رسائل المجموعة

إحترس من ” الجدال العقيم”..

لم اشاهد في مجتمعنا عشق لشيء أكثر من عشق ” الجدال ” فما ان يطرح أحدهم فكرة ما حتى يسارع كل المحيط بالإعتراض والاستفاضة في النقض والتقليل من رأي الطرف الأخر فيتحول الموضوع لمسألة شخصيه ويخرج عن مساره ويحاول كل فرد ان يثبت وبشكل مستميت أنه هو الصواب والأخر على خطاء ، وبطبيعة الحال يحاول الطرف الأخر ان يدافع عن رأيه ويثبت للأخر انه هو المخطيء ولاتستغرب ان كان الجدال على امر لايكاد يذكر ولايستحق كل هذا الجدال في الاساس..

لكن لماذا يجادل البعض ؟

في الحقيقة إن مسألة الجدال ناتجة في الاساس عن وعي ناقص لمعنى النقاش ، فما أن يطرح احدهم رأي معين حتى يطلق دون ان يعلم شرارة تشتعل بها العقول التي اصطلح عندها النقاش بأنه فرصة ” للإنتصار” ، وأن من يناقش يجب ان ينتصر وإلا فأنه خاسر ، لهذا لاتستغرب كثيراً إن رأيت احدهم وقد انتفخت عروقه واحمر وجهه وأرتفع صوته وهوا يحاول اثبات أنه على صواب ، ولاتتعجب ان يخرج كل طرف بضغينة في قلبه على الأخر لأنه حاول اثبات نفسه على حساب الأخر ، وهذي احد عواقب الجدال ..

الجميل والرائع والذي يجب ان نعلمه ونعرفه دائماً ان الله الخالق في علاه ذو الجلال والإكرام والذي خلقنا بيده ونفخ فينا من روحه ، يعلم جيداً ماذا يسبب الجدال العقيم في النفوس ويعلم جيداً عواقبه الوخيمة لهذا وضع حلاً جذرياً لمشكلة الجدال ؟
لكن ماهو هذا الحل ؟ طالما ان الله هو من اعطانا إياه فـ بالتأكيد سوف يكون الحل السليم ولا يوجد حل اصح منه ، وكيف نبحث عن حل اصح ومن صنعنا هو من اعطانا اياه..

الحل نجده في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
قال عليه الصلاة والسلام ” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لم ترك المراء وإن كان محقاً “

المراء : أي الجدال

قد يظن الإنسان ان ترك الجدال وان كنت على صواب فيه من الصعوبة الكثير لكن لو عددن فوائد هذا التصرف لوجدنا ان المسألة تكون أسهل واكثر قابلية للتطبيق..
لاحظ معي شخص يكثر الجدال ويحب اظهار ذاته على حساب غيره ، ولاحظ معي ان تصرفه هذا يجعله كثيراً مايصر على العناد والمغالطات لإثبات انه على صواب، وهذا مايجعله يفقد احترامه وسط الحضور فيعرف عندهم بأنه ناقص العقل لايهمه الا الثأر لرأيه مهما كان، فينفض عنه الاصحاب ويسايره العاقلون وبالتالي قد لايستفيد من نصائح ثمينه قد يعطيها اياه احدهم بسبب معرفة الناس انه لافائدة منه فيتجنبون اي نصيحة قد يحولها لجدال عقيم فيكون هو الخاسر في النهاية..

ولاحظ معي موقف لشخص يحاول اقناع الطرف الأخر برأيه ولكن ومع إصرار الطرف الأخر على الجدال وتعالي الأصوات وبعد ان لاحظ أن الأخر يبحث عن الجدال العقيم وليس النقاش قرر ان يصمت عنه رغم انه يعلم انه على حق ..

فمع من سوف يتعاطف الحاضرين الأن ؟

ولي في هذ المثال قصة يرويها الشيخ محمد العريفي حين يقول أنه ذهب لأحد القرى كي يلقي محاضرة وذكر كلمة فسرت على غير معناها فقام احد الحضور بمحاولة مجادلة الشيخ وساندته مجموعة اخرى ، وهنا قرر الشيخ ان يصمت حتى تهداء الفوضى ، فإذا بالأهالي يتعاطفون مع صمت الشيخ وهدوءه وعدم اندراجه في الجدال فمال الناس للشيخ العريفي رغم انه لم ينبت ببنس شفه بل حرص على الصمت حتى لايدخل في جدال حين لاحظ ان الموضوع تحول لجدال لا نقاش ، بل وتعاطف بقية الحاضرين مع الشيخ لصمته وطلبوا من المجادلين ان يصمتوا حتى يعطوا الشيخ فرصة لإيضاح مقصده ، فقام الشيخ بإيضاح قصده بهدوء ومر الموضوع بسلام ، في حين كان يمكن ان يتحول للمشاحنة ، فكان الصمت ابلغ حكمة !

وعكس ذلك تماماً حصل في قصة شاهدتها امام عيني ، حين انفعل احدهم على الأخر لأنه يريد ان يثبت انه على صواب ، فما كان من الحاضرين الا ان استغلوا غضب هذا الشخص وقامواً بمحاولة استفزازه لأنه كشف لهم دون ان ينتبه أنه شخص سريع الإشتعال ، فأصبح موقف ذلك الشخص لايسر عدو ولا صديق وقرر الانسحاب وهو يسخط ويحاول ان يحفظ ماء وجهه وسط ضحكات الحضور ..
حين رأيت حالته قلت في نفسي ولماذا تجادل في الأساس ان الموضوع برمته لايستحق فالجدال العقيم لايجلب الا النقص لقيمة الشخص والإنسان الذي يكثر من الجدال يشعر بعقدة نقص داخله ويجد في الجدال فرصة لإبرزاها ويعتبر منه معركة الفوز فيها يعني الإنتصار ، لكنها في الحقيقة معركة الفوز فيها خسارة والانتصار فيها خسارة، فأنت تخسر الحاضرين وتخسر نفسك وتخسر من جادلته لأنك اصريت على احراجه فتكسبه عدواً لك ..

وعكس ذلك كله تجد الإنسان الواثق من نفسه فهو يناقش ولا يجادل ، يطرح وجهة نظره بهدوء وسكينة ، ويدافع عن رأيه بمنطقية بهدف توضيح موقفه وليس لكي يكسب الأخر ، وإن شعر انه على خطاء فلا يشعر بأي إحراج بأن يبدي قناعته بوجهة نظر الأخر ، وهو بذلك يرضي ربه ويكسب احترام ذاته ويكسب من كان ممكن ان يكون عدوه في صفه ..


بقلم / صريح
مدونتي الشخصية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى