رسائل المجموعة

ليلة بكى فيها القمر !!.. ‎(( قصة حقيقية ))‎

كعادته اليومية، وصل إلى بيته يوم السبت الساعة الواحدة و النصف ظهراً، و كان في غاية الإنهاك و التعب، تناول الغداء مع أسرته التي تنتظر مجيئه بشوقٍ و لهفةٍ كل يوم، و المكونة من زوجته و ابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات ، و ابنه الصغير البالغ من العمر سنة و سبعة أشهر.
بعد تناولهم وجبة الغداء الخليجية الشهيرة و هي الرز و اللحم، شَعَرَ صاحبنا بمفعول الرز و خيَّم عليه النعاس، فاختار أن يأخذ قسطاً قصيراً من الراحة و خَلَدَ للفراش ، و لم يفق إل على دخول زوجته الغرفة كي تيقظه وتبلغه أن الساعة بلغت الحادية عشرة مساءً ، فأفاق من نومه و تلقى اتصالاً هاتفياً من أحد أصدقاءه ، و استمرت المكالمة قرابة الساعة ، و بعدما أنهى المكالمة تجاوباً مع إلحاح زوجته المستمر التي كانت تطالبه بسرعة إنهائها لأنها في شوقٍ إليه و تريد جلوسه معها و مع طفليه ، بالفعل .. جلس مع أسرته الصغيرة ، و عاشوا لحظاتٍ من السَمَر و المزاح ، و تعالت الضحكات كي تملأ أرجاء المنزل ، إلى أن اقتربت الساعة من الثالثة صباحاً ، و طفلهما الصغير لا يزال في قمة نشاطه ولا يشعر بالنعاس برغم أن أخته التي تكبره قد غطّت في سباتٍ عميق مع بلوغ الساعة الثانية عشرة ، و الرجل يريد أن ينام لبضع ساعات حتى يتمكن من الذهاب إلى عمله و هو في حالةٍ جيدةٍ. خَطَرَت في بال الزوجة فكرة لا بأس بها من أجل جلب النعاس لطفلها، و أخذت حوضاً صغيراً مخصصاً لسباحة الأطفال، و أدخلته الحمام و فتحت مجرى الماء كي يصُبَّ فيه إلى أن امتلئ، فأخذت طفلها الصغير و وضعته في قلب الحوض ، فشعر بسعادةٍ عارمةٍ و هو يعبث في الماء متجرداً من كل ثيابه ، و صار يخرج من الحوض تارةً و يعود إليه تارةً أخرى جالباً بعض ألعابه كي يجعلها تسبح معه و يكتمل عُقد سعادته بها .
كان الأب متكئاً على الكنبة في صالة الشقة ، و يعبث في جهازه الآي فون ، و يتجوَّل بين ملفات الفيديو ، فجاءت الزوجة و جلست إلى جانبه كي تشاركه ما يقوم به ، و كانا يشعران بنوعٍ من الإنجاز كونهما استطاعا إلهاء طفلهما بأمرٍ يشغله عنهما لبعض الوقت ، و في نفس الوقت سوف يجلب له النعاس ، و فجأة.. و في أحد مرات خروج هذا الطفل من حوضه الصغير، تزحلق و سقط على رأسه ، و لسوء الطالع ، كان سقوطه على عتبة الحمام السيراميك الحادة .
جرى ما جرى في لحظاتٍ سريعةٍ جداً خَيِّم عليها الذهول و التسمُّر من والديه ، شُلَّت حركة الأم ، و جحظت عيناه و ازرَّق وجهها على إثر ما رأته ، و فزَّ الأب راكضاً نحو طفله المتمدِّد على أرض الحمام و الذي يصرخ جرَّاء سقوطه ، وصل عنده و كان متوقعاً سقوطه كأي سقوطٍ عادٍ قد تعرض له في أوقاتٍ سابقةٍ ، فرفعه من على الأرض ضاماً إياه إلى صدره ، مخففاً عنه ألم وقوعه ، و ما أن رفع يده من عليه إلا و رآها مبللة بدمائه.
يا لها من صعقة مُكهرِبة تلقاها هذا الأب ، فما إن رأى أصابعه تلوَّنت بدماء ابنه إلا و تناول رأس ولده كي يعاين مصدرها ، فوجد فتحةً عميقةً في رأسه أجهزت على هذا الأب ، فاشتاط غضباً و صَبَّ جُمَّ سخطه و غضبه على زوجته التي حمَّلها الموقف كاملاً على اعتبار أنها من وضع له الحوض في الحمام و تركته وحيداً دون مراقبة ، فانهال عليها باللعن و السُباب و الشتائم في لحظات فقد فيها سيطرته على نفسه و فارق صوابه ، أخذوه مسرعَين إلى مستوصفٍ قريبٍ ، و عندما رآه الطبيب تفاجأ من عمق الجرح و قال و تعبيرات الانزعاج و الذهول ممزوجة على محيَّاه : ( اففففف .. هذا يحتاج مستشفى ، جرحه كبير و أخاف إن الجمجمة أو الرأس تأثر، لازم أشعة و يشوفه طبيب جراحة ).
عبارات هذا الطبيب أجهزت على والديه تماماً و زادت الرعب في نفوسهم على طفلهم و دخلوا في دوامة الوساوس و الهواجس حيال ما قد يجري عليه ، فأخذوه مسرعَين إلى مستشفى خاص معروف ، و أدخلوه قسم الطوارئ على وجه السرعة ، و من ثم إلى غرفة العمليات الصغرى كي تتم خياطة الجرح ، دخل معه والده في حين ضلَّت والدته خارج الغرفة لأنها لن تتحمل المنظر و هي غارقة في دموعها و تقف على رعبها و ألمها ، بدأت عملية خياطة الجرح و كان في المشهد طبيب الجراحة و اثنين من الممرضين ، واحدٌ منهما يحمل إحدى الجنسيات العربية ، و الآخر هندي و يتضح من خلال اسمه المعلَّق على صدره أنه غير مسلم ، و كان الأب أثناء عملية الخياط يُسهم معهم في عملية تثبيت ابنه على السرير و ممانعته من الحِراك ، و ما أقسى هذه اللحظات التي عاشها هذا الأب و هو يرى ابنه يصرخ ألماً مما أصابه و يبكي من وَخْز الإبرة في جلدة رأسه مِراراً ، و يرى هذا الجرح العميق المُسلَّطة عليه الإضاءة في غرفة العمليات الصغرى كي يكون أكثر وضوحاً للطبيب الذي يباشره ، و أكثر ألماً لوالده الذي ألهب فؤاده منظر هذا الجرح.
كان الأب صامداً في المستشفى، أو يحاول إبداء صموده، لكن بدأت الدموع تنهمر من عينيه شيئاً فشيئاً و بدأ يضعف بشكل تدريجي أمام صراخ ابنه و منظر جرحه ، لاحظ الطاقم الطبي تخاذل الأب و ضعفه ، فطلبوا منه الجلوس تعاطفاً معه لكنه أبى إلا أن يكون أمام عَينَي صغيره حتى يشعر بنوع من الاطمئنان لوجود والده نَصْبُ عينيه في هذه اللحظات. بعد الانتهاء من خياطة الجرح ، طلب الممرض الهندي الأوراق الثبوتية و رقم الملف من الأب كي يقوم بإنهاء الإجراءات في استقبال المستشفى كنوع من المساعدة و مراعاةً للوضع العام ، و من ثم رافقهم إلى غرفة الأشعة للتأكد من سلامة رأس الطفل ، و بمجرد ظهور صور الأشعة إلا و طمأن هذا الممرض والدَيه قبل حتى رجوعهما لعيادة الطبيب و التأكد من نتيجة الأشعة ، و لم ينسى هذا الممرض تزويدهم بكمية من الشاش الأبيض و الكريمات و المراهم للتغيير على الجرح بشكل يومي ، و في نهاية المطاف ، رافقهم إلى السيارة مودعاً بحفاوة ، فقدَّم الأبوان شكرهما الجزيل له على كل ما قام به من مجهود أملاه عليه ضميره الإنساني قبل الوظيفي ، فرد قائلاً : لا شكر على واجب ، فأنا أعلم ما تشعران به .
ما أسوء الألم الذي يشعر به أيّ والدين في هكذا موقف ، و ما أقسى هذا الإختبار الذي يجعل القلب ينزف ألماّ و يرتعد ذعراً ، وما أبشع أن يتعرض طفلٌ صغيرٌ لهذا الحادث ، ما أروع الإنسانية المليئة بالعاطفة و الأحاسيس التي جمعت هذه الأسرة المسلمة بهذا الممرض الغير مسلم، ما أروع الإنسانية الشامخة التي طغت و تعالت على كل الاعتبارات الأخرى و حلَّقت وحيدة خارج سرب كل عناصر الفرقة.

رائد البغلي
الصفحة الرسمية على فيس بوك
اضغط هنا


تابعوا جديد شبكة أبونواف على فيس بوك وتويتر

   

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. اولا: شكرا لك على القصة. ثانيا: هذه العبارة عظيمة عند الله و لسوء الطالع ، كان سقوطه على عتبة الحمام و للاسف انتشرت على السنتنا. عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلَّى لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلاة الصبح بالحديبية على إِثْر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمَّا من قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مُطِرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب). ثالثا: ما أروع الإنسانية المليئة بالعاطفة و الأحاسيس التي جمعت هذه الأسرة المسلمة بهذا الممرض الغير مسلم، ما أروع الإنسانية الشامخة التي طغت و تعالت على كل الاعتبارات الأخرى و حلَّقت وحيدة خارج سرب كل عناصر الفرقة. فلا ادري ما هي تلك الاعتبارات و عناصر الفرقة التي تعالت عليها تلك الانسانية! كذلك لا ادري لماذا يحاول البعض فرض بعض القيم المستوردة علينا مع ضرورة اعطاءها خلفيات دنيوية و كأن الشارع الحكيم غفل عنها – سبحانه و تعالى عن ذلك! الم يقل الله عز وجل: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} و لم يحدد دينا او جنسا او فئة. الم يقل الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. الم يقل رسول الله صلى الله عليه و سلم : في كل كبد رطبة أجر، و ايضا: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، و ايضا: عندما مرت به – صلى الله عليه و سلم – جنازة فقام، فقيل له: إنه يهودي ، فقال : أليست نفسا! و اخيرا تحياتي

  2. لم اتوقع هذة النهاية ابدا !!! مالمغزى من هذى القصة ؟؟؟ مقدمتها اعمق واطول واجمل من خاتمتها حاول بجهد مرة اخرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى