مقالات

الحلقة الغامضة ..!

في خضم الكتابة
في زوبعة الأفكار
في تراطم الخيالات
في هيجان الاحاسيس
في تدافع الأمنيات
في تسابق الطموحات
وفي ثورة النفس
,
حدثتني ذات مرة ثمة حلقة خفية مفقودة في حياتها, حلقة تنقص تلك السلسلة لتتحقق لها اشياء كثيرة
حلقة لو انها فقط تحصل لها ستتيسر بها اشياء كثيرة متوقفة , وكم كانت تعزوا بهذه الحلقة إلى أمورٍ كثيرة كانت تصبوا إليها ولم تنله
أخبرتني انها عبثاً لم تستطع تحديد ماهية هذه الحلقة كل ما تعرفه عنها انها حلقة مبهمة مجهولة غير واضحة الملامح و انها في حاجة لها وليس بيدها حيلة دونها , وستنتظرها
لم أعقب كثيراً عليها , تركتها لتصفوا مع نفسها.

اتضح لي فيما بعد ان تلك الحلقة وهمية وماهي إلا (إسقاطات) نفسها العاجزة عن تحقيق ماتريده وإحساسها بالإحباط

فقد كانت تشتكي لي محبطة انها لم تنجز شيئاً ابداً في حياتها وان حياتها كلها كتاب اوراقه فارغة من اي شيء يذكر, لاشيء فيها سوى العدم ,كانت تصف لي تراكم سنين عمرها وتقدمها كما تتراكم الاوراق البيضاء كثيرة ,مبعثرة , وخالية من اي شيء , كانت لاتبرح عقلها فكرة انها لاشيء وكم أدماها جلد الذات , كانت تعاني من فوضى فكرية وصراع داخلي ,كانت لاتستطيع الانتصار ولاتطيق الانكسار كانت تحس بألم الإحباط والعَجَز.

ليصنع (عقلها الباطن) -لاشعورياً- تلك الحلقة الخادعة (أنه ثمة ماينقصك في حياتك ليس بيدك حيلة فيه) لترتاح بها نفسها وتزيل عنها القلق ,وتخفف من توترها النفسي وحالة الضيق التي تعتريها التي نشأت عن احساسها بالإحباط لمدة طويلة , لتبقى تلك الحلقة الخفية شمّاعة تعلق عليها إحباطاتها وإخفاقاتها, وتسلوا بها سلوى العاجز.
فالشخص حينما يعجز عن مواجهة مشكلاته بشكل صريح فإن ذلك يدفعه إلى ابتكار أساليب تساعده على التكيف في الحياة يقصد بها تخفيف حدة التوتر الناتج عن الإحباط .
فـ”الحلقة المفقودة” حينما صنعها -اللاشعور- لديها صنعها ليرمي عليها التوترات التي لاتستطيع النفس التعامل معها ولكي يخفف من حدة الصراعات في داخلها وتتجنب حالات القلق في مواقف الحياة ومايصاحبها من شعور بالألم
لأجل ذلك لجأ اللاشعور إلى حيلة (الإسقاط) ليتجنب ذلك كله
وهذه بالضبط واحدة من “الحيل الدفاعية” ماتعرف علم النفس بـ Defense Mechanisms

تُعَرَّف الحيل الدفاعية بأنها (عملية لاشعورية تهدف إلى تخفيف التوتر النفسي المؤلم وحالات الضيق التي تنشأ عن استمرار حالة الإحباط مدة طويلة بسبب عجز المرء عن التغلب على العوائق التي تعترض إشباع دوافعه بطريقة سوية، وهي ذات أثر ضار -عموماً- إذ أن اللجوء إليها لا يُمَكِّن الفرد من تحقيق التوافق ويقلل من قدرته على حل مشاكله إضافة إلى ذلك فهي تعمي الفرد عن رؤية عيوبه و مشاكله الحقيقية ).

هذه الحيل تحاول تغيير الواقع او تكذيبه ,وهذا طبيعي لأنه يعطينا شيء من الراحة والرضا,
هل يستخدم هذه الحيل الأشخاص الأسوياء ام هم فقط من يعانون من اضطرابات نفسية ؟
استخدامها أمر طبيعي جداً وسوي ,فـ”الأنا” في النفس البشرية تواجه أحياناً ضغوطات وتوترات لا تعرف التعامل معها ولا تصريفها فتضطر لإستخدام هذا الحيل الوهمية الخادعة لترتاح وتزيل القلق او تخفضه بصورة مؤقتة ,فالنفس البشرية بالفطرة مجلوبة على البحث عن السعادة والاستقرار النفسي والبعد عن الألم ,
لكن
في حال استخدمت بشكل مبالغ فيه ومفرط وعميق هنا تؤثر على النمو النفسي وتعيق الشخص عن مواجهة مخاوفه والتعامل معها بصورة واقعية فتشكل اضطراباً نفسيا

أنواع الحيل الدفاعية كثيرة ,منها ماهي خداعية : كالإسقاط ,الكبت ، التبرير ,التكوين العكسي والعزل .
ومنها ماهي حيل هروبية : كأحلام اليقظة و النكوص
ومنها ماهي حيل إستبدالية :كالتعويض ، التحويل و التوحد (التقمص).
وغيرها مثل: الإزاحة , التسامي والإعلاء ,التثبيت ,الإنكار التخيل ,الإبدال ,السلبية ,الانسحاب ,العدوان, التعميم ,الرمزية والمثالية

التكوين العكسي – Reaction Formation حيلة يبدي فيها الشخص أحاسيس مغايرة لمشاعرة الحقيقية,يخفي الشخص الدافع الحقيقي عن النفس إما بالقمع أو بكبته، ويساعد هذا الميكانيزم الفرد كثيراً في تجنب القلق والابتعاد عن مصادر الضغط فضلاً عن الإبتعاد عن المواجهة الفعلية، فإنه قد يظهر سلوكاً لكنه يخفي السلوك الحقيقي.
نستطيع ملاحظة التكوين العكسي في تعامل الاطفال في بعض المجتمعات عندما يلعب طفل مع طفلة وينجذب لها وتتكون لديه مشاعر حب لهذه الطفلة وحب لللعب معها ولكن خوفاً من ان يعرف ذلك صديقه ويخبر البقية فيتعرض للتهكم والسخرية او الإهانة, فيبدأ هذا الطفل في معاملة الطفلة بشكل عدواني وكأنها سبب في مشاكل الكون. وربما ايضاً يقنع نفسه بأنه فعلاً يكرها.
فالتكوين العكسي يستخدم عندما لا يريد الشخص الاعتراف بالحقيقة وهي التعبير عن (الدوافع المستنكرة) في شكل معاكس .

أما النكوص – Regression فالفرد فيه يلجأ الى الرجوع او النكوص او التقهقر الى مرحلة سابقة من مراحل العمر وممارسة السلوك الذي كان يمارسه في تلك المرحلة لأن هذا السلوك كان يحقق له النجاح في تلك المرحلة العمرية, سلوك كان مريح وممتع وأشعره بالأمان في تلك الفترة .
ولو لفترة هرباً من الضغوط المحيطة به او للتخفيف عما يعانيه من نكسات نفسية ,فيلجأ لتذكر ماضيه المليء بالأمان، وذلك لعلاقة النكوص القوية بالحاجة الى الأمان
وأكثر ما تجد هذا النوع من الحيل الدفاعية عند الأطفال الذين قد يرجعون إلى الرضاعة رغم انهم فطموا منها منذ وقت طويل او التبول اللاإرادي
والبالغين ايضاً قد يلجؤون إلى هذه الحيلة بعد خروجهم من تجارب قاسية او قوية مثلاً بأن يعود الى رضاعة ابهامه او فتاة تعود إلى اللعب بالدمى .

وقد يلجأ الفرد في مواضع أخرى إلى حيلة “الكبت” لاشعورياً لإستبعاد شيءٍ ما يثير قلقه كالدوافع والإنفعالات والأفكار الشعورية المؤلمة والمخيفة والمخزية ، وطردها إلى حيز اللاشعور , فبالكبت يتجنب إدراك دوافعه ونوازعه
التي يفضل إنكارها .

وحيناً لاشعورياً قد يمارس الفرد حيلة “التحويل” وهي تحويل المحتوى الداخلي الوجداني سواءً حالة او فكرة إلى آخر , للتنفيس عن المشاعر السلبية المقموعة نتيجة ضغوطات قاسية مثل شخص ذا سلطة فلايستطيع الفرد ان يعبرله بحرية تهيباً منه اوعجزاً عن مواجهته ,وبهذه الحيلة النفسية الدفاعية يفسر علماء النفس انفجار الزوج المقهور في عمله أو حياته العملية مثلا في وجه زوجته لأتفه الأسباب كلما تراكم الغضب المكتوم داخله أو تعرض لقهر جديد من رؤسائه وعجز عن التنفيس عن مشاعره في مواجهتهم ، ويفسرون بها كذلك كثرة الخلافات التي تقع بين بعض الأزواج والزوجات كلما تزايدت عليهم الضغوط الخارجية أو قست عليهم ظروف الحياة فيتخذ كل منهم من الآخر مجالاً للتنفيس عن الغضب المتأجج داخله بدلا من أن يتساندا في مواجهة الظروف القاسية ويخفف كل منهما عن الآخر بعض آلامه .

فياأيتها النفس البشرية عودي لرشدك ولاتدعي حيل دواخلك الخداعة تشكل مستنقعات من ترسبات فيك, وأبصري نفسك بنفسك واستنيري بواسطتك طريقك
ويانفس لاتجعلي من عجزك إسقاطات نفسك فكل ماترينه ماهو إلا ظلالك , صُنع منك
واعلمي يانفس ان اول بدايات نجاحك واول خطوة لطريقك ان تبصري نفسك كما هي
وانك أكبر من اي شيء وأقوى من كل شيء ,فقط أبصري نفسك وانطلقي
🙂

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى