رسائل المجموعة

اتركها – قصة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
=================
(اتركها)

أضاءت أشعة الشمس الغرفة البيضاء مع إزاحة زجاج الستارة عن النافذة، ففتح عينيه بإنهاك وإرهاق، فقد قضى ليلة أخرى لم يغمض له فيها جفن، فالتفت إلى الطبيب يقف إلى جانبه ينظر في التقرير الطبي لحالته، والذي ربت على كتفه قائلاً:-
-" صباح الخير أيها الصامت أبدًا ..".
لم يجبه فتابع وهو يرجع التقرير إلى مكانه:-
-" كيف تشعر اليوم ..؟! .. فكما يبدو أنك لم تذق طعمًا للنوم البارحة .!".
اكتفى المريض بهز رأسه بوهن، فجلس الطبيب على طرف السرير ينظر مستطردًا:-
-" (محمد) .. أما آن الأوان لتفصح عن مكنون صدرك ..!! .. نحن لا نعلم من هم أهلك ..؟! من أصحابك ..؟! كيف جئت ..؟!".
وقبض على يد مريضه يستحثه قائلاً:-
-" صارحني يا (محمد) ولا تخش شيئًا..!".
تطلع إليه (محمد) بصمت قبل أن يقرر الكلام:-
-" لن تفهمني ..!".
ضغط على يده قائلاً بلهفة:-
-" جرّبني واحكم بعدها ..".
هز (محمد) رأسه والدمع يترقرق في عينيه:-
-" لن تفهمني .. البون بيني وبينك شاسع .. أنت من عالم وأنا من عالم آخر .".
وأشاح بوجهه لكيما يُرى الدمع حادرًا من عينيه، فأفلت يده وقال:-
-" كما تريد ..".
وغادر الغرفة ليقف بين اثنين من رجال الشرطة يهز رأسه في أسف، فلم يحصل منه على شيء يذكر..
دارت عقارب الساعة وأفلت الشمس بعيدًا في الأفق، ورغم تأخر الوقت لم يغف (محمد) لحظة واحدة، كان بانتظاره ..
-" رحلت وتركتني وحدي .. أتذكر يوم أخذت بيدي وأجلستني بجانبك في ظلمة الليل .. وشددت على يدي وقلت .. إني أحبك يا أبا مروان .. وأجبتك ساعتها .. وأنا كذلك يا أبا العباس .. فلمن تركت أخوتي ومحبتي .. متى تأتي .. متى تنقذني وتنتشلني منهم ..".
في هذه اللحظة لم تعد به طاقة لحبس دموعه، فسالت على وجنتيه بغزارة، تطلع إلى النافذة بعد أن حبس صوته وانقطع من فرط نحيبه، فتراءى له طيفه .. باسم الثغر كما عهده يناجيه كما في كل ليلة ..
-" ألم يئن لك أن تتركها وتلحق بي .. إني بشوق إليك يا أبا مروان .. اتركها .. اتركها وتعال ..".
حاول جاهدًا أن يلفظ اسمه .. إلا أن الكلمات اختنقت في حلقه، وعلا صدره باضطراب .. حاول وحاول غير أن جفنيه خذلاه لينطبقا بهدوء، وتهبط يده إلى جواره ..
****** ******
أضاءت أشعة الشمس الغرفة البيضاء مع يد الممرضة تزيح الستارة عن زجاج النافذة، وانتقلت بعدها إلى السرير تغير له ملاءاته وأغطيته؛ استعدادًا لاستقبال مريض جديد.
===============
أختكم / يراع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى