـار
ما كـان أـسـنـنـا والـشـمـل مـجـتـمـع *** مـنـا المـصـلي ومـنـا القانـت القاري
وفي التـراويــح للراحـات جامـعــةٌ *** فـيهـا الـمـصـابـيـح تـزهـو مـثـل أزهـار
شهـرٌ بـه يـعـتــق الله العـصـاة وقـد *** أشـفـوا عـلى جُـرف مـن حـصـة النـار
فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا *** ما قـد بقـي ، فهـو حـقٌ عـنـدكـم جاري

فرحة العيد

إلى كل صائم وصائمة .. أوجه هذه العبارات .. علَّ الله جل وعز أن يكتبها في ميزان الحسنات .. أقول :

أخي .. أخي : حينما تشرق شمس صباح العيد .. ، فيجتمع الشمل .. ، ويُلبس الجديد .. ، ويؤكل ما لذّ وطاب ..

تذكروا ذلكم الطفل اليتيم .. الذي ما وجد والداً يبارك له بالعيد .. ، ولا يُقبِّله ، ولا يمسح على رأسه .. قتل أبوه في جرحٍ من جراحِ هذه الأمة ..

وتذكروا تلكم الطفلة الصغيرة .. حينما ترى بنات جيرانها يرتدين الجديد .. ، وهي يتيمة الأب ..

إنها تخاطب فيكم مشاعركم .. ، وأحاسيسكم .. ، إنها تقول لكم :
أنا طفلة صغيرة .. ، ومن حقي أن أفرح بهذا العيد .. نعم .. من حقي أن ارتدي ثوباً حسناً لائقاً بيوم العيد .. من حقي .. أن أجد الحنان والعطف .. أريد قبلة من والدي .. ، ومسحة حانية على رأسي .. أريد حلوى .. ، ولكن السؤال المرّ .. الذي لم أجد له جواباً حتى الآن هو .. أين والدي ؟ أين والدي ؟ أين والدي ؟!!

* فيا أخي .. ويا أختي .. قدموا لأنفسكم ، واجعلوا فرحة هذا العيد المبارك .. تعم أرجاء عالمنا الإسلامي ..

فها هي المبرات .. ، ودور الصدقات ، ولجان الإغاثة ، والمساعدات .. مُشرِّعة أبوابها .. ، فهلموا إليها .. وما تقدموا لأنفسكم تجدوه عند الله .
والله يرعاكم ويتولانا وإياكم جعل الله صيامنا ، وصيامكم مقبولاً ، خالصاً لوجهه الكريم ..

المصدر : صيد الفوائد

مقال مفيد للاطلاع :
في العيد ملل فما الخلل

ولا تنسوا صيام الست من شوال
وكل عام وأنتم بخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى