رسائل المجموعة

أَدَبيِّات : يومياتي غير :)

ثالوث السَّعادة
بِالرُّغمِ من أَنَّه مُتَّصلٍ طِوال الوَقت في إجازَةِ نهايِةِ الأسبُوع , إلاَّ أنَّنا نادِراً ما نَتَحدَّث , و لكنَّنا عِندَمَا نتَّحدَّث , فَهذا يعنِي ساعَةً على الأقلَّ من حوارٍ مُلتَهِب , صَديقي خالِد طبيبُ سعودي في كَنَدا , يُفاجِأُني بأسئِلةٍ من العيارِ الثقيلِ أَحياناً , أَسئِلةٌ تحتاجُ الى كُتُبٍ كامِلَةٍ للإجابَةِ عليها , ما مَفهُومُكَ للسَعادَة؟ , كانَ سُؤالَه الأخير !
دَقيقَةٌ أَو أقَّل هي التي استَغرَقتُها لأغوصَ في سِنيِّ عمرِي الماضِيات , لأَرى ماذا كانَ يُبهِجُني و يُدخِلُ في قَلبيَ السَّرور؟ , ما الذي كانَ يجعَلُني أنام قَريرَ العين؟ , ماهي أَركانُ السَّعادَةِ في حَياتي اليوميِّة , وليسَ ما أسمَعُهُ من كلامٍ أجوَف لا يمُتَّ الى السَّعادَةِ بِصِلَة ؟
خالِد , أَركانُ السَّعادَة في حَياتي أنا ثلاثَةٌ لا رابِعَ لَهُما , أَستَطيعُ الجَزمَ بِهم بعدَ تجارُبَ عديدَة , وجدتُ أُكسيرَ السعادة فيهِم , ليسَ بالضَّرورَةِ أن يكونوا ملائِمينَ لغيري , و لكِني أَجدَهمُ مالا أَستَطيعُ الاستغنَاء عنه , الصلاة , رضى والديِّ و أن أحرِص أن يكونَ مالي حلالاً لا شُبهَة فيه , هُنا أَجِدُ سعادَتي مهمَا اعتَرَضني مِن مُعوِّقات , أو واجَهتني مِن مَشاكِل !
خالِد يقولُ أنَّ السَّعادَة تكمُنُ في القَناعَة , فمَن يقتَنِعُ بما يفعلُ من عملٍ فهو سعيد , وضَرَبَ مَثلاً بِمن لا دينَ لهُ ولا يعرِف الحلالَ مِن الحرام في أموالِه ومَعَ ذلِك َ يعيشُ سعيداً أيضا , إذاً هيَ قناعَةٌ داخِليِّةٌ بمفهومِ السَّعادة !
بيني و بينَ خالِد , اختَلَفتِ الآراء , ولكنَّنا دائِما نُؤمِنُ كِلينا , أنَّ إختلافَ الآراء لا يُفسِدُ للوُدِّ قضيَّة
 
ليسَ كلُّ الدهرِ يوماً واحِدا .. رُبَّما ضاقَ الفتَى ثُمَّ اتَّسع
يقول .. كأنَّني أَحلُم ! , لا أَستطيعُ أنَّ أُصدِّقَ أَنَّ ذلِك قد يحدُث و في غضونِ سنةٍ واحِدَة فقط ! , سعود و حرَمُهُ يتقاضَّيانِ ما مجموعُه 18 ألفَ ريالٍ شهريا , تلقَّفَهُما تيَّارُ الأسهمُ السعوديِّة في بدايةِ العام 2005 , وعاشا كَما عاشَ الكثيرونَ في أُكذوبَةٍ اسمُها الثراءُ الفاحِش , يستطرِدُ سعود قائِلاً : لم أكُن أَحسِب للمالِ حساباً , كُنتُ أُنفِقُ كمن لا يخشى الفَقر , و أَبذَخُ حتَّى أًصبَحَ المالُ بِلا قيمةٍ عندي ! , يقولُ سعود وفي عينيهِ ابتسامَةٌ يائِسة وهو يسترجِعُ شريطَ الذكريات الى يناير 2006 , كنتُ و أم مشاري في إكسترا صباحَ يومِ خميس , قالَت لي وهي تُقلِّبُ ناظريها بين مئات الشاشاتِ المعروضة , مشيرَةً بسبَّابَتِها نحو شاشَةٍ بقياس 42 بوصة : أبو مشاري, يا زين هالشاشة في صالتنا , يقولُ فأخذتني العزَّة قائِلاً تراها جِتِك , 12000 ريال سعودي هي قيمَةُ تلكَ الشاشَة دفَعها سعود بابتِسامَةٍ عريضة.
سعود و حَرَمُهُ لا يدينانِ لبنكٍ بقرضٍ بِمنفَعَة , ولا يطرُقُ أصحابُ الدَّينِ أبوابَهم , دخَلا عالم الأسهُم بما فاضَ عن حاجَتِهما , و خسرا الكثيرَ مما زجَّوا بِهِ في تلكمُ المحرَقة , ولكِنَّهُ الشعورُ بالأسى من تبدُّلِ الحالِ في فترَةٍ وجيزَة , جَعَلَهما يقفانِ مشدوهينِ مما يحصُل , كانا يبنيانِ حُلُماً ورديِّاً حينَما يصبحُ رصيدُهم ذو سبعةِ أرقام , ولكنَّ الصدمَة كانت أقوى مما خطَّطا له , أعادَتهُما الى المربِّع رقم 1 مرَّة أخُرى. ومَع ذلِكَ فهُما يعلمانِ تمامَ العِلم أنَّهُما أفضلُ حالاً من كثيرٍ تعلَّقت مصائرُهُم بقروضٍ لخمسِ و سبعِ سنواتٍ قادِمة , سعود .. يقولُ ابو العتَاهيَة مُخاطِباً إيِّاك:
ليس كل الدهر يومـا واحـدا ربما ضاق الفتى ثـم اتسـع
احمـد الله علـى  تدبـيـره قدر الرزق فأعطـى و منـع
يصرع الدهر رجـالا تـارة هكذا من صارع الدهر صرع
و تذكَّر , منْ أعطاكَ في المرَّة الأولى قادِرٌ على أن يعطيك ثانيَةً و ثالِثة , وكَما أنَّ الدنيا ليسَت سَعَةً دائِماً فهيَ بِكُلِّ تأكيد ليست ضيقةٌ دائِما , ولكنَّ المُهم ألا تجزع , و كُن دائماً أقوى من نوائِبِ الدَّهر , و دوِّر بالشِّدَّة حزام 😉

تِتبَغدَد علينا؟
لم أَكُن كَكثيرٍ من أَبناءِ جيلي مَفتُوناً باللهجَةِ الشَّاميِّة , فلَم تُعجِبني حَكياتون , و إنَّما شغَفَ قلبِي حُبُّ العِراق , وأَهلُ العِراق , و إدَّلل عيني , و شـ تريد هسَّا؟ , مُذ كانَ أبو وِسام يُتَغنَّى بـعبرتِ الشَّط , و إلى أنْ وَقَعتُ في حُبِّ أهلِ الزُّبير , و بينَ هذا و ذاك , أعوامٌ أُشرِبَ فيها قلبي حُبَّ ذلِكَ البلَد! ,  ولأَني دائِماً ما أَكونُ مُتَّهمَاً بالمُغالاةٍ عِندَما أُحِبُّ شخصاً أو جَماعَة , فأرجو أن يعذُرني من لا يعرِفُني , فلم أَكُن أعرِفُ من الزُّبير الا اسمه , وحتى جمَعتني الأقدارُ معَ أُناسٍ من تِلكَ البَلدَة .. هكذا صوَّرَها الإعلامُ لنا في حربِ العِراق الأخيرة.
الزُّبير بلدَةٌ صغيرة , نزَح لها كثيرٌ من أهالي نجْد في زمانِ الضيق , يومَ أنْ كانَ العِراقُ قِبلَةَ الباحثين عن الرِّزق , و عاد أَغلَبُهم في نهاياتِ القرنِ الماضي , هذِهِ هيَ الصَّورَةُ التي كُنتُ أحمِلُها عن الزُّبير , و إلى أنِ التقيتُ بالكثيرِ مِمَّن ينتَمون إليهاو إن لم يعيشوا فيها , ولكنَّ أهاليهم قضوا فيها رَدحاً من الزَّمن. الزبارا كما يُحبِّونَ أنْ يُطلقَ عليهم مُتعلِّمون بالغالِب , مترابِطونَ اجتماعيِّاً بشكلٍ يُحسَدون عليه , طلِقو المحيَّا , وعِندَما يتكلَّمُ أحدُهُم فستقول ليتَ أنَّهُ لا يسكُت! , لهجَتُهم تجمَعُ بينَ نجدٍ و العراق , و مُفرَادُتهم مُلفِتَة , ما هي أداةُ النَّفي بلهجةِ الزُّبير , فالإخبارُ عن عدَمِ المجيِْ في لهجَتِهم يعني ما جاي , و عدمُ الذَّهاب يعني ما رايِح , يعشقونَ الكويت بهَوَس , و يشربون القوري بإدمان ! , عنَّي أنا و كرأيٍ شخصي بنيتُهُ من خلالِ معرفتي بالعديدِ منهُم .. أراهُم مِن أفضلِ فِئات المُجتمع أدباً و عِلماً و احتِراماً للغير , و عاشوا الزبارا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى