رسائل المجموعة

جولة أوروبية – الجزء الخامس

الجزء الخامس

ونحن على أعتاب مغادرة مدينة ميونخ الألمانية باتجاه سويسرا كنا نمني أنفسنا بزيارة الريف السويسري وجبال ( انترلاكن ) الجميلة ، غير أن ذلك لم يتيسر لأسباب سوف أتناولها لاحقا.
في القطار حينما كنا على مشارف زيورخ السويسرية ، رأينا للمرة الأولى رجال أمن يتجولون بين العربات ويطالبون الجميع بإخراج جوازات سفرهم ربما لأهمية مدينة زيورخ وكونها معقل بنوك العالم ، حدث روتيني يقوم به رجال الأمن في سويسرا دوناً عن سواهم في بقية دول الاتحاد الأوروبي ، ولعلك تذكر كيف كنا نخرج من النمسا إلى ألمانيا ونعود أدراجنا دون أن نقابل نقطة تفتيش واحدة أو حتى رجل أمن واحد .

الطريق
الطريق إلى زيورخ

حالما وصلنا إلى المحطة كانت الفكرة المبدئية التي أملكها أنا وهاني عن زيورخ أنها مدينة عصرية بمبان حديثة وشوارع فسيحة وبمواصلات متيسرة ، غير أن كل ذلك لم يكن موجوداً ، في لحظات خروجنا من المحطة تفاجأنا بعدد كبير من سائقي التاكسي كانوا جميعاً من أفريقيا ، التفت إلى هاني وقلت له أنت متأكد بأن القطار متجه إلى زيورخ .. أم كان متجه إلى السنغال ؟
لاحظنا الزحام الشديد في الطرق والشوارع مما أعاد إلى أذهاننا زحام مدينة الرياض في أوقات خروج الموظفين ، التنظيم كان مفقوداً حين خروجك إلى الشارع ، وسيارات التاكسي في زيورخ هي الأسوأ والأقدم بين كل سيارات التاكسي في المدن التي زرناها ، تفاجأنا أكثر حينما علمنا بأن المدينة لا يوجد بها ( مترو أنفاق ) أي أننا سنعتمد على الترام والباصات .
زاد من سوء نظرتنا للمدينة الفندق الذي سكنا فيه ، كانت غرفه هي الأصغر من كل الفنادق التي سكنا بها ، ويطل أيضاً على شارع مزعج يكثر فيه مرور السيارات مع ساعات الصباح الأولى وهو الأمر الذي لم نكن نعانيه في المدن السابقة التي كانت تتضمن مترو أنفاق.

زحام
زحام شديد لم نعتاد عليه في المدن الأوربية التي زرناها

زيورخ في الأساس كانت بالنسبة لنا محطة مرور إلى الريف السويسري ، لم نخطط إطلاقاً للبقاء فيها ولكنا فضلنا السكن ليلة على الأقل حتى نتحرى أكثر حول أمر الفيضانات والسيول التي أضرت كثيراً بجبال انترلاكن طبقاً للأخبار التي وصلت إلينا، للأسف حالما وصلنا الفندق وبدأنا سؤال الموظفين ودخول الانترنت والبحث حول حوادث الفيضانات تفاجأنا بأن الأمر وصل إلى إخلاء السياح من المنطقة الجبلية كما أن عدد من الجسور قد سقط وكانت هناك حالات وفاة ، الأمر لم يكن يحتاج إلى تفكير ، تم إلغاء فكرة ( انترلاكن ) وسنبقى ليلة إضافية في زيورخ حتى نعيد حساباتنا من جديد ، كان من ضمن الخيارات النزول إلى جنوب سويسرا وزيارة مدينة ميلان الإيطالية ، فيما كان الخيار الآخر هو الصعود لأعلى وبداية دخول فرنسا من الجهة الشمالية الشرقية .

جانب
جانب من المدينة

قضينا في زيورخ 48 ساعة ، لم تكن الأفضل في الرحلة بكل تأكيد ، المدينة هادئة وآمنة لكن مستوى النظافة كان أقل مما كنا نتوقع ، كانت مشاهدة العلب الفارغة والأوراق المتناثرة على جوانب الطريق أمراً غير مألوف بالنسبة لنا ، بل أن الجسور يغلب عليها اللون الأسمنتي وهو أمر غير مألوف أيضاً في بقية دول أوروبا .
في اليوم الأول قضينا الوقت بالتجول في شوارع المدينة وخصوصاً في منطقة باهنهوف التجارية التي يقال بأنها خامس أغلى منطقة في العالم ، كانت المنطقة عبارة عن مباني تجارية تتصدرها بنوك و معارض لماركات معروفة عالمية وبكل تأكيد كانت أسعارها غالية فأنت في سويسرا .

جانب
جانب من شارع باهنهوف والذي يتضمن معارض متنوعة

الوقت المتبقي توقفنا من خلاله في بحيرة زيورخ الجميلة ، هاني يقول بأنه قد قرأ معلومة حول هذه البحيرة وأنها تسمى بحيرة العشاق ، ويبدو أن كلامه صحيحاً حيث كانت أطراف البحيرة خير شاهد على ذلك .

بحيرة
بحيرة زيورخ ، والمطاعم الجميلة متناثرة حولها

البحيرة
البحيرة من جانب آخر حيث الخضرة والجمال

ونحن نستعد للعودة إلى الفندق أوقفنا رجلي أمن في أحد الشوارع وطلبوا منا الجوازات الخاصة بنا ( التي لم نكن نحملها ) مما دعاهم للسؤال عن جنسيتنا وعن خطوط الطيران التي قدمنا بها وعن هدف الزيارة , وبدا على محيانا التعجب والاستغراب خصوصا أنه لم يسبق لنا المرور بهذا الموقف من قبل منذ دخولنا القارة الأوروبية, ولكن تفاجأنا بردة فعلهما اللطيفة حينما نصحونا بحمل صور من الجوازات بشكل دائم حتى تكون كبطاقة تعريف في حال حدوث أمرٍ طارئ كحادث أو نحوه .

جانب
جانب من الرحلات السياحية البحرية على بحيرة زيورخ

في اليوم التالي قررنا التجول بصحبة باص سياحي يطوف على أبرز معالم زيورخ ، وكما هي العادة في فقد امتلئ بالسواح الشرق آسيويين الذي يحرصون كثيرا في استقلال هذه النوعية من الباصات, وقد كان بجوارنا في الباص شاب كوري أزعجناه ( الصراحة ذليناه ) بفوز المنتخب السعودي على منتخب كوريا 1/0 ، كان يردد كل دقيقة ( الأهم بأننا تأهلنا سوية للمونديال ).

الباص
الباص الذي استقليناه في جولتنا السياحية بمدينة زيورخ ويظهر في الصورة الشاب الكوري يجوار والدته

الحدث الأكثر طرافة أني أخبرت هذا الشاب بأني للتو عدت من كوريا الجنوبية في رحلة عمل ، بعدها أصبح يكلمني باللغة الكورية .. يبدو أنه اعتقد بأني قد عشت كل حياتي في سيئول ، هاني كان يضحك بصوت عالي على موقفي ويقول لي ( وهقت نفسك .. يالله رد عليه بالكوري ) ، قلته له الكلمة الكورية الوحيدة التي أعرفها ( كمسهميدا ) – أي شكراً – ، الشاب لم يتوقف بل أخذ ( يثرثر ) باللغة الكورية ثم طالب بان أصور معه صورة تذكارية ، قلت .. صورة تذكارية .. عادي .. دامها ببلاش , يذكر ان والدته التي كانت ترافقه بالرحلة وبخته كثيرا لأنه ابتعد عنها وأصبح يسير معنا .

بحيرة
بحيرة زيورخ تمتلئ بالمراكب الشراعية

امتددت الجولة أكثر من خمس ساعات زرنا خلالها مباني زيورخ وقصورها العريقة , ومعاهدها وجامعاتها الكبيرة ,الجولة انتهت في منطقة جبلية مرتفعة تطل على مدينة زيورخ ، كانت النهاية جميلة جداً حيث أطلنا التصوير هناك .

زيورخ
زيورخ من أعلى نقطة ، صورة من أحد أعلى الجبال المحيطة بها

بحيرة
بحيرة زيورخ الجميلة ، هاني قال ( ياليت عندنا وحدة زيها في الرياض )

في مساء اليوم الثاني كنا قد حسمنا الأمر ، سنتجه في إلى فرنسا من الجهة الشرقية ، لذا بحثنا عن مدينة هادئة وجميلة لتكون وجهتنا المقبلة ولم نجد أفضل من مدينة ستراسبروغ على الحدود الألمانية الفرنسية , لذا تركت لهاني حرية الاختيار ( كالعادة ) حجز فندق مناسب , الذي فاجأني بحجزه لفندق كذلك في باريس – محطتنا الأخيرة –
حتى لا يغضب مني محبو زيورخ ، لم أكن أنا وحدي الذي تفاجأ بمستوى المدينة ، هاني كذلك أبدى تفاجئه وحين نتفق في رأي فيعني أن قرارنا صحيح ولا يقبل الجدال !
في صباح اليوم التالي أنهينا إجراءات الفندق واتجهنا إلى محطة القطار للسفر إلى ستراسبروغ ، خط سير الرحلة لم يكن سهلاً ، كان علينا أن نغير القطار في إحدى المدن الألمانية في مدة لا تتجاوز 15 دقيقة ، وهي مدة لم تكن كافية لنا بحكم أن اللوحات تظهر بلغة ألمانية ولا يوجد مسؤولين قرب العربات ، كان يجب أن تنجز الأمر بنفسك وتسحب حقائبك وتسأل هنا وهناك حتى تعرف القطار الثاني الذي يجب أن تستقله ، كنا أنا وهاني نركض بحقائبنا حتى لا يفوت علينا الوقت عندما علمنا أنه يجب أن نستقل القطار الثاني من جانب الحدود الفرنسية ، رأينا لوحة بيضاء كبيرة فوق أحد البوابات ومكتوب عليها ( France ) قلت لهاني لم لا نجرب هذا الباب حتى ندخل فرنسا ، وفعلاً دخلنا ووجدنا أمامنا رجل أمن طلب رؤية الجوازات ثم سألنا عن سبب الزيارة ثم أشر بيده على إحدى العربات التي اتجهنا لها ركضاً فلم يتبق سوى دقائق معدودة ، كنا سعداء جداً كون أن العربة كانت خالية من الركاب ( العربة وليست كل القطار ) ، أخرجنا أجهزتنا المحمولة وبدأنا نقضي الوقت في استعراض صور الأيام السابقة حتى توقفنا عند محطة ستراسبروغ .

جانب
جانب من مدينة ستراسبورغ الفرنسية

لا أدري بماذا أصف المدينة ( الحالمة ) ، من المؤكد أنك تابعت أحد الأفلام التي تدور في مدن صغيرة لا يوجد فيها أشرار ، هادئة وآمنة وجميلة ، كل وسائل ترغيب العيش موجود فيها ، تشتهر بالترام المصمم حديثاً و أصبح رمزاً من رموز المدينة .

صورة
صورة الترام الحديث من داخل المقصورة بتصميمه الرائع والجميل

شغف
شغف سكان المدينة بالقراءة كان واضحا

كثيرون يحبون زيارة المدن المليئة بالفعاليات المتعددة والتي يحتار المرء في قضاء يومه فيها ، ستراسبورغ مختلفة عن ذلك تماماً ، لم تكن تتضمن أي فعاليات أو نشاطات كبرى لكن التجول في شوارعها الضيقة والجلوس في مقاهيها الصغيرة يغني عن كل ذلك .
وافق أننا سكنا في فندق يمكن أن أصفه ( بالجيد ) ، كانت محطة الترام قريبة منا وكالعادة زاح هم التنقل والمواصلات ، بكل تأكيد هو هم بحد ذاته لأن أسعار التكاسي غالية ومكلفة .

الممرات
الممرات الضيقة ومحلات القهوة منتشرة في كل الطرقات

مجرد التجول مشياً على الأقدام في المدينة متعة بحد ذاتها ومن المؤكد أن كثيرين سيتفقون معي من خلال الإطلاع على الصور المرفقة ، قلة السياح – بالنسبة لي – أعطى للمدينة الصغيرة رونقاً آخر زاد من جمالها وهدوءها الكبير ، أعلم بأن كثيرين لن تروق لهم المدينة ، ولكن على الجانب الآخر هناك عدد كبير ستعجبهم حين زيارتها وربما سيودون – مثلي – تكرار الزيارة مرة أخرى .
لاحظنا عدد كبير من السكان من ذوي الأصول العربية وبالأخص من دول المغرب العربي مما أثار هذا التواجد انتباهنا ودعاني الى التعليق " بأن ستراسبورغ كانت مستعمره مغربية , أو ربما أخطأنا الطريق إلى الدار البيضاء "

أكبر
أكبر الميادين وسط المدينة تماماً يضم فعاليات موسيقية متعددة

كان أكثر مايميز المدينة هو نهرها الذي يطوقها إضافة إلى قلعتها الشاهقة بالارتفاع ، النهر كان جميل ومستغل بطريقة مميزة ، لن تمل من المشي حول أطرافه خصوصاً وأن المدينة هادئة لقلة السيارات والدراجات النارية .

جانب
جانب من نهر ستراسبورغ ( هذه المرة أنا الذي قلت لهاني : ياليت عندنا نهر مثله في الرياض )

كوبان
كوبان من الماء كلفا بما يعادل 18 ريال !

لا تفوت فرصة المركب البحري الذي يطول بالمدينة من خلال نهرها الجميل ، إن كان الطقس ملائماً خذ المركب ( المكشوف ) حتى تتمكن من تصوير المناظر الجميلة التي ستقابلك ، بالنسبة لنا ركبنا المركب ظهراً وكانت درجة الحرارة مرتفعة بعض الشئ لذلك فضلنا المركب المكيف لكننا بكل تأكيد أضعنا متعة التصوير لأن الزجاج سيعكس جزء كبير من الصور .

المركب
المركب الذي يطوف بالنهر ، متعة لا تنتهي

هل
هل تعتقد بأنك ستجلس في مقهى أجمل من هذا المكان

فيما
فيما يبدو أن وقت زيارتنا صادف سباق سيدات في النهر ، هاني قال ( خلنا نشجع الهلالية )

توقفنا عند أحد المباني العملاقة والأثرية التي تشتهر بها وترددنا كثيرا في الدخول إليه لاعتقادنا بأنه كسائر المباني الأخرى لا سيما أننا شاهدنا الكثير منها في المدن التي زرناها سابقا ، لكن المفاجأة كانت أن هذا المباني ليس إلا سجن يحبس فيه المجرمون والخارجون عن القانون ومزود بكل وسائل التعذيب والترهيب , وفي أعلى المبنى ممر طويل توقفنا فيه لالتقاط بعض الصور الفوتوغرافية .

وجدت
وجدت أن التجول في السجن متعة !

صورة
صورة مطلة على النهر من أعلى المبنى

كنا نعتقد من أول وهلة الوصول اننا نقطن مدينة صغيرة إلا أن الجولة البحرية كشفت لنا المعالم الحضارية التي تتمتع بها هذه المدينة بمبانيها الحديثة والمنشئات العملاقة الضخمة مما دعانا إلى تغيير الصورة التي رسمناها في مخيلتنا عنها .

المعالم
المعالم الحديثة في المدينة على الرغم من ان زجاج المركبة البحرية افسد جانب من التصوير

كاتدرائية
كاتدرائية ستراسبورغ التاريخية العملاقة والشهيرة

كم
كم تبدو المنازل جميلة على أطراف النهر ، الورد معلق في كل مكان

صورة
صورة لممرات وطريق المدينة التي تجمع بين التراث والجمال

قضينا في ستراسبورغ يومين رائعين ، كان يجب علينا أن نكمل المسير لأن جولتنا الأوروبية بدأت في العد التنازلي ولم تبق سوى محطة واحدة .. عاصمة النور .. باريس هي المحطة الأخير للجولة الأوروبية التي نفذناها أنا وصديقي هاني .
ودعنا المدينة الجميلة بهدوء تام كحالنا عندما دخلناها للمرة الأولى ، كم أحب المدن الهادئة وكم أتمنى لو أتيحت لي فرص البقاء لفترة أطول .
موعدنا يتجدد في الجزء المقبل عن المرحلة الأخيرة في الجولة الأوربية بعاصمة النور العاصمة الفرنسية باريس لتكون ختام رحلتنا فإلى الملتقى ..

ملحوظة :
سيكون هناك جزء مستقل بعد باريس ، سيخصص للرد على الاستفسارات التي تلقيتها من خلال البريد الالكتروني ، كما سأحاول بقدر الإمكان بث لقطات فيديو وصور مختلفة لم يسبق نشرها .
شكراً لكل من تفضل وأرسل تقديره وإعجابه وانتقاده من خلال البريد الالكتروني وعذراً لمن لم أتمكن من الرد عليه .. لأنني قد أحتاج إلى إجازة من عملي لمدة أسبوع حتى أتمكن من إدراك كل الرسائل ، لا غرابة في ذلك دام أن الموضوع طرح في " قروب أبو نواف " ، أكبر وأفضل مجموعة بريدية ، لن أقول عربية هذه المرة ، لأن عدد المنضمين للقروب سيدرجه ضمن أكبر القروبات على مستوى العالم .

أحمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى