رسائل المجموعة

العولمة ومراسيم الجنائز

هناك كل ما يحمل على الاعتقاد بأن مهنة دفن الموتى عصية على العولمة، قياسا الى شركات الجنس، ذلك ان للمجتمعات تقاليد ثقافية متباينة في التعامل مع الموت.

فهناك في ايرلندا عادة السهر مع الكحول عند جثمان الفقيد، وهناك في نيواورليانز عادة تشييع الموتى بفرق موسيقية حزينة ونساء نادبات، وفي الهند تتحول الجنازة الى مظاهرة شغب حقيقية، حافلة بالصخب والالوان. اما في انجلترا فإن مراسيم التشييع والدفن شأن صامت، يتحرج فيه اهل الفقيد من اظهار عواطفهم الجياشة. فالموت ليس مجرد مناسبة للتأمل في الاخرويات فحسب، بل هو ايضا وسيلة للاحتفاء بما يربطنا بالأهل والبشر. وما من احد ـ مهما بلغ به التعصب في تأييد العولمة ـ يقبل ان تتولى مراسيم دفنه شركة كونية. مع ذلك فإن هذه الشركات الكونية تستعمر ارض الموت. واكبر هذه الشركات هي شركة الخدمات العالمية SCI في هيوستون، التي تقدم اكبر "خدمات رعاية الموتى" في العالم.

اخذت هذه الشركة تتوسع توسعاً مذهلاً منذ منتصف التسعينات، فاستولت على أكبر شركتي دفن فرنسية، واكبر شركتي دفن بريطانية (ذات الفروع المتعددة). وامتلكت الشركة بحلول العام 1998 نحو 3420 مركز خدمات، و433 مقبرة، و 191 موقعا لحرق الموتى، في عشرين بلدا موزعة على القارات الخمس. وتضم هذه الامبراطورية شركة الجنائز التي تولت دفن الفيس بريسلي، وشركة الجنائز التي تولت دفن السير ونستون تشرشل، مما يوحي بأن للعولمة اسلوبها الغريب في توحيد الموتى كما الاحياء وتولت شركة SCI في ذلك العام نفسه 1998 نحو 11% من مراسيم الدفن في الولايات المتحدة، و14% في بريطانيا، و 25% في استراليا، و28% في فرنسا المعروفة بمقاومتها الشديدة لامبريالية الشركات الاميركية.
وحذا اخرون حذو شركة SCI.
 
في ذلك العام نفسه امتلكت مجموعة لووين، وهي شركة بريطانية مقرها كولومبيا، من فروع خدمات الدفن والمقابر في الولايات المتحدة، اكثر مما كانت تملكه في موطنها كندا. واخذت تنشط ايضا في بروتو ريكو والمملكة المتحدة. وتعتمد عليها شركة ستيوارت انتربرايز (من نيو اورليانز) لكسب خمس ارباحها مما تقوم به من عمليات في اميركا اللاتينية، واوروبا واستراليا.
وتحققت هذه الامركة للمقابر، في عدد قليل من الحالات، من خلال اقامة شركات جديدة، اما في بقية الحالات فمن خلال شراء الشركات المحلية. فليس هناك من داع لاشباع اكثر اسواق العالم نضجاً. ان شراء الشركات يسمح للاجانب بتذليل اثنتين من اكبر العقبات التي تعترض دخول الاسواق في هذه المهنة: التراث والتقاليد. فاعمال الدفن تخضع تقليديا لسيطرة شركات عائلية صغيرة، مدت جذورها عميقا في مجتمع صغير معين على مدى اجيال.

ويجد الزبائن العزاء والسلوان في ان تكون الشركة التي دفنت جدهم، تتولى دفن ابيهم. كما ان هذه المهنة لطيفة ومأمونة لمن يعمل فيها. وتقدر مؤسسة دن اند برادستريث ان المعدل الوسطي لافلاس شركات دفن الموتى بلغ 13 لكل 10 الاف في العام 1995، مقارنة بمعدل وسطي للافلاس يبلغ 82 لكل 10 آلاف شركة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى