رسائل المجموعة

الانفتاح المعلوماتي.. وفرة أم فورة !!

غرقت في غفوة بسيطة على متن الطائرة، لأستيقظ باحثا عن كراستي ومحبرتي، أو عن دفتري وقلمي كيما أدون ما دار بخاطري، بين أجواء السحاب ونقائه،  حول حال الناس مع المعلومة والعلوم في الاندفاع نحوها وتلقيها.. بين الوفرة من الكثرة، والفورة من الغليان والسخونة..

بين الوفرة والفورة..

في حقبة زمنية تفجرت بها الثروة المعلوماتية، بما لم يعهد له سابقة، حتى أصبح العالم قرية صغيرة سرعان مايتناقل الناس خبر مشرقها في مغربها، وفي هذا العصر تحديدا نشهد تزاحم توارد المعلومات والثقافات، وتزاخم كمها أمام كيفها، وتلاطم أمواجها لتبدي براعة البحار وحذقة المحترف الماهر، ومع كل ذا فهو لايأمن المخاطر، وإن تكن روحه عشقها دوما أن تغامر!!

سرعان ماتأتي المعلومة لتصطدم بها معلومة أو معلومات أخرى تدعمها أو تنقضها، بشكل متسارع ومن عدة اتجاهات وجهات، فبعد أن كنا نبحث عن وفرة المعلومات أصبحنا نعاني من فورتها!!

تأمل في أصناف الناس مع المعلومة

تواردها بهذا الشكل يدفع بالواحد منا دون أن يشعر نحو هوس معلوماتي ينتقل به تدريجيا من جوهرها إلى مظهرها، فكأنه أشبه بمذياع لديه الخبر دون  فهم كنهه وفحواه، بعيدا عن سر المعلومة وحيثياتها، وتجده على أي موجة تريده، ولعل المثال يجده البعض أقرب بقنوات التلفزة وربما في فترة قادمة يكون أشبه بموقع انترنت يحمل كما معلوماتيا دون أن يعي في ذاته مضمون مابين صفحاته، وإن قلنا صفحات فنحن نعود إلى الكتاب لنقول العبارة الشهيرة: العلم في الصدور، وليس في السطور، وليت شعري في صنف من هؤلاء سريع الالتفات، يتكلم في كل شيء ولايتقن شيء، لايملك من العلوم سوى الفُتات، وقدر كل امرئ ماكان يحسنه.. وإن كنت أجد قدر الإنسان فيما يقدمه من نفع لنفسه أولا فمن حوله، ولكن كيف سيفيد إن لم يفد ذاته، وأنى له ذا إن لم يتقن ويحكم!!

وصنف قوي العزيمة حريص على تحقيق مايواكب طموحه وهمته، هدفه التمكن والإحكام فيضيع في دهليز العلوم والمعارف، كلما تبدى له فن انطلق نحوه ليحكمه ويتقنه دون أن تكون له خطة واضحة يسير على أثرها بخطى ثابتة، فتجده جوهرا فريدا بين الصدف، قلما خرج أمثال هؤلاء من هوس الإنجاز والإحكام، ونشوة المعلومة وفورتها، حتى يتسعوا وبقوة في مجالات العلوم بشكل منطقي مدروس، وليحذروا فقد قيل: إن للعلم طغيانا كطغيان المال.
وآخرون لاتجد هدفهم كسابقيهم، وإنما يهدف بهم الموج حيث الأضواء والفورة المعلوماتية، دفعت بهم حماسة الجديد، فلست أدري هل فورته توصلهم، ولا أدري إلى أين الواحد منهم يسير !

 

والعاقل.. من تأمل قوله تعالى : (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فاستزاد من هذا القليل مايترجم شكر المعلومة بإتقانها وإحسانها ونشرها بما ينفع الناس إرضاءً لرب الناس، يسير أو قل يطير.. عينٌ على الهدف تراقبه وتراقب مساره وفق خارطته التي رسمها في رحلته، وعينٌ تتأمل من حوله تستكشف كلما يفيده، (وسخر لكم مافي السماوات ومافي الأرض جميعا منه ) فبعد ذا التسخير لايكون التقصير إلا منا، فلنتعلم من كل شيء أيما كان، فذا حال الأصفياء والعقلاء، يجعلون من كل شيء درسا وعبرة، لأنهم يدركون أنما حصلوا عليه قليل من القليل، فلايتكبرون البتة، ومن ظن أنه قد علم فقد جهل.

وأما محارب العلوم ومعاديها، المتقوقع على فهمه ومالديه، فلا أجد من الحاجة في مقالي الاستطراد بوصف حاله، ولكن أقول: الإنسان عدو ماجهل، ولاأنسى ذكر آخرين ممن يحتكرون العلوم ويبخلون بها، ألا يعلمون أن العلم يزكو بالإنفاق!!

ختام

ويحسن الختام بقوم كرام، وصفهم من كل خلق أكمله، ومن بحر العلوم أحكمه، ومن سمات الأدب أجمله، مبتغاهم وجه الكريم المعبود، ومرتقاهم عالٍ ليس له حدود، أساسهم: إخلاص النية وإفراد القصد لله، وإعطاء الأمر مايستحقه من الهمة من الإعداد والبحث والاطلاع والاتساع من كل مايحتاجه، والثالث تفويض الأمر فيه إلى الله أي عدم الاعتماد على شيء من ذلك في نجاح العمل وتمامه إلا على الله.

شكرا إلهي على ماوفقت، وعونا منك سيدي في القادم، أسألك أن يكون مقالي هذا مؤشرا لمن أراد أن يجد أين هو، ونقطة انطلاق لمن يعي مابين أسطره من إشارة، وإلا فإن عالم النفس البشرية عميقة لاتسعها المقالات..
هذا ولي في شرح بعض الحال ما ** يُسلي فؤاد المستهام النازعِ

صباح الجمعة 20 – 1 – 1430هـ – على متن الطائرة

محمد السقاف
www.saqaf.com

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. الأخت ود.. شكرا لكِ ولتعليقك، وبعد كل ذلك ماذا كانت أفكارنا وما المفترض أن تكون..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى