رسائل المجموعة

وقتلت الحب بيدي – قصة

وقتلت الحب بيدي
 
لا أدري لماذا الآن فقط قررت أن أمسك القلم ودموعي تنسكب من عيني لتغسل تلك الآثام التي ارتكبتها خلال حياتي الماضية .. أعرف أنه لا يوجد إنسان بلا خطيئة .. لكني أنا كنت تمثالا حيا للشرور التي امتلأ بها قلبي فكان الأذى لأقرب الناس لي ..
لست أكتب قصتي لأدافع عن نفسي وأبرر ما ارتكبت من خطايا .. لكني أكتبها لأطهر نفسي التي باتت تؤنبني كل يوم فأصبح النوم لا يعرف طريقه إلي .. أريد أن أكتب لتكون قصتي عبرة لكم ولا تكرروا أخطائي التي ارتكبتها .. لا أريد منكم شفقة ولا إحسان .. كل ما أرجوه أن تنصتوا لي قليلا .. لعلي أستطيع أن أعاقب نفسي بواسطتكم ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
كنت فتاة مغرورة معجبة بنفسها .. لم أكن بارعة الجمال أو خارقة الذكاء .. لكن كبريائي وحبي لنفسي قد تجاوز كل حدوده .. أنيقة دائما .. أسعى دائما للظفر بالأفضل .. لا تهمني الوسيلة طالما أن غايتي هي الهدف .. لدي أخت واحدة تصغرني بعامين .. كانت على النقيض من شخصيتي .. فهي هادئة ورزينة ومتحفظة بشكل ملحوظ .. كثيرا ما كنت أسخر منها لكنها لم تعرني اهتماما .. أعترف أن والدتي كانت تحبني أكثر من أختي تهاني .. فأنا ابنتها الكبرى والأكثر حبا للحياة الاجتماعية .. أما والدي فهو رجل أعمال يسافر كثيرا .. لذلك قليلا ما يقضي معنا أسبوعا كاملا في المنزل .. ربما أكون متواضعة عندما أقول منزل .. فهو في الحقيقة قصر .. فأنا نشئت تحت ظل أسرة ثرية ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ذات يوم كانت أمي تطرق باب غرفتي .. أذنت لها بالدخول .. هناك أمر تخفيه .. فتلك الابتسامة على وجهها توحي لي بشيء ما .. نظرت لها بعيون متسائلة فقالت :
– لقد تقدم نزار ابن شقيق والدك لخطبتك ..
صحت في استنكار :
– ماذا ؟؟ ذلك الفتى الأحمق يريد خطبتي ؟؟ بالطبع إنه يهذي ..
تفاجئت أمي بردة فعلي الثائرة .. حاولت أن تمتص غضبي حتى لا يسمعنا أبي .. لكن الأمر بالنسبة لي أصبح منتهيا .. أتذكر نزار عندما كنا أطفالا ويزورنا في منزلنا .. كل ما أتذكر بشرته السمراء أشعر بالنفور .. لا أدري لماذا لا أطيقه .. حاولت أمي أن تقنعني بأن لا أتعجل فهو حاليا يعمل في وظيفة مرموقة بعد أن تخرج من الجامعة .. لكني كنت مصرة على رأيي .. فليس نزار من يستحق أن يكون زوجا لي .. وهو ليس أول شخص يتقدم لي وأرفضه .. إني طموحي أكبر من ذلك ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
كنت عائدة من الجامعة في ذلك اليوم عندما سمعت والدتي تقول أن خالتي ستتناول طعام الغداء معنا .. وخفق قلبي في قوة وهي تضيف أن ابنها عصام ووالده سيكونان برفقتها .. شعور غريب اعتراني وأنا أسمع اسمه .. ليست المرة الأولى التي يخفق قلبي لاسمه .. أعرف أني أحبه ولكن كبريائي يمنعني من الاعتراف بذلك .. إنه شاب وسيم وثري .. وفوق كل هذا يملك روحا مرحة ولطيف .. ذهبت لغرفتي وأنا شاردة التفكير .. غرقت في أحلام جميلة كلها كانت برفقة عصام .. شعرت بالنشوة وأنا أتخيل نفسي أزف إليه ونمشي في حديقة من الورود .. ولم يقطع أحلامي إلى صوت جرس الباب .. إنه هو .. وخفق قلبي من جديد في عنف ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
كانت واحدة من أسعد الأيام التي قضيتها .. كنت ذاهبة لأمي لأخبرها بأمر خاص .. لكني توقفت عندما رأيتها من خلف باب غرفتها جالسة بجوار أبي تقول له :
– إنها تريد خطبتها لابنها عصام ..
شعرت بالدماء تندفع لوجهي وقلبي يرقص طربا وأنا أسمع أبي يقول :
– شاوري ابنتك فالقرار لها قبل كل شئ ..
اكتفيت بهذا الحديث وكنت على وشك أن أتسلل إلى غرفتي دون أن يشعرا بي .. لكني توقفت عندما سمعت أمي تقول :
– لا أعتقد أن تهاني سترفضه فهو شاب مثالي في كل شئ ..
شعرت بالدنيا تظلم من حولي .. وكأن طعنة حادة تخترق قلبي .. لقد جرحت أنوثتي .. وبدأت أنزف دون دم .. عدت لغرفتي ووقفت برهة أتأمل صورتي في المرآة .. ثم بكيت في مرارة ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
بالتأكيد لاحظت أختي في الأيام اللاحقة أن معاملتي لها صارت أكثر جفاء وأكثر قسوة .. كنت ألمح نظرات الحيرة في عينيها لتصرفي اتجاهها لكني تجاهلتها تماما .. لقد كنت أشعر أنها سرقت حياتي التي كنت أحلم بها .. ربما لا ذنب لها فيما حدث .. لكن في نهاية الأمر فإن عصام يريد الزواج منها هي .. أصبحت لا أطيق نفسي .. أنا التي تعودت أن أحصل على أي شئ أريده .. أفشل في أن أنال أهم شئ في حياتي !!
وفي إحدى الأيام التي كنت أجلس فيها وحيدة .. كانت يدي تعبث بالهاتف وأفكاري تذهب بي بعيدا .. وهكذا دون وعي وجدت نفسي أطلب رقم خالتي .. وكان الشخص الذي أجاب على الطرف الآخر هو ابنها .. اقصد عصام ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
حاولت أن استجمع ثقتي وكل أنوثتي وأنا أرحب به .. فسألني بعفوية :
– أعتقد أنك تريدين التحدث إلى والدتي ..
أجبته بصوت أقرب إلى الهمس :
– ألا يحق لي أيضا أن أطمئن على ابن خالتي ..
كنت أحاول أن أطيل معه الحديث بقدر ما أستطيع .. وأضحك بين كل كلمة وأخرى .. حتى شعرت به قد بدأ يرتبك .. ثم حاول التهرب مني بأن طلب مني الانتظار ريثما يخبر والدته بأنني على الهاتف .. لا أنكر أنني شعرت بالنشوة وأنا أتحدث معه .. ورغم ذلك لم أنسى أنه فضل أختي علي أنا .. وبكل تأكيد هذا الشيء يغضبني ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
وذات يوم حينما كانت أختي لا تزال في الجامعة .. تسللت لغرفتها .. وأغلقت الباب على نفسي .. ثم بدأت أفتش بين أغراضها .. لا أعرف عن ماذا كنت أبحث .. ولكنها رغبة استبدت بي فلم أستطع أن أمنع نفسي منها .. ثم لفت انتباهي دفتر صغير كانت تخفيه خلف الوسادة التي على السرير .. بدأت أتصفح ذلك الدفتر .. إنها تكتب خواطر رومانسية .. يا إلهي هل من الممكن أن تكون أختي بكل هذه العاطفة ؟؟ .. وفجأة شعرت بالدنيا تتوقف فجأة من حولي .. فقد رأيت على أحد هذه الصفحات خاطرة جميلة .. وفي نهايتها كانت تهديها إليه .. نعم .. إلى عصام ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
حاولت التفكير بطريقة أستطيع فيها أن ابني حاجزا بينهما .. كنت أنانية في ذلك الوقت ومجردة من أي مشاعر وأحاسيس .. لم يكن يعنيني أني أحاول أن أحطم قلبين جمع بينهما الحب .. كنت أهتم فقط لقلبي الذي ينزف .. وفي تلك الليلة المشئومة كنت أكتب فيها رسالة إلى عصام .. كنت أحذره فيها من أختي تهاني وأن مشاعرها نحوه ليست حقيقية .. وأنها ترغب في الزواج منه تلبية لرغبة والديها .. ولم أبخل بوصفها ببعض الصفات التي تجعلها فتاة بلا مشاعر ولا أحاسيس وأن هدفها فقط هو مواصلة تعليمها وتحقيق ذاتها ولو كان على حساب الآخرين .. وفي نهاية الرسالة وقعت باسم فاعلة خير .. ولم تكن هذه الرسالة الأخيرة ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
وعلى نفس المسار كنت أتعمد عندما أكون مع أختي تهاني أن أتحدث عن عصام بالثناء والخير .. وألمح لها بأنني حدثته قبل يومين مصادفة .. أو أقول لها وأنا أتصنع الدهشة بأني رأيته في السوق مصادفة .. كنت أهدف إلى أن أزرع الغيرة في نفسها .. وأعتقد أنني نجحت في ذلك .. فمرة بينما كنت أتحدث عنه نهضت من مكانها وهي تقول لي بعصبية :
– عصام .. عصام .. لقد سئمت من أحاديثك ..
ثم غادرت المكان إلى غرفتها .. في حين كانت ابتسامة خبيثة ترتسم على شفتي ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ثم بدأت ألاحظ أن علاقة عصام مع تهاني قد بدأت توتر .. أنا الوحيدة التي كنت أعرف السبب .. وأصبحت أختي لا تغادر غرفتها إلا قليلا .. ربما هي حالة من الاكتئاب .. أما عصام فإن مكالماته الهاتفية لها قد قلت كثيرا .. فذهبت إلى أختي تهاني أقترح لها أن نتناول الغداء في بيت خالتي .. واستطعت إقناعها .. فقد كنت أرغب برؤية عصام .. لقد كنت بنعومة الأفعى .. ولكن أيضا بشراستها ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
كانت خالتي سعيدة بحضورنا .. ولم يكن عصام موجودا في المنزل .. لقد كنت أرغب في الحضور فقط لأراه .. لذلك شعرت بالضيق لعدم وجوده .. أما خالتي فكانت سعيدة وهي تتحدث مع أختي .. أليست هي زوجة ابنها في المستقبل .. وبينما نحن كذلك وصل عصام .. وخفق قلبي بشدة عندما وقعت عيني عليه .. تقدم إلينا وألقى التحية .. ثم أستأذن بالذهاب لغرفته .. وكنت أنا قد تعمدت أن أنظر إلي عينيه مباشرة وهو يتحدث .. ويبدو أنه شعر بذلك فقد كان الارتباك واضحا عليه .. وقبل أن يذهب قلت أنا :
– أيضا نحن نستأذن يا خالة للذهاب إلى منزلنا ..
طلبت من البقاء لوقت أطول .. لكنني اعتذرت بلباقة .. فقالت وهي تتنهد :
– لا بأس .. إذن سيوصلكما عصام إلى المنزل ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
ركبت بجوار أختي على المقعد الخلفي في سيارة عصام .. ثم انطلقت بنا السيارة نحو منزلنا .. كانت فرصة جيدة أن نجتمع نحن الثلاثة .. ولم أضيع هذه الفرصة أبدا .. فقد قلت وأنا أتظاهر بالسعادة :
– نريد أن نفرح بكما قريبا ..
كان عصام هو الذي رد حيث قال بنبرة فيها ضيق :
– إن تهاني تريد أن تكمل دراستها أولا ..
أسرعت تهاني تقول بحدة :
– عصام لن نعود لهذا الموضوع مرة أخرى .. لقد اتفقنا وانتهى الأمر ..
كنت لقسوتي أشعر بالسعادة وأنا أراهما يختلفان .. فقد استمر بينهما النقاش وزاد انفعالهما .. وكل منهما يدافع عن وجهة نظره .. أعترف أنني أنا التي زرعت بذرة الخلاف بينهما .. ولكن كنت أشعر باللامبالاة .. كان عصام بعض الأحيان يلتفت إلى تهاني عندما يخاطبها .. وفجأة سمعت أختي تهاني تصرخ :
– عصام انتبه ..
بعدها لم أسمع سوى صوت ارتطام قوي .. وشعرت بألم في جميع أنحاء جسدي .. ثم غبت عن الوعي ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
عندما استعدت وعيي عرفت أنني كنت في المستشفى .. كانت أمي بجواري ودموعها تسيل على خدها بغزارة .. ثم سمعت صوت أبي يقول :
– حمدا لله على سلامتك ..
حاولت أن أنطق لكني لم أستطع .. فقد كان الألم يصرخ في كل خلية من جسمي .. بدأت أتذكر ماذا حدث .. لقد كنت مع أختي في سيارة عصام .. ثم فجأة وقع لنا حادث .. يا إلهي ترى ماذا حصل لتهاني وعصام .. لأول مرة أنسى نفسي وأفكر بالآخرين .. رفعت عيني إلى أمي لعلي أستطيع أن استشف منها شيئا .. ليس هناك غير الدموع .. ولكن لماذا أنا في المستشفى ؟؟ .. ماذا حصل لي ؟؟ ..
لقد وقع الخبر علي كالصاعقة عندما علمت أنني أصبت بالشلل .. لقد أصبحت عاجزة عن الحركة .. لقد كنت مشلولة العاطفة .. والآن مشلولة الجسد ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
فيما بعد عرفت أن عصام أصيب بجروح خطيرة وأنه في العناية المركزة في حال لا يعلمها إلا الله .. أما أختي تهاني فقد كانت الأكثر حظا .. فقد أصيبت بكدمات إضافة لكسر في ذراعها ومع مرور الزمن ستتعافى بإذن الله ..
ثم لم تمضي أيام قلائل حتى علمت أن عصام قد أسلم روحه لبارئها .. هذا هو الجرح الذي لا يمكن أن تتعافى منه أختي .. ومن الذي جرحها غيري أنا .. نعم حزنت كثيرا لوفاة عصام .. بكيته دما من قلبي .. ولكني حزنت أيضا لأختي تهاني .. فأنا قتلتها وهي لا تزال حية .. وفي النهاية سخرت من نفسي فأنا أستحق ما جرى لي ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
كانت قد مضت ستة شهور من تلك الأحداث عندما دخلت أمي غرفتي وجلست بجواري بحنان وهي تمسح بيدها على شعري قبل أن تقول :
– هل تعلمين أن نزار لا يزال يحبك ؟؟ إنه يطلب خطبتك من جديد ..
كان كلامها مفاجئة لي .. ما الذي يجبره أن يتزوج فتاة مشلولة مثلي .. هل هو فعلا الحب الذي لم أعرفه .. أنا لم أكن أحب إلا نفسي .. ربما هي الشفقة للحال التي أنا فيها .. لكني في جميع الأحوال لقد رفضت .. ربما يريد أن يشمت بي .. كان هذا هو العذر الذي حاولت أن أقنع نفسي به .. ولكن الحقيقة هي أنني لا أستحق نزار .. إنه يستحق زوجة أفضل مني .. زوجة تعرف كيف تمنحه الحب والحنان .. ورغم أن هذا قراري إلا أنني شعرت بالألم ودفنت رأسي في وسادتي وأنا أبكي ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
هذه هي قصتي أكتبها لكم وأنا أجلس على الكرسي المتحرك الذي أصبح صديقي الذي لا يفارقني .. الساعة الآن تقترب من الثانية .. وستأتي أختي تهاني بعد قليل لتدفع هذا الكرسي إلى غرفة الطعام لنتناول طعام الغداء .. ولكن قبل أن أنهي حكايتي أريد أن أخبركم شيئا .. إضافة للشلل الذي أعاني منه فقد فقدت شيئا آخر .. لقد فقدت قدرتي على الكلام و أصبحت الإشارة هي طريقتي للتفاهم مع الآخرين .. ولن أنسى أيضا القلم .. فقد أصبح هو صوتي الذي أحاول أن أصرخ به .. ما أريد أن أقوله هو أن الحب ليس أن تأخذ بقدر ما يعني المنح والعطاء دون انتظار .. الحب ليس أن تسرق المحبة من الآخرين .. بل أن تضيف محبتك إليهم .. وهذا ما فشلت أنا فيه ..
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى