رسائل المجموعة

أقصاء طبيبة سعودية من منصبها !!؟؟

أقصاء طبيبة سعودية قادت الحملة الوطنية للفحص قبل الزواج

تحقيق: ميرزا الخويلدي : بجسده النحيل، جلس فيصل الناصر، 15 سنة، على المقعد أمامي، وأخرج ألبوماً من الصور قبل ان يشير بإصبعه إلى صورة في الوسط، ويقول متسائلا: هل تعرف هذا الولد؟ إنه صديقي أحمد المصاب بالثلاسيميا، لقد توفي قبل ايام. يده الأخرى بدت مرتعشة وهو يخرج صورة اخرى لصديق آخر توفي بدوره في الآونة الاخيرة.
كان منظر الشاب «فيصل» متعبا بسبب المرض الذي استنزف قواه الى جانب عمليات تبديل الدم، وترسب الحديد في جسده، والى جانبه وقفت والدته «ام فيصل» محتضنة فتاة مصابة بهذا المرض.
«ام فيصل» وقفت ايضا في مجلس أحد المسؤولين الذين يقدمون خدمات جليلة للمرضى طالبة المساعدة. وحين رمقتها العيون قالت: إن كل ما اطلبه هو توفير «الدم» لولدي الذي يصعب عليه العثور على فصيلة الدم المناسبة لجسمه من بنك الدم.
معاناة «فيصل» وأمه، هي جزء من معاناة نحو مليون ونصف مليون مصاب او حامل لهذا المرض الوراثي. وعلى الطرف الآخر وقفت سيدة سعودية هي الدكتورة هدى المنصور، التي نذرت نفسها لمكافحة هذا المرض ومواجهة انتشاره. عملت الدكتورة هدى المنصور خلال سنوات طويلة في مركز امراض الدم الوراثية، ومشروع خيري آخر للتوعية وتوفير الخدمات للمرضى. لكن جهدها الرئيسي الذي عملت فيه بكل صلابة كان محاولتها إقناع فئات المجتمع المختلفة، بدءاً من كبار المسؤولين والعلماء، والمجتمع بأهمية تشريع إلزام الفحص قبل الزواج للحد من إنجاب أطفال يحملون هذا المرض الفتاك.
وعملت الدكتورة هدى المنصور بصلابة وتماسك رغم الحملات التي تعرضت لها من اجل التوعية، ومن أجل شرح رسالتها ونقلها لأصحاب القرار. وحين تكللت تلك الجهود أخيراً بإصدار مجلس الوزراء قراراً يلزم فيه ابتداء من العام الهجري المقبل بالفحص قبل الزواج، فإنها تشير بالفضل الى جهود المسؤولين وزملائها والمرضى وأهاليهم في هذا القرار.
وتقول الدكتورة هدى المنصور« لقد تقدمنا خطوة كبيرة للأمام. صار الآن أمام كل المتزوجين نتيجة الفحص وعليهما القرار. فالتشريع لا يمنعهما من الزواج ولكنه على الأقل يجبرهما على معرفة مصير الأبناء، وبالتالي يضعهما أمام مسؤولياتهما.
* رسالة ومشكلة
* واجهت الدكتورة هدى المنصور منذ شهرين تقريباً مشكلة إدارية تمخض عنها في النهاية صدور قرار عن مدير عام الشؤون الصحية في منطقة الاحساء يقضي بإقصائها عن إدارة مركز أمراض الدم الوراثية في الأحساء وتحويلها الى المختبر. وشكل هذا القرار صدمة عنيفة لكل المتابعين لأنشطة هذه الطبيبة السعودية المتميزة.
ورغم التسريبات التي سبقت وأعقبت هذا القرار، ومنها رسالة وزعت عبر الفاكس تتهم الطبيبة بتعريض عدد من المرضى والمريضات الذين اصطحبتهم لحضور المؤتمر العالمي لأمراض الدم الوراثية في مدينة باليرمو الايطالية في منتصف اكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لمشاهدة المناظر الإباحية، والاختلاط واستعراض الوجبات التي تتضمن مأكولات محرمة، فإن الرسالة حملت الطبيبة أيضاً مسؤولية مشاهدة المرضى للمناظر التي صادفتهم في الشوارع وهم في طريقهم من الفندق الى قاعة المؤتمرات، مثل مشاهدة «نساء متبرجات»، وما يعرض على شاشة التلفزيون في غرف الفنادق.
وبينما تلقت الدكتورة هدى المنصور قراراً من مدير الشؤون الصحية في محافظة الأحساء، بنقلها من إدارة المركز إلى المختبر فإن تلك الرسالة لم توضح أسباب النقل.
رفض مدير عام الشؤون الصحية في المنطقة الشرقية، الدكتور عقيل الغامدي الإجابة عن سؤال لـ«الشرق الأوسط» يتضمن شرح ملابسات النقل.
من جهتهم انتقد عدد من المرضى وآبائهم في رسائل تلقتها «الشرق الأوسط» ما سموه «الممارسات الكيدية»، التي تقف وراء اقالة المنصور.
وبعث المرضى وآباؤهم رسالة الى وزير الصحة يطالبونه فيها بتحري الأمر وانصاف المنصور.
وتقول الدكتورة هدى المنصور إنها تجهل السبب الحقيقي لإقصائها من إدارة المركز، الذي عملت فيه طويلاً، وقامت بواحدة من أكبر الحملات الوطنية لتطبيق الزامية الفحص الطبي قبل الزواج لمكافحة امراض الدم الوراثية.
وبشأن الاتهامات التي وردت في الرسالة التي وزعت اخيراً ولاقت رواجاً، قالت المنصور «بعيداً عن الاتهامات الجارحة والواهية، والتي تنال من المرضى وعائلاتهم الذين رافقوني في هذه الرحلة فإنني لا أجد نفسي معنية بالرد عليها، خاصة وأنني انتقلت بنحو 52 مريضاً وعائلاتهم الى جانب فريق طبي وعلمي من المركز لرعاية مرضى الثلاسيميا».
واضافت: «كل مريض كان يخضع لإشراف ورعاية ذويه بالاضافة الى رعايتنا. كما اننا كنا في مؤتمر علمي وليس في رحلة استجمام. ولا اعلم الدافع وراء مثل هذه الشكاوى سوى محاولة التصدي للنجاح الذي حققناه».
وعما اذا كانت قد قدمت ما كانت تطمح إليه في مركز امراض الدم الوراثية قبل عزلها من ادارته، قالت الدكتورة المنصور: «بالنسبة الى مركز امراض الدم الوراثية فقد تم إقصائي أخيرا عن ادارته، ولكن خلال الفترة التي قضيتها فيه تم تطوير كبير في سير العمل حيث ساعدنا في اشراك المجتمع في تطوير هذا المركز.
واضافت انه قبل تسلمها لادارة المركز لم يستقبل هذا الاخير ايا من المقبلين على الزواج للفحص أوالاستشارة، «وبحمد الله خلال إدارتي للمركز تم انشاء قسم متكامل للفحص قبل الزواج وذلك بمجهودات ذاتية من اهل الخير وباشراك المجتمع، فصار هذا المركز أول مركز فحص ما قبل الزواج لأمراض الدم الوراثية على مستوى المملكة. وصرنا نستقبل عشرات الحالات يوميا للفحص الوقائي».
وبخصوص قيامها بجولات من المباحثات مع رجال الدين من أجل إقناعهم بضرورة تشريع إلزامية الفحص قبل الزواج، قالت الدكتورة المنصور: «بالنسبة لرجال الدين، تمت لقاءات كثيرة مع المشايخ ورؤساء المحاكم والقضاة. وقد كاتبنا جميع أعضاء هيئة كبار العلماء الموقرين شارحين هذه القضية وأبعادها. وأصدر كثير منهم فتاوى تحض على الفحص وتحث عليه وبعض تلك الفتاوى ترى بخطأ من يقدم على زواج في منطقة منتشر فيها المرض من غير فحص. وكانت استجابتهم جيدة جدا».
وفي سياق ذلك، ابدى المريض فيصل الناصر، الذي رافق الوفد الى ايطاليا، حزنه على الحملة التي تعرضت لها الدكتورة المنصور. وقال: «رحلتي الى ايطاليا فتحت عيني على عالم آخر. هناك رأيت مرضى الثلاسيميا من كل أنحاء العالم. رأيتهم أصحاء ويتلقون العلاج بطريقة متقدمة عما يحدث عندنا». ورداً على سؤال عما لفت انتباهه في ذلك المؤتمر، قال فيصل الذي توجد لديه شقيقة أخرى مصابة بنفس المرض»، «إن أكثر ما شدّ انتباهي وحاولت الاستفسار عنه، هو عدم وجود أطفال من بين المصابين بمرض الثلاسيميا في ايطاليا او من بين الحضور المشاركين، وحين سألت عن سر ذلك أخبروني أنهم بدأوا برنامجاً لمكافحة المرض والحد من الزيجات التي ينتج عنها مصابون.
واضاف الناصر«كذلك لفت انتباهي وجود مراهقين في مثل عمري، ولكنهم يمتلكون أجساماً ناضجة وفتية عكس اجسادنا الذابلة والنحيفة، وكان جواب المشاركين في المؤتمر حول سبب ذلك هو انهم يستخدمون اجهزة متطورة وإبراً لا تسبب الاما للأطفال، على خلاف ما هو موجود عندنا هنا حيث تؤدي عمليات الديــسفـرال الى مزيد من الآلام والمتاعب للمريض».
أما والدة فيصل فكتبت تقول لـ«الشرق الأوسط» إن الطبيبة هدى المنصور «ابت بعد أن علمت بحالة أبنائي المصابين بمرض الثلاسيميا أن تتركنا من دون رعاية فقامت بجهود جبارة لمساعدة أبنائي المصابين».
من جانبها، قالت عبير المنابري، وهي والدة أحد المصابين بالثلاسيميا، ومديرة لفرع مشروع مكافحة أمراض الدم الوراثية في المنطقة الغربية «إن دور الدكتورة المنصور واضح وجلي، ولم نكن نتوقع ان تكون مكافأتها على جهودها هو إقالتها من ادارة المركز».
سيدة أخرى اسمها «أم أنور» من المدينة المنورة، وهي والدة أحد المرضى الثلاسيميين، حضرت ايضا مؤتمر ايطاليا قالت: «أنا حزينة لما حدث للدكتورة المنصور، كنا محتاجين لجهوده».
واضافت «كانت رحلة ايطاليا فرصة عظيمة بالنسبة لكل المرضى واستفدنا في التعرف على المرضى من جميع أنحاء العالم الذين شاهدناهم يتمتعون بصحة جيدة وكان لذلك تأثير كبير على اولادي المصابين».

* خطر الثلاسيميا
* يتركز ثلث مرضى فقر الدم المنجلي في السعودية في المنطقة الشرقية التي تضم الاحساء.
وقد سجلت العام الماضي نحو 735 الف حالة في المنطقة الشرقية مقارنة بنحو 58 الف حالة في الرياض و360 الف حالة في المنطقة الغربية، و292 الف حالة في المنطقة الجنوبية.
ويصل معدل انتشار الانيميا الوراثية المنجلية عام 1992 في المنطقة الشرقية 30%، تليها جيزان 20%، والقنفذة 18%، وخيبر 14%، وأقلها الرياض 2%.
وترى الدكتورة المنصور أن مشكلة انتشار امراض الدم الوراثية في السعودية تتفاقم بشكل تراكمي حتى وصلت الى مستوى الكارثة. وهي تسعى لأن تتولى الجهات المعنية تنفيذ مشروع وطني لمكافحة المرض وتقول: لا يمكن السيطرة على هذه الكارثة رغم برامج التوعية المكثفة، ولا يمكن الحد من تزايد الاصابة بالمملكة اذا لم تتدخل الجهات المعنية في الدولة عن طريق الدعم الرسمي لاصدار قرار الزامي للمقبلين على الزواج باجراء الفحص. ومنذ زمن تطالب الدكتورة المنصور بإصدار قرار الزام الفحص عن اشد امراض الدم الوراثية خطورة وانتشارا «الانيميا المنجلية والثلاسيميا» لراغبي الزواج قبل عقد القران بصفة رسمية لانه طريق الوقاية الوحيد لحماية الأطفال، كما تقول.
وتقول الدكتورة المنصور انه رغم برامج التوعية المكثفة ورغم قيامها شخصيا بالتأكيد على حاملي الصفة الوراثية بعدم الارتباط الا بعد اجراء الفحص للطرف الآخر الا أن الكثير من المواطنين يقعون في حرج وعدم اخذ الامر بالجدية، مشيرة الى انها ادركت انهم بحاجة لجهات رسمية ترفع هذا الحرج عنهم وبصورة عاجلة فالجميع مقتنع باجراء الفحص قبل الزواج ولكن لم تكن هناك آلية تنفيذية رسمية جادة لحماية الاطفال من هذه الاصابة.
موضحة ان الامر كان متروكا لمن يرغب، ومن هنا احست بالمسؤولية بصورة مباشرة، خاصة وان دراستها وعملها في مجال كيمياء الدم والتحاليل واكتشاف وجود مثل هذه الصفات الوراثية التي وجدتها في وطنها على نسب عالية.
انذاك احست الدكتورة المنصور أن المجتمع في خطر وأن نسبة حاملي الصفة الوراثية فيه هم اكثر من ثلث السكان تقريبا. مشيرة الى انها لم تعد تستطيع النوم ولم يهدأ لها بال، معتبرة ان هذه الحقائق العلمية يجب ان يعلم بها المسؤولون بصورة واضحة، ومن هنا بدأ المشوار.
وقالت ان ما جعلها تتجه لتكوين مشروع اهلي تطوعي هو احساسها بأن هناك شرائح عديدة من المجتمع يجب ان تشرك في هذه القضية لانها في نظرها قضية المجتمع ككل.

المصدر : جريدة الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى