رسائل المجموعة

أغلى زربة في العالم

كانت أحلامي و أنا صغير أبني قصر على مزاجي، قصر كبير، مدخله حديقة أزرع فيها جميع أنواع الورود و الأزهار، و نباتات الزينة، و يشق الحديقة طريق إلى المبنى الرئيسي، حيث تقف عند بابه الروزرايز، و العديد من السيارات الفاخرة، لكي اركب كل يوم سيارة، و يكون فيه مسبح خارجي بالحديقة و مسبح داخلي، و كنت أخطط أن يكون القصر مؤثثا من أرقى بيوت الأثاث العالمية، لكن أهم شي أن تكون غرفة النوم مطلة على الحديقة، ويكون بها بلكون أجلس أنا و زوجتي فيها، في الصباح الباكر، و أنا أرتشف الكابتشينو لأني ما أحب من القهوة إلا هي.
 
لكن عندما كبرت، تحطمت أحلامي على صخرة الواقع الأليم، حيث ورثت من الوالد و أنا صغير مبلغ من المال و نماه عمي حتى أصبح مبلغا طيبا، لم أستطع شراء قصر بهذا المبلغ، أو حتى فيلا، حتى العمارة عجزت أن اشتريها لأن المبلغ لا يكفي، ذهبت لأكتشف سر هذه الدنيا السعودية التي لا يستطيع أحد أن يشتري فيها قطعة أرض، ذهبت لمكاتب العقار سألت عن قيمة العمائر من باب الفضول لأنه كانت عندي قناعة أنني لن أستطيع شراء عمارة حتى عمارة قديمة، وجدت الأسعار فوق المليون ريال و بدأت أسأل عن الأراضي و وجد قيمة الأرض داخل جدة ما بين سبعمائة ألف ريال إلى المليون، أصابني غثاء من هول المفاجأة، أدركت حينها أنني أصارع الدنيا، فالإيجار لا يرحم، و الفواتير لا ترحم و المعيشة لا ترحم، من أين أوفر لأشتري قطعة أرض و أبني عليها، وكلت أمري لله، و قلت مالي إلا أن أقدم على منحة أرض و انتظر عشرات السنوات، و أقدم بعدها على صندوق التنمية العقاري، و أنتظر عشرات السنين ليبنيها ورثتي، ذهبت للبلدية وقالوا لي أن المنح متوقفة و إذا جاءت أراضي منح فهي بالقطارة، يعني أنسى منحة أرض، طبعا لا يوجد داعي لأذهب إلى صندوق التنمية العقاري لأني عارف الإجابة أشتر أرض و قدم و بعد ستين عاما احتمال نعطيك عشرة آلاف ريال تبني بها بيتك السعيد، لقد دب في عروقي اليأس، قررت أن أبحث عن غلاء المنازل في مملكتنا الغالية جدا و لأول مرة أعرف غلاء الوطن نعم صحيح عندما يقولون أن الوطن غالي و أن أرض الوطن غالية نعم لقد أدركت هذا المعنى، أتدرون لماذا الوطن غالي؟ لأن هناك أناس يأخذون أراضي الوطن منحنا، و الأغلبية يشترونها منهم، و إذا أشتروها لا يستطيعون بنائها، لكن ينتظرون صندوق التصفية العقارية، ليقبع الشعب السعودي تحت وطأة الإيجار، و للمعلومية تبلغ نسبة السعوديين الذين يمتلكون منازلهم 23% و هي أدنى نسبة تملك المواطنين لمساكنهم في العالم، لهذا أنا لا أريد عمارة ولا حتى شقة، فقط أريد زربة مثل زربة الغنم و لا أمانع إن جاءتني بلا شبك، تقديرا لظروف مملكتنا الغالية جدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى