رسائل المجموعة

انه كرسي حلاق فقط .. !!

انه الكرسي الذي يجلس عليه كل منا ذكرا كان أم أنثى صغيرا كان كبيرا عربيا كان أم أعجميا فقيرا أو غنينا ذكيا اوغبيا إلي أخر هذه المتضادة التي لا تنتهي
ولكن ما هي الصورة التي تتبادر إلي ذهن كل إنسان عندما يعتلي هذا الكرسي لربع أو نصف ساعة مرة كل أسبوع أو أكثر .
انه كرسي عابر لا نهتم بتفاصيله أو دقائق الأمور فيه بل نعتليه بلا تركيز أحيانا أو وجود تصور مسبق عنه..

وعلى الجانب الآخر لو أمعنى النظر ودققنا البصر وأخذنا العبر وجمعنا بين البصيرة و البصر لرأينا إلي الحياة من حولنا في كل ما فيها بهذا الأسلوب البسيط والواقعي في آن معا !!
ولكن هل ننظر إليها هكذا في مصالحنا الخاصة وإعمالنا وعلاقاتنا ومسار دنيانا والتي اشتق اسمها من الدون لا من العلو من الهوان لا من الرفعة من من لا شئ لا من كل شئ .إنها الحقيقة .

إنها رحلة ولكن ليست مثل كل رحلة هي الحياة رحلة البشر من عالم اللاوجود إلي عالم الوجود ومن عالم اللاوعي إلي عالم الوعي من عالم التراب والحجارة إلي عالم هيئة هي الأجمل وحلة هي الأبهى عقل ميز فيه البشر عن سواهم من كل ما يدب على هذا الكوكب ..
ولكن يستخدم الناس أبصارهم ولا يستخدموا بصائرهم فتكون النظرة للحياة قاصرة ذات بعد أحادي , مجموعة من الأماكن والأشياء والأحداث التي دخلت المخ عبر العين وأوصلت إلي العقل رسالة معينه ولكن هنا تنتهي مهمة البصر وتبدأ مهمة البصيرة وهو فهم وتفسير هذه الرسالة والعمل بمقتضاها .

ماهي واجباتي وما هي حقوقي والسؤال الأكبر الذي يسأله الإنسان نفسه وهو
لماذا أنا هنا ؟؟

ومتى ينتهي هذا الوجود ؟
وماذا بعد هذا الوجود ؟؟

إنها محددات لايمكن أن تمر على كيس فطن إلا سأل نفسه عنها ولها وبها وأطال السؤال وتغير من حال إلي حال يجيب تارة ويسأل تارة ويحاول الفهم والوصول إلي أشعة الشمس الجلية التي ترمز إلي الحق والحقيقة والجواب الشافي والبيان الكافي في كل ما يدور داخل هذه الجمجمة !!

انه السؤال الأعظم الذي لا يغفل عنه عاقل ولا يسهى عنه مفكر متبصر يسبر الأمور فيعرف إلي أين تنتهي هذه الرحلة وما هي المخارج الموجود على الطريق.

مخرج للحق ومخرج للباطل , مخرج للصدق ومخرج للخيانة , مخرج للعدل ومخرج للظلم , مخرج للعمل ومخرج للكسل , مخرج للحياة السعيدة والذكر الطيب والعمل الصالح والفوز بغاية ما يتمناه أي فرد منا رضا الخالق وجنات فيها ما لا عين رأت ولا اذنن سمعت ولا خطر على قلب بشر

ومخرج للتعاسة والشقاء والخيبة والخروج من هذا السبق بخسارة لا يعادلها خسارة آنية واستراتيجية حتى لو كان هناك انتصار مرحلي ما يلبث أن يسقط سقوطا مريعا وتكون ضربة قاضية في وقت لا يقبل الندم و بكاء لا يبقى ولا يذر وحسرة لا تجلب إلا حسرة وطلب للعفوي مرفوض وصوت يخرج بالحق ( اخسؤوا فيها ولا تكلمون )

انه كرسي الحياة الذي يدور حوله الكثير من التنافس والصراع والتوجس لا نفكر إلا فيه ولا نفكر فيما بعده وكيف نصل إليه حتى نرضي شعور داخليا ونخدع النفس بالرضي الوهمي وبالمتعة العابرة ولكن كم من الضحايا سفكنا وكم من الظلم ارتكبنا وكم من الحيل استخدمنا
بكل أسف لا نسأل وربما إذا سألنا لا نعقل وإذا عقلنا لا نعمل وهذ هي الخيبة .
يقول الشاعر
يامن بدنياه انشغل … وغره طول الأمل
ا الموت يأتي بغتة…. والقبر صندوق العمل

ما أقصى هذا الضياع وعدم فهم البعد الحقيقي لهذه الحياة وهذه الفرصة الثمينة التي قدمها الله للبشر ليكرمهم ويعزهم ويقعدهم مقعد صدق عند مليك مقتدر

وهم بكل غباء يهينون أنفسهم ويجلبون بنا قدمت يداهم الشقاء في الدارين لأرواحهم وأجسادهم الضعيفة التي لا تقوى على مواجهة الحق الذي هو اسم من أسماء الله الحسنى وسلوك مأمورون بتباعه والعمل بمقتضاه .

ولكن على نفسها جنت براقش !!

يقول القائد القدوة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ( البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت, افعل ما شئت كما تدين تدان )

ولعنا نلقي نظرة بعيده الي يوم تقشعر منه الأبدان الخائفة والمرتابة وتشتاق إليه النفوس الصافية التي صدقت رب العزة وأحبت لقائه وتوكلت عليه وأنابت إلي جنابه العظيم .
يوم يمر على العاصي بمقدار خمسين ألف سنه ولكنه على العبد الصالح بمقدار الوقت الذي يقضيه في صلاة ركعتين لله عز وجل.

ينادي الله عز وجل فيه المظلوم ويقول ( تقدم ) وينادي الظالم ويقول له ( لا تتكلم) !!
ويقضي الله بينهم في مشهد يشيب له الوليد لا يتخيله متخيل ولا يتصوره متصور
يحاسب الله الناس حساب دقيقا معياره مثاقيل الذر ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثال ذرة شر يره )

يغفر فيه ذو الجلال والرحمة في كل شئ إلا حقوق العباد !!

صغائرها وكبائرها أمولها وأرحامها همزها ولمزها ظلمها وجورها وما دار واستدار في ظلمة الليل وضي النهار أو في داخل الغرف المغلقة وكانوا يظنون أنفسهم في مأمن ولكنه اقرب إليهم من حبل الوريد واقرب للمظلوم من نفسه التي بين أضلعه فإذا قال حسبي الله ونعم الوكيل انفتحت لها أبواب السماء ورفعها الله بين الغمام ويستقبلها بذاته سبحانه ويقول الجبار ذو البطش ( وعزتي وجلالي لا نصرنك ولو بعد حين )

فيكون خصم الظالم هو الله وليس العبد ومن بقدوره أن يخاصم الخافض الرافع المعز المذل ذي الطول لاالله هو إذا أكرم أجزل وإذا انتقم حول .

فتقوا دعوة المظلوم فليس بينها و بين الله حجاب, دعوة لا ترد ولا تصد. أوردت الرجال المقابر
وأدخلت النساء المخافر وحولت من حولت من الغنى الفاحش إلي القفر المدقع من العقل إلي الجنون وقلبت النعم إلي نقم !!

فهو يتعهد من عرشه سبحانه ويوجه رسالة ربانية إلي عباده يقول فيها
( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار)
وهذه من مهازل الفكر وغياب الرؤيا ومرض النفس والتي خلقت لتكون سوية, للعطاء دافعة والشر مانعه والعدل شعارها والإيمان لباسها وطاعة الله غايتها وخدمة المسلمين شرفها.
لا تقدم تنازلات أخلاقية أو قيمية لتصل إلي إرضاء النفس والتي بكل تأكيد تجر صاحبها إلي المهالك .

فهل تقبل أن تضحي بالحياة السرمدية الأبدية من اجل أحقر الأمور وأسفل الغايات . يصلها الشريف المخلص الصادق بعزة الله وتمكينه إلي مبتغاه في كل شئ وبفضل إيمانه الراسخ وصدق نواياه

ويفشل فيها المراوغ الآفاق ذو الغي والبغي وان أعطاه الله شئ فهو استدراج لما هو أعظم .
لاتنجيه أقنعته التي يلبس امام الناس ولا جلد الحية الأملس ذو النقوش الزاهية التي يغلفه
ولا كن في نهايته السم الزعاف .

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم يرجع عقباه إلى الندمِ
تنـام عيناك والمظلــوم منتبـه
يدعو عليك وعين الله لم تنمِ

زار الخليفة الراشد علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه المقابر ذات يوم وبصحبته عدد من الصحابة والأخيار, والقي أبا الحسن نظرة تأملية إلي القبور وخاطب الموتى قائلا ( يا أهل القبور إن أمولكم قد قسمت وان أزواجكم قد تزوجت وان بيوتكم قد سكنت هذا خبر ما عندنا فما هو خبر ما عندكم.)

فصمت قليلا وهو يعلم انه لامجيب وقال لمن معه كلاما دافئ يخرج من القلب ( والله لو ردوا لقالوا إن خير الزاد التقوى ) .

انه كرسي الحياة الذي يتصارع حوله الكثيرون ولكن السعيد من وصل إلي مبتغاه بشرف وأمانه وإخلاص وجمع بين حب الناس ورضى رب الأرباب ومسبب الأسباب الذي يعطي عباده الصادقين المخلصين الأبرار من حيث لا يحتسبون ولا يعلمون ولا يتوقعون
فعنده كنوز كل شئ سبحانه

ويحرم أهل النوايا الفاسدة والمقاصد المريبة كل خير وكل بر ويجعلهم في طغيانهم يعمهون في لحظات لا ينفع فيها الندم ولا البكاء ولا العويل فهل تستطيع أن تتعامل مع كرسي الحياة على انه شئ عابر لا يحتاج كل هذه التضحيات و التنازلات منك على مستوى القيم والمبادئ والأخلاق وتحمل تبعات ما اقترفت يداك من أهوال وكوارث ومصائب

حتى تصل إلي قناعة ولكن بعد أن تقرب شمس العمر أن تغيب بأنك كنت تصارع على كرسي حلاق ليس إلا…

المحب لكم / سلطان بن عبدالرحمن العثيم
sultan@alothaim.com

مدونتي

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. ابو مشعل , مقالك حلو واعتقد ان الحاجب اللي جنب مكتبك مأثر عليك وطلع معك هالمقال . تحياتي وبالتوفيق

  2. اي والله صح لسانك..لو يعرفوا المسؤليات الي وراء الكراسي ماتحاسدوا عليها واكبر دليل على القناعه هو الرضا ومن كان راضيا فهو سعيدومن غير كرسي الحلاق

  3. الأخ سلطان ، شكراً جزيلاً على هالمواضيع الحلوة و الأسلوب الرائع ، صراحةً مقالك خلاني أفكر تفكيراً مطولاً بما يحدث في حياتي و بما أفعله و بما فعلته فوجدتني أحاسب نفسي و الله يعينني على إصلاح ما قد فعلت و يجنبني ما قد أفعل من خطأ أو زلة ، و جزاك الله خيراً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى