رسائل المجموعة

الإسلاميون .. الوعد أم الوعيد

افرز الربيع العربي لنا واقع جديداً قد يستغرب منه البعض, والبعض الآخر لا يفهمه والبعض الأخير هول الصدمة جعله يطلب المزيد من الوقت حتى يستوعبه , ففيه تغيرت الكثير من الأدبيات والأفكار والرؤى والتوجهات , وظهرت الكثير من الشخصيات التي إما كانت مهمشة أو ملاحقة أو منفية أو معتقلة وهو ذات الحكم على عدد من التنظيمات والجماعات والأحزاب والتيارات الفكرية والسياسية التي عاشت في الحديقة الخلفية للمجتمعات العربية والإسلامية , بعيدة عن الواجهة السياسية والإعلامية  وأضحت دوماً في حال مواجهة وتدافع وصراع على البقاء ومناورات للعمل وكسر الحصار والبحث عن نوافذ للتواصل مع القواعد الشعبية والقيادات المجتمعية مهما كانت شدة الضغوط أو علو الأسوار أو قسوة الحصار أو ضراوة المعارك .  
 عجلة الربيع العربي المتسارعة التي انطلقت جعلت الكثيرين مذهولين من هذه التحولات الكبرى والتي تنبئ عن دخولنا دورة حضارية جديدة ذات عمق مختلف ورؤية جديدة وفكر متجدد وواقع متغير , كفر بالماضي المظلم وآمن بالمستقبل الواعد .
  دورة مختلفة عن سابقتها في التعاريف والمحاور والأطر والمخرجات , وعليه فالكل مهموم بالمستقبل والجميع متحمس لمعرفة باقي حلقات المسلسل الذي جعل المواطن العربي يهجر الدراما ويتخفف من الرياضة ويدمن على مشاهدة الأخبار ومتابعة الأحداث ويألف كلمة عاجل والتي أضحى يشاهدها عشرات المرات يومياً بعد أن كان يشاهده
مرة أو مرتين أسبوعاً , يعيش حالة من الترقب ويحاول أن ينسج خيوط المستقبل في سماء وطنه الجديد .
 
و المراقب هنا للأحداث من قرب يشهد ويلاحظ صعودا كبيراً للحركات والأحزاب والتكتلات الاسلامية والتي ضلت
على الهامش لعقود طويلة بل أنها كانت على مرمى ملاحقة الأنظمة التقليدية السابقة .
 
هذا الصعود له عدة ملامح إيجابية ومشجعة على المستوى الوطني والتنموي والتغير الحضاري الذي يرسم ملامح المنطقة الآن , أولها هو الاختيار الشعبي للقيادات التنفيذية والتشريعية بكل حرية وشفافية , وثانيها هو وقف الانفصام التاريخي النكد بين ما يريده الشعب وما تريده الطبقة الحاكمة وهو بلا شك أصبح لعقود أحد أكبر إشكاليات  الفشل التنموي والصراع الحضاري بين المجتمعات وغياب الاستقرار والرخاء والعدالة والحرية والكرامة عن المجتمعات وإقصاء الدين وطمس الهوية وتدهور الكثير من البلاد العربية وانتشار الفساد والمحاصصة والاحتكار وتفشي الفقر والبطالة والجريمة  ..
 
وهنا اصبحت الكرة في ملعب التيار الاسلامي الذي سعى لذلك من أكثر من مائة عام حيث حال الاستعمار بينه وبين ذلك وثم جاءت مرحلة الجلاء حيث خرج الاستعمار ولكن المجتمعات لم تتحرر بعد وتنطلق وأصبحت الان في المربع الثالث
حيث إنتقلت من حال الجلاء إلى حال التحرير
حيث يعتبر فضاء التحرير وسيادة الشعب على قراره والأمة على نفسها وعودة الشريعة والمشروع الاسلامي لاعبا أساسيا في التعاطي السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمنطقة تحولاً كبيراً في المشهد ..
 
ومن سمات هذا الصعود أنه لم يكن مسلحاً أو عسكريا بل صعوداً يحسب له انه جاء سلمياً بعد نضال سياسي وحقوقي كبير امتد لعقود وهو ما جاء لمصلحة الاسلاميين حيث أصبح الخطاب أكثر رشدا وتعقلاً ومرونة واستيعاباً لمتغيرات العصر وتحولات الواقع
 
وظهر هنا  ومن خلال الممارسة الأولية أن هناك نضج يلوح في الأفق داخل هذه التجربة التي تتشكل الآن
وهي علامة هامة من علامات انتقال المشروع الاسلامي من مرحلة الصحوة إلى مرحلة اليقظة
حيث يدخل مع الحماس والتدفق والرغبة في العمل و الإنجاز , الحكمة والموضوعية والهدوء والتعقل والبناء الاستراتيجي للمشروع والتدرج في التطبيق والبعد عن تزكية النفس و أي تشنج  أو استبداد فكري أو علمي أو استئثار أو شمولية في القرار أو الأفكار  .
 
كما تمتاز المرحلة باتساع دائرة قبول الآخر والتكامل معه بدل التنافس السلبي والصراع
خصوصاً مع أصحاب التقاطعات الهامة معه في المشروع الوطني أو النهضوي أو الحضاري
كما يلاحظ أن الخطاب الإسلامي هذه المرة لم يغفل البعد الوطني أو القومي في أدبياته وكان حاضراً وبقوة وانطلق على مزج فكرة ظلت سنوات في كتب المنظرين والباحثين الاسلاميين وخرجت الى الواقع العملي مؤخراً وهي أن يجمع المنهج العملي بين الأصالة والمعاصرة وبين التفاعل  بلا ذوبان والخصوصية بلا انغلاق .
 
كما يلاحظ أيضاً استيعاب أكبر لفكرة الشورى كأحد أدوات الديموقراطية المعاصرة والبعد عن سجال المصطلحات والتركيز على المآلات وفقه المقاصد والذي بزغ نجمه مع فقه الواقع بالإضافة إلى الروح التجديدية في السياسية الشرعية والتي دارة عجلتها بشكل متسارع مواكبة لمتغيرات العصر وتحولات الواقع .
 
وفي فضاء آخر امتاز الخطاب الموجه للخارج بقدر من الوعي السياسي والحصافة ومراعاة التوازنات الدولية مما جعل عقلاء العالم ومنصفيهم يقرون بحق الإسلاميين بأخذ مكانهم الطبيعي في هذه المجتمعات وعودتهم إلى الواجهة , لا سيما أن الغرب في نظري أدرك تماماً أن ظاهرة الإرهاب والتمرد المسلح وحروب الشوراع والعمل السري ما هي إلا نتاج الكبت والملاحقة والتهميش والاستبداد والذي طال الكثير من هذه المجتمعات والتنظيمات , وحّول عملها إلى نطاق السرية بدل العلن وانتقل الطابع التنظيمي لها بعد حصارها وملاحقتها والتضيق عليها من طابع الحزب إلى  طابع الجماعة ثم إلى طابع  المجموعة وكل ذلك أفرز الغموض والريبة والتناحر والصراع الوجودي والذي ينتهي بتدمير كل طرف للآخر والنقمة عليه .
 
وهي ما تأثر به الكثير من المناطق التي أصبحت مناطق ساخنة بسب هذا الصراع , فالأفكار الصالحة لا تنبت إلا تحت الشمس وفي الهواء الطلق , ولا ترشد داخل الغرف الضيقة وتحت الأقبية البعيدة عن النور وهو أمر أدركه الكثير من الحكماء والعقلاء وتغافل عنه البعض أو منعتهم شقوتهم , فالحرية هي البيئة المستجلبة للاستقرار والعمل والإنتاج والبناء ورفعة الوطن وعدالة الإنسان وكرامة المجتمع .
 
فعدم تنفيس الاحتقان وغياب الحل السياسي و الإيمان الكبير بالحل الأمني دائما والذي في الغالب ما يعود بآثار سلبية على المجتمع ويجعل الدول تعيش على صفيح ساخن وتنتقل طاقة أفرادها من البناء والإعمار إلى الصراع والدمار
ومن التفاهم والاستيعاب الى التناحر وتصفية الحسابات وهذا أمر خطير يجعل الدول تدخل في خندق قاتل لا تستطيع الخروج منه إلا بثمن باهض جداً ..
 
علينا جميعاً تفهم أن التجارب الإنسانية هي تجارب تراكمية تولد وتراهق وتنضج  وهو الأمر ذاته في كل ماهو متعلق في اجتهادات البشر والصراعات الفكرية والفلسفية وعليه فعلى الإسلاميين مواصلة نقد تجربتهم من الداخل وتصويب أي قصور أو نقص , والاستفادة من جميع التجارب النموذجية انطلاقاً من ثورة محمد عليه الصلاة والسلام الكبرى حتى الآن .
 
وقيادة المنطقة بشكل عاجل إلى أوضاع أفضل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاستثمار في الإنسان وعلاج المشكلات الملحة والملفات الساخنة والاستمرار بهذه الروح الجمعية والائتلافية المستوعبة للجميع والمحتوية للفرقاء والخصوم , والسعي الجاد لأوطان أرقى وأقوى وأجمل , وأمة ناهضة ومتحضرة , عليهم باختصار أن يكون الوعد ولا يكونوا الوعيد ..  


  بقلم / سلطان بن عبدالرحمن العثيم

مستشار ومدرب معتمد في التنمية البشرية والتطوير CCT
باحث في الفكر الإسلامي والسيرة النبوية الشريفة
ايميلي

مدونة نحو القمة
هنا
 
 أسعد بتواصلي معكم عبر
 
توتير
 اضغط هنا
 


تابعوا جديد شبكة أبونواف على فيس بوك وتويتر

   

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. بارك الله فيك يا أخي سلطان على المعلومات…الله ينصر دينك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى