رسائل المجموعة

افهموني رجاءً

افهموني رجاءً

رسالة إلى كل أب وأم مع التحية
جلسا يرتشفان فنجانيهما في هدوء، وأنوار التلفاز تسطع على وجهيهما، ساد الصمت لحظات قبل أن يقطعه سؤاله:-
-" أين (محمد) .؟!".
أجابته وعيناها مسمرتان على شاشة التلفاز:-
-" في غرفته يستذكر ..".
ارتشف ما تبقى من فنجانه مستطردًا:-
-" جيد .. فدرجاته لم تعجبني البتة.!".
أومأت له بصمت ليُغْلَقَ باب الحوار بينهما، وننتقل إلى غرفة ابنهما (محمد) ننظر فيم يعمل ..

****** ******

غرفة كبيرة نسبيًا، تناثرت في أركانها قطع أثاثٍ بسيطة، وإلى طاولة صغيرة في الركن جلس (محمد)، منكبًا على ورقه وقلمه يخط سطورًا تشاطره الْحِمْل الذي ينوء به صدره .. وكان مم كتب..

[ والدي العزيز .. والدتي العزيزة .. افهموني رجاءً .. افهموني كما فهمتكم .. وأدركتُ مدى ما تبذلون من تعب وسهر وقلق لأجلي .. أعلم أنكم تطمحون إلى أن أصبح أفضل شخص في العالم .. أفضل حالاً منكما .. لا أشهد المتاعب التي مررتما بها.. وهذا ما لا أنساه لكما طيلة حياتي .. وثقا تمامًا أني أعي شعوركما لحظة رأيتماها على خلاف ما توقعتم .. لكن لِمَ يقفز ذهنكما مباشرة إلى أنها تقصير من جانبي ..؟!.. لتتناسوا ساعات الاستذكار الطويلة ولأوقات متأخرة من الليل..! واللحظات التي حرمت نفسي فيها من مرافقة أصدقائي ..!.. أليست ذات قيمة في نظركم .؟! .. فاعذراني إن قلت أن هذا ظلم منكم لي .. فلست أجد لاجتهادي واستذكاري وزنًا أُثاب عليه .. وأكثر ما يحز في نفسي أن تبدآ في المقارنة بيني وبين ابن الجيران .. والذي وضعه القدر في صفي .. لينال علامات ترفعه درجة فوقي .. ومن هذا المنطلق تقولان (( أن لكل مجتهد نصيب )) .. إني معكما في هذا .. لكن .. هل كانت درجاتي تلك عن تقصير .؟! أو إهمال واستخفاف بالمسؤولية التي قلدتماها إياي .؟! .. أبي .. أمي .. رجاءً افهموني .. وخففا من عتابكما لي وانتقاصكما لجهودي التي أبذلها .. وتذكرا أن الله – سبحانه وتعالى – قد وضع في كل شخص قدرات معينة تختلف عمن حوله .. فكما اختلفت أصابع اليد الواحدة .. تفاوت التحصيل بيني وبين زملائي .. ]

فُتح الباب على حين غرة ليقطع تسلسل أفكار (محمد)، ويتقدم من خلفه والده عاقدًا حاجبيه، ليقول لحظة بلوغه الطاولة:-
-" ما الذي تفعله الآن يا (محمد) .. أرجو أنك تستذكر دروسك بشكل جيد؛ لأن درجاتك لم تعجبني أبدًا..!".
أطرق (محمد) برأسه، في حين استطرد والده وهو يقلب كومة أوراق على الطاولة:-
-" أريد أن أعرف السبب .. ألم نوفر لك كل ما احتجته..؟! .. لم زميلك (عادل) أفضل منك ..؟! فيم يتفوق عليك .. ؟! اسمع يا (محمد) .. لا أريد أن تتكرر درجاتك هذه .. أريد أن تحوز على المرتبة الأولى بين زملائك .. مفهوم !".

أومأ (محمد) برأسه إيجابًا، وغادر والده الغرفة بعد أن ألقى أمرًا أخيرًا لابنه بالتركيز في مذاكرته، فهز (محمد) رأسه في أسف ورفع رسالته الصغيرة أمام عينيه؛ يتأمل للمرة الأخيرة ما كتب، وقد أيقن أنها لن تصل أبدًا إلى الشخص المطلوب .. فضغطها بين أصابعه وتركها تسقط بهدوء بين زميلاتها في سلة صغيرة.


أختكم / يراع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى