رسائل المجموعة

قصة من نسج الخيال الإلكتروني

رآها اثناء تجوله في الانترنت، لم يرها حقيقة وانما قرأ عن صفاتها ضمن اعلان في موقع خاص بالزواج فتمثلت في مخيلته
هي مطلقة تجاوزت الاربعين ولها مواصفات رائعة، تبحث عن زوج، يكبرها بعقد من الزمن وذي صفات معينة و متزوج، وقد تجاوز الخمسين بسنوات قليلة ويبحث عن "زوجة ثانية" ضمن مواصفات محددة.
اذاً اتفقت المواصفات الاولية لكل منهما
التقط بريدها الالكتروني من الاعلان، وارسل رسالة عنوانها "طالب القرب" وجاءه الرد سريعا: يطلب معلومات عن الطالب.
اجاب بحماس على الرسالة.. ولكنه انتابه الشك في ان يكون وراء اسم هذه المرأة التي تحمل هذه الصفات شخص لاهي عابث
حاول ان يتأكد.. وابان عن شكوكه وارتيابه في احد رسائله لها.. ولكنها في ردها عليه طمأنته.. بل واقسمت بأعظم الايمان انها صادقة.. واستحلفته الا يكمل معها اذا لم يكن جاداً
ومن خلال الرسائل الاولى.. ذكرته بأن كلاً منهما مر بتجربة سابقة فلا بد من التأني ولابد من التقصي في هذه التجربة الجديدة
خف حذره واطمأنت نفسه وأعجب بمنطقها، وأنست روحه بها، وانطلق على سجيته.. يكتب لها.. وتبادلا عشرات الرسائل الالكترونية والتي حلق بها في عالم من الاحلام الوردية
احس في نفسه، وفي قلبه نشاطاً.. وحناناً.. وغراماً لم يعهده من قبل.. فقد كان لكلماتها من خلال رسائل البريد فعل السحر في قلبه
هل يخفق القلب بعد الخمسين؟ هل عاد الكهل الى صباه؟ اصبح لا يطيق مفارقة الجهاز وينتظر على احر من الجمر رسائلها، حتى اذا استلم احدها، اعاد قراءتها مرات.. ومرات.. ثم اعقبها برد يفيض محبة وشوقاً وهياما
كان مندفعاً لها وكانت عاقلة في ردودها لا تبادره بالرسائل فهو المبادر دائما.
اصبح يفكر بها كثيرا وهو هائم بهذا الحب الذي بدأ يروي ظمأ قلبه الصادي من جفاف السنين المتأخرة
وانعكس ذلك ايجابياً على حياته العملية والخاصة.. فغدا بشوشاً.. واستغرب منه ابناؤه مرحه وحيويته لاحظ زملاؤه في اجتماعاتهم معه انه تغير، وصار حديثه عن الحب والمحبين حتى كاد ان يفتضح امره
و الصب تفضحه عيونه
تعاظم الحب.. في قلبه لامرأة تخيلها وقرأ عن صفاتها ولم يرها فأصبح ولهاً مستهاماً، واصبح يستعيد ابيات الشعر التي كان يحفظها عن ظهر قلب في اوقات الشباب.
الاذن تعشق قبل العين احياناً ولكنه لم يسمع صوتها كذلك الا انه عشقها من خلال كلماتها الرقيقة في الرسائل، حيث اتفقا مسبقاً ان مرحلة التعارف فقط من خلال الرسائل
كان لسان حاله يقول
يا جارة "بالنت" قولي لي متى ذلك التلاقي
فالقلب أمسى حائراً والروح ما بين التراقي
والشوق يحمل خافقي فأخالني فوق البراق
فيعود بن خالي الوفاض وقد تأثر باحتراقي

وظل يجوب حدائق الشعر في الإنترنت ويقطف لها من القصائد ويرسلها معنونة بأرق العبارات، فتتأثر هي بذلك، وتتساءل هل هو شاعر؟ وكان يرد بشفافية : لا .. إنما أنا هائم في هواك وأهيم في الشبكة بحثاً عن الأبيات التي تصف حالتنا
وأثناء هذه المرحلة طلب منها أن تقرب له صورتها حتى يكون لخيالها معنى.. وبعد إلحاح منه وتردد منهاأرسلت له تقول
أتعرف الممثلة الفلانية
نعم
أنا أحلى منها
رجع إلى الإنترنت وبحث عن الصورة فوجد صورة الممثلة ووضعها أمامه وارتبط خياله بهذه الصورة
انتهت فترة التعارف فقد عرفا الكثير عن نفسيهما من خلال الرسائل المتبادلة بينهما، واستعدا للمرحلة التالية واستخار الله.. فوجد نفسه منشرحاً، وتقدم لأهلها يطلب يدها وكان استقبالهم له جيداً وفرحوا لطلبه ووعدوه خيراً
وبعد أيام اتصلوا به وأعلنوا موافقتهم وأن من حقه أن يراهاوأوجس في نفسه خاطراً يقول لماذا تراها؟ وهي في خاطرك دائماً؟
ثم جاءه خاطر آخر يلح عليه في الرؤية أحرى أن يؤدم بينهما
وقرر أن يراها واستقبله والدها وتحدث معه برهة من الزمن ومشاعر الشوق تتلظى في صدره ثم دخلت عليه بعد برهة من الزمن وجلست ليست بعيداًعنه، وفي أثناء الرؤية أصيب بالدهشة حينما رآها فلم تكن المرأة التي في خياله ولم يجد الشبه الذي يربطهما بالممثلة
كانت المرأة جميلة وحسنة الملامح ولكن الشبه مفقود، فعقدت الدهشة لسانه وهدأت مشاعره وظهر الاضطراب على محياه
لاحظ كذلك أن في عينيها استغراباً وهي تتفحص هيئته وداخله شعور غريب بأن كليهما تفاجأ بالآخر، ولم تفلح الابتسامات الخافتة أن تخفي مشاعر الاستغراب المتبادل
انتهت الزيارة، وخرج دون أن يجد تفسيراً لنفسه لماذا خمدت عواطفه ومشاعره تجاهها واحتارماذا يفعل
أيرجع ويطلب أن يكمل المشوار معها احتراماً لمشاعرها المرهفة؟ وخوفاً عليها من الصدمةأم يعلنها بوضوح إنها ليست المرأة التي أدمن على حبها وتعلق بها قلبه
وأصابه القلق والتردد ولم يدرك سبباً للتغير المفاجىء في عواطفه الجياشة تجاهها، ولكنه أدرك بعد فترة من الزمن إنه فتن بامرأة في خياله وأن عواطفه انجذبت نحو مجهول وعاش في وهم سراب إلكتروني حيناً من الزمن
وتساءل في نفسه
كيف للمرء أن يؤسس علاقات إنسانية تقام عليها البيوت على سراب ووهم عاطفي يتلاشى عند أول نظرة
النهاية

نقلا عن الحب الالكتروني للدكتور فهد اللحيدان الكاتب في جريدة الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى